في لقاء شاركت فيه مؤخرا في جمعية 7 مليون معاق بحي العمرانية، الجيزة، بدعم من الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية، تحدثت مجموعة من النساء من أمهات ذوي الإعاقة عن مشكلات يواجهنها في التعامل مع مؤسسات الدولة الصحية والاجتماعية بداية من عدم الوعي باحتياجات وظروف ذوي الإعاقة، وصولا إلى الممارسات غير اللائقة التى تتعرض لها هذه الفئة والتى تصل فى بعض الأحيان إلى إهانة الكرامة الإنسانية. وبلا شك فإن تأثيرات الإجراءات غير الملائمة والسلوكيات المسيئة والمهينة مزدوجة حيث تؤثر على الأشخاص ذوى الإعاقة وأمهاتهم، ويضاف إلى ذلك أن الأمهات هن من يتحملن أعباء التعامل مع الإجراءات غير الملائمة ومواجهة السلوكيات المسيئة. وفى ظل تردى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسلوكية، قد تكون البيئات المحيطة معيقة لغير ذوى الإعاقة، فما بالنا بذوى الإعاقة؟!
وفي هذا اللقاء شاركت فتاة من ذوات الإعاقة وجدتها، حيث أن الجدة التي تتولى رعايتها بعد وفاة والديها، وتحدثت الجدة عن موقف حدث مع أحد الموظفين، حين أشار بيده قائلا لها: “خلى البنت المجنونة دى تقف على جنب”. أتصور أن هذا الموظف أو العامل لا يجهل فقط حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة، ولكنه نموذج لجهل واسع الإنتشار بمعنى “الكرامة الإنسانية”. ولأن الجدة لا حيلة لديها، فقد شعرت بأن تدخل بعض الأشخاص الموجودين لمواجهة سلوك الموظف بمثابة إنصاف لحفيدتها ولها شخصيا، أماالطفلة فمازالت غير متسامحة مع هذا السلوك المهين، حيث أشارت لجدتها أن تقول لنا أن هذا الشخص يجب محاكمته وحبسه. وفى الواقع أن رأى الطفلة هو الصحيح بغض النظر عن نوع العقوبة، فمادام لا توجد عدالة بالمعنى القانوني ومساءلة بالمعنى المؤسسي ستظل هذه الممارسات والسلوكيات موجودة.
وكما هو معروف فإن البيئات المعيقة تكون أكثر عنفا للفئات الفقيرة، فعلى الأمهات تحمل الأعباء المادية والإعالة والرعاية بكل تفاصليها، وحتى الأمور البسيطة مثل السير في الشارع أوعبوره تصبح مأساة وعبء على الأمهات. من المحزن حقا أن تنطوى هذه الأمور العادية على تهديدات حقيقية للحق فى الحياة والسلامة الجسدية والنفسية فى مدينة مثل القاهرة في ظل سياسات تهتم بالطرق ولا تهتم بالبشر. وأكثر من ذلك الأعباء النفسية بداية من الإحساس بالعجز، وحتى الخوف من المستقبل، فالأم هى التى ترعى بدون مقابل، وفى كثير من الحالات قد تصل اعتمادية الشخص المعاق على أمه إلى درجة عدم إمكانية العيش بدونها، وهكذا يتولد الخوف الدائم من المستقبل، ماذا لوحدث للأم مكروه؟ قد يكون الأمر محتملا لو أن هناك مؤسسات تقدم الرعاية أو أن هناك راع بديل يمكن أن يتولى الأمر، ولكن عادة ما تكون الأم هي الملجأ الأول والأخير وغيابها أو عجزها كارثي بكل معاني الكلمة.
أما عن الحلول، فمن وجهة نظر أمهات الأشخاص ذوى الإعاقة مجرد طموحات وآمال بسيطة ومشروعة، وهي سماع اصواتهن والتخفيف عنهن وعن أبنائهن وبناتهن، وكل ما يطلبنه تخفيف الإجراءات ومراعاة ظروفهن، والوعي بأن الأشخاص ذوى الإعاقة لهم ولهن حقوق بسيطة فى مقدمتها الاحترام وعدم التمييز، وكالعادة، فإن أمهات الأشخاص ذوى الإعاقة مثل كل الأمهات، لا يطلبن شيئا لأنفسهن، ولكن لأبنائهن. ولكن الإنصاف يقتضى النظر إلى الأمهات بوصفهن ضحايا البيئات المعيقة، وربما أكثر من الأشخاص ذوى الإعاقة أنفسهم في كثير من الأحيان.
صحيح أن هناك الكثير من الأصوات التى تناولت هذا الأمر، ولكن على مستوى الواقع ما زالت غالبية الأمهات، وخاصة في المجتمعات الفقيرة، يتحملن أعباء ثقيلة مادية ونفسية وثقافية فى بيئات غير مواتية بل ومعادية في كثير من الأحيان. وفي سياق هوجة الكلام عن أن “المرأة ملزمة أو غير ملزمة”، يجب التفكير فى أمهات الأشخاص ذوى الإعاقة لأنهن مجبرات على الالتزام بالرعاية والعناية ومواجهة ضغوطات البيئات المعيقة، بكل ما فيها من اختلالات مادية ومؤسسية وسلوكية واخلاقية.