تعتبر عربات الأطعمة الشعبية أحد العناصر الأساسية في التراث الشعبي المادي للعديد من المجتمعات، هذا التراث الذي يشتمل على الكثير من مناحى الحياة المادية كالمبانى والأدوات والأوانى والأزياء وطرق الزراعة والصيد وغيرها. وعربات الأطعمة، شأنها شأن الكثير من عناصر التراث المادى، ليست مجرد أدوات ذات وظيفة استعمالية ومنفعة اقتصادية ولكن لها أبعادها الاجتماعية والثقافية والجمالية. ومن المعروف أن بعض عناصر التراث المادى تختفى، وتدخل حيز النيسان أو تصبح مجرد فولكور جمالى، وبعضها الآخر يحافظ على وجوده ويتحول ليواكب المتغيرات والتحولات التى تشهدها المجتمعات. وتعد عربات الأطعمة من هذا النوع الآخير الذى استمر وتحول ليواكب المتغيرات مستجيبا للاحتياجات وأنماط الاستهلاك. وفى مصر لعربات الأطعمة الشعبية مكانة خاصة ومميزة، فهى متنوعة فى وظائفها وأشكالها وأحجامها، ومنتشرة فى الشوارع والأزقة وفى أماكن التجمعات العمالية وأمام المدارس وعلى الشواطئ والكبارى وحتى على الطرق السريعة. وتتنوع الأطعمة التى تباع من خلال هذه العربات، ومع إن عربة الفول هى الأكثر شهرة وانتشارا، إلا أن هناك العديد من الأطعمة الأخرى التى لها حضورها، كالكشرى والبطاطا والآيس كريم والتسالي وحمص الشام وغزل البنات والكبدة وغيرها.
ومن ناحية الشكل تتنوع عربات الأطعمة الشعبية، ففى دراسة منشورة بمجلة الفنون الشعبية، تعدد الباحثة عبير عبد العزيز هذه الأشكال، فمنها عربات تجر باليد مثل عربات الترمس والذرة والبطاطا وعربات التسالى (اللب والفشار)، وحمص الشام؛ وعربات تجر بالتريسيكل مثل الأيس كريم وحمص الشام، أما العربات التى تجر بالحمار فهي عربات الفول. وبالطبع فإن التطورات اللاحقة أدخلت تحولات على أشكال بعض العربات، فعربة الفول التى يجرها حمار أو تجر باليد لم تعد منتشرة كما كان في السابق بعد انتشار العربات الثابتة التى يتم دفعها أو جرها بالتريسيكل لتستقر في مكان ثابت، أما عربات البطاطا والترمس والتين الشوكى فمازالت تحتفط بطبيعتها القديمة من حيث طبيعتها المتحركة المتجولة.
ومن المنظور الجمالى، فإن عربات الأطعمة الشعبية لها خصوصيتها من حيث الأشكال والزخارف، وقد تختلف الزخارف بحسب نوع الطعام فمنها ما يحمل زخارف بألوان زاهية ورسومات، أو يحمل رموزا وعبارات دينية أو أمثال شعبية أو عبارات فكاهية. وسنجد أن العبارات الدينية تعكس مفردات التدين الشعبى كالستر والمحبة والصلاة على الرسول والرزق والبركة. وقد تتزين العربة بما يعطيها خصوصيتها من أدوات، كأن توضع قلل الماء فى عربات الترمس، أو تزيين عربات حمص الشام المسائية بأنوار زاهية، وكذلك إعطاء أشكال لعربات الأيس كريم لتجذب الأطفال كأن تكون على شكل أوزة.
ولا نبالغ عندما نقول أن هذا التراث المادى لم يشهد انحساران بل على العكس فثمة توسع كبير فى ظاهرة عربات الأطعمة الشعبية وخاصة في المدن الكبرى، ويمكن أن نشاهد ذلك على الكبارى في القاهرة حيث تنتشر عربات حمص الشام، وفى الشواطئ حيث تنتشر عربات التسالى والترمس والآيس كريم، وفى مواسم معينة كحال عربات التين الشوكى، وقد أدخل البعض تحديثات عصرية على الأطعمة، فمثلا لم تعد عربات البطاطا تقدم هذا الطعام فى صورته الخام، بل أصبحت هناك إضافات مثل الشيكولاته أو العسل، كما اختلفت طريقة التعبئة لمواكبة متطلبات الذوق العام والدليفيرى.
ومن المؤكد أن عربة الفول هى سيدة العربات بلا منازع، فهى الأكثر انتشارا لكونها تقدم وجبة الإفطار الأساسية لمعظم المصريين، وقد حافظت على وجودها فلم تعد تلك العربة التقليدة الجوالة التي يجرها حمار لبيع الفول فى الصباح أو قبل الإفطار والسحور فى شهر رمضان، فقد أصبحت أشبه بمطاعم صباحية ثابتة للوجبات والسندويتشات وخدمات التوصيل، ويمكن لعربة فول أن تحظى بشهرة تتجاوز حدود المنطقة التى توجد فيها. ونظرا لجاذبية عربات الفول، فإن بعض المطاعم اختارت أن تضعها أمام المحل، كما أننا قد نجدها فى بعض الفنادق على سبيل التجميل الفلولكورى أو لأنها تعطى الإحساس بجودة الفول المقدم. وحتى على الطرق السريعة، وهذه ظاهرة مستحدثة، يمكن أن تكون عربة الفول ملتقى سائقى النقل الثقيل وغيرهم من المسافرين.
ومن هذا المنطلق، فإن عربات الأطعمة الشعبية تعد من أبرز أشكال التراث الشعبى المادى الحى، وبالإضافة إلى وظيفتها الاقتصادية كمصدر للدخل لبعض الفئات، أو لأنها تلبى احتياجيات فعلية لفئات عديدة، فإنها لا تخلو من جماليات. وهى ظاهرة متجذرة لدرجة أنه من الصعب تخيل الصباح المصرى بدون عربات الفول، فهى علامة على العلاقة بين الغذاء والهوية الثقافية. صحيح أن هناك جوانب سلبية تتعلق بالنظافة والصحة العامة، ولكن هذه الجوانب تنطبق على المطاعم أيضا، وهى أمور يمكن تفاديها بالإشراف الصحي الجيد. .