نستكمل حديثنا عن المرأة, هي أيقونة الإنسانية المعذبة.. علي الرغم من أنها رفيقة الرجل وشريكته في الحياة ومساوية له تماما في كل شيء, ونحن نقول في أمثالنا الشعبية, كل رجل عظيم وراؤه امرأة, وهذه حقيقة.
علي الرغم من أهمية المرأة في الحياة, فلا يمكن للرجل أن يعيش وحيدا وكذلك المرأة, إلا أن الرجل استطاع أن يسيطر علي المرأة ويستخدم قوته وحيله في حبسها أو سجنها في البيت وعدم تعليمها أوخروجها في الحياة واكتساب الخبرات الكثيرة التي اكتسبها هو وأوهمها بأنها خلقت للبيت فقط وإنجاب الأطفال وتنظيم وتنظيف البيت وإعداد الطعام. المشكلة أن بعض النساء اقتنعن بذلك والبعض الآخر استسلم لقوة الرجل وخوفا من بطشه وغضبه وضربه وهمجيته.
عاشت المرأة في البيت خانعة ذليلة مغلوبة علي أمرها, واستسلمت لجهل الرجل وعدم فهمه لطبيعتها المساوية له تماما وعقلها الراجح الذي يفوق تفكيره بكثير أحيانا. لم تسلم المرأة في رحلتها مع الرجل من جهله وبطشه إلا في العصر الفرعوني في مصر القديمة حيث عاشت جداتنا سعيدات محترمات وعملن في كل الأعمال تقريبا.
الغريب أن الفكر المتخلف الجاهل في التعامل مع المرأة لم يكن للعامة ورجل الشارع فقط, بل وجدنا فلاسفة اليونان العظماء يفكرون أيضا هذا التفكير.
بينما أنا أكتب هذا المقال عن المرأة رحل عن عالمنا صديق العمر المطران الدكتور الأنبا يوحنا قلته المعاون البطريركي للأقباط الكاثوليك في مصر والمسئول القانوني لمدارس سان جورج, وهو أحد المفكرين المستنيرين في مصر, رجل الدين المؤمن بفلسفة الأديان في بناء الشعوب الراقية المتحضرة, والمحب لكل البشر علي اختلاف لغاتهم وألوانهم ودياناتهم, فالإنسان هو الإنسان في كل مكان. الدكتور الأنبا يوحنا قلته هو تلميذ عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين, فقد كانت رسالته للماجستير عنوانها: طه حسين وأثر الثقافة الفرنسية في أدبه. كما حصل علي درجة الدكتوراه في دراسة المستشرقين الفرنسيين للشعر العربي من جامعة القاهرة وعمل أستاذا زائرا في جامعة القاهرة والجامعة الأمريكية في القاهرة.
* آخر ما كتب الدكتور يوحنا قلته في جريدة الأهرام نشر بعد رحيله في عدد الجمعة 18 فبراير 2022 تحت عنوان: الإنسان في مهب الريح. كأن الرجل يودع العالم حزينا عليه وعلي ما أصابه يقول: لم يسبق للبشرية عصر خلا من مرجعية إنسانية ثابتة قويمة يحترمها جميع البشر ولم تمر بعصر خلا من رمز إنساني يجمع علي طاعته كل البشر, فنحن نعيش وقد تمزقت البشرية إلي طوائف ومذاهب فليس هناك مذهب ديني يلتف حوله أغلبية البشر, فالعالم يضج بزحام عشرين ديانة رسمية تعترف بها الأمم المتحدة, وبعشرات النحل والملل والمذاهب هذا من الناحية الدينية, وقل الأمر كذلك عن الاقتصاد وعن السياسة والاجتماع, فلم تستطع ثقافة قوية أن توحد العقل الجماعي للبشر, الذي نراه هو خضوع المجتمع البشري لظاهرة الخوف من الحروب والهروب إلي تكديس السلاح وسباق نحو القوة وذلك بسرقة قوت الشعوب فالمجاعات منتشرة والأمية غالبة والكل يحاول أن يعيش حياته في كثرة اللذات المزيفة دون أن يغير شيئا من القيم الأخلاقية السائدة منذ العصور الوسطي. ويتحدث الدكتور الأنبا يوحنا قلته عن المرأة فيقول: هل تغيرت مكانة المرأة في أي مجتمع؟ في وثائق تاريخية تعاملت الدولة مع المرأة كأنها شيء خلق للمتعة وليس للبناء. أفقدوها حريتها وإرادتها وأفرغوا عقلها من كل علم إلا ما تندر..
هكذا يمضي المفكر الفذ ورجل الدين الفيلسوف الدكتور الأنبا يوحنا قلته حزينا علي العالم الذي فقد عقله ونفسه وإنسانيته!. وكان جديرا بأن أكتب عنه هذه الكلمات القصيرة فهو يحتاج لكتاب خاص عن رحلة حياته المهمة.
أعود إلي الحديث عن المرأة وقد عرفنا رأي راحلنا الكريم.
هل تصدق عزيزي القارئ أن أرسطو صاحب نظرية الوسط الذهبية, وكتاب السياسة وفكرة الديمقراطية يقع في هذا الخطأ الكبير ويقول إن أسنان المرأة أقل عددا من أسنان الرجل!؟.. وقد رد عليه العالم والفيلسوف (برتراند رسل) فقال له.. لماذا ياأستاذنا أرسطو لم تطلب من زوجتك المصونة أن تفتح فمها لك لتعد أسنانها؟ وساعتها كنت ستجد عدد أسنانها مثل أسنانك تماما وليس هناك فرق!. وأرسطو مثل كل اليونانيين كان يعتقد أن المرأة أقل وغير مساوية للرجل.. أفلاطون فيلسوف المدينة الفاضلة كان يعتقد ذلك أما أبو الفلسفة سقراط, أول شهداء الفلسفة والذي أعدم سنة 399ق.م بتناول كأس السم فكان أيضا يعتقد ذلك وربما كان له عذره, فقد تزوج بامرأة عصبية سيئة لم تستطع أن تستوعب حكمة زوجها ولا رسالته لشعب أثينا, فكانت تتعقبه وهو يتحاور مع تلاميذه وتقذفه بالماء وتتشاجر معه, لكنه كان وقورا هادئا متحملا, وكان يقول: يجب علي الرجل أن يتزوج فإذا تزوج بامرأة صالحة سيكون زواجا سعيدا, أما إذا تزوج بامرأة سيئة فسيكون مثلي فيلسوفا.
هناك طرائف كثيرة في موضوع المرأة, الغريب أن كل الطرائف تتصل بالمرأة وليس بالرجل لماذا؟ لأن الرجل هو الذي يطلق هذه الطرائف أو الشائعات… نسمع جميعا عن الغجر الذين يعيشون في شرق أوروبا.
في إحدي رحلاتي الأوروبية التقيت في المجر بالسيد.. فلوريان فاركوش المسئول عن الغجر هناك وهو واحد منهم وسألته عن وضع المرأة هناك فقال: من عاداتنا وتقاليدنا أن الرجل يمشي في الشارع أولا ثم تمشي المرأة وراءه, والمرأة تلد في خيمة خاصة بعيدة ويتم حرقها بما فيها بعد ذلك, وتعتقد جماعة من الغجر أن المرأة أقل من الرجل مكانة لذلك ترفض هذه الجماعة السكني في بيوت مشيدة من أكثر من طابق واحد حتي لا ترتفع المرأة علي الرجل وتسكن فوقه.. سألني الرجل هل تعرف أن أمنا الأولي ليست هي حواء أمكم؟ قلت كيف؟ قال إن آدم عرف فتاة أخري قبل حواء هي أمنا وتزوجها وأنجبا الشعب الغجري الذي يمتاز بالجمال والقوة! وقلت عجبي.. ملحوظة يبلغ عدد الغجر في العالم 16 مليونا. الحديث عن المرأة يطول وهو حديث ذو شجون ومتعة لكنه لا يخلو من الحزن والقلق علي ما عانته قديما وحتي الآن. فإلي اللقاء في المقال التالي إن شاء الله