منذ طفولتي تشغلني قضية المرأة, والدتي وأخواتي ثم بعد ذلك زوجتي وابنتي وحفيداتي, أري فيهن الجمال والرقة والحب والتضحية وتعب المحبة. لا أنسي قول أمي لي عندما كنت أطلب منها أن تقدم لي أكثر من خدمة في وقت واحد.. حاضر يا حبيبي بس أنا ماليش ميت إيد علشان أعمل كل هذا في وقت واحد…
* الواقع أن المرأة هي أيقونة الإنسانية المعذبة.. خلقها الله حتي تكون رفيقة للرجل في حياته, تسعده ويسعدها, وتخفف عنه مشاكل الحياة, وكما قال الفيلسوف نيتشة.. المرأة تضفي علي الحياة لونا مستحبا.. وطبيعي أن الخالق العظيم خلق الإنسان رجل وامرأة, خلقهما متساويين تماما, والخلاف الذي بينهما مجرد خلاف بسيط من أجل أستمرار البشرية ووجودها, أما المرأة فهي مساوية فعلا للرجل في كل شيء, فالله الكامل المتكامل والكمال لا يمكن أن يخلق الرجل كاملا والمرأة ناقصة فهذا لا يتفق مع جلاله وعدالته. وقد أثبت العلم مساواة المرأة مع الرجل في أهم ميزة يتميز بها الإنسان وهي العقل.
يقول الدكتور عبدالهادي مصباح في كتابه: طريقك إلي النبوغ والعبقرية, الدار المصرية اللبنانية ص26:
من خلال العديد من الدراسات تبين أن متوسط حجم مخ المرأة يقل عن متوسط مخ الرجل, ولكن قبل أن يفرح الرجال ويهللوا.. هذا ليس معناه أن الرجل أذكي من المرأة, لأن الدراسات التي أجريت من جلال فحص المخ المقطعي PET بأستخدام البوزيترون, والذي يظهر مراكز المخ المختلفة وهي تعمل, أثبت أن كمية المادة الرمادية, وهي الجزء المسئول عن الذكاء والتفكير والتميز في المخ, لا يوجد فرق واضح في كميتها عند كل من المرأة والرجل.. ويشرح مؤلف الكتاب طبيعة الرجل والمرأة والفرق بينهما فيقول: الخالق عز وجل لم يخلقهما متماثلين, وإنما خلقهما متكاملين بتكوين بيولوجي معين, لكي تكتمل رسالة إعمار الكون من خلال الإنسان السوي, سواء كان رجلا أم امرأة, ولنأخذ مثلا علي ما نقول بالفرق بين تكوين مخ الرجل ومخ المرأة, فهل يختلف إنسان علي أن فطرة البنت الصغيرة تنسجم أكثر مع اللعب بالعرائس, ولعب دور الأم أو المعلمة, بينما نجد الأولاد أكثر خشونة وعنفا في ألعابهم التي تظهر العنف مثل الرياضات والمدافع والدبابات والمسدسات وغيرها.
* هكذا يثبت الدكتور عبدالهادي في كتابه مساواة المرأة والرجل علميا في الجسم وعدم الفرق بينهما في أهم عضو في جسم الإنسان وهو المخ الذي ينتج العقل وقد أثبت الزمن أنه حتي طبيعة الرجل والمرأة اختلفت وأصبح الرجل مؤهلا لتربية الأبناء ورعايتهم والمرأة مؤهلة لأعمال العنف والخشونة فنجدها تعمل في الجيش والشرطة, وهناك سيدات قادة للجيوش ووزيرة للدفاع والشرطة. المرأة استطاعت حديثا أن تعمل في كل المجالات بنجاح وتفوق, ووصلت إلي أن تكون وزيرة ورئيسة مجلس الوزراء وأستاذة جامعية وخبيرة استراتيجية ورئيسة جامعة وفنانة بل ورئيسة جمهورية.. وهناك عبقريات نسائية خدمت الإنسانية بما لا يدعو مجالا للشك في أن المرأة مساوية للرجل فعلا في كل شيء. من هذه العبقريات النسائية البولندية الفرنسية ماري كوري 1867 ـ 1934, التي أكتشفت مادة الراديوم التي تعالج مرض السرطان, وهي السيدة الوحيدة التي فازت بجائزة نوبل مرتين, وفازت ابنتها أيضا بجائزة نوبل, وهل ننسي العالمة المصرية سميرة موسي 1917 ـ 1952م التي رحلت بطريقة غامضة في أمريكا وكانت شهيدة عبقريتها واكتشافها سر القنبلة الذرية والذرة وكانت تريد أن تستخدمها في علاج المصريين وغيرهما كثر.
المرأة هي أيقونة الإنسانية المعذبة.
فمع أهمية المرأة في حياتنا, وهي أم الدنيا ومربية الأجيال, والمضحية بكل شيء من أجل أبنائها وأقاربها ومحبيها, والتي تضفي علي حياتنا الجمال والأناقة والحب والشعور الجميل بلمة العيلة والالتفاف الأسري إلا أنها للأسف الشديد عاشت معذبة مهملة حزينة علي ما أصابها من الرجل من امتهان وإهانة نفسية وجسمية, واعتبارها إنسانة أقل من الرجل بل وضربها وقتلها, والقانون كثيرا ما يغفل عن أعطائها حقها وحقها الإنساني, المرأة خلال مراحل التاريخ لم تشعر بإنسانيتها وسلامها وأهميتها إلا في العصر المصري القديم, حيث عاشت جداتنا سعيدات لاحترام الرجل ـ جدنا العزيز ـ لها وإعطائها المكانة اللائقة والتكريم الواجب والحب العظيم, واستطاعت أن تثبت وجودها وتعمل في أكثر من مهنة مثل الطب ووصلت إلي أن تكون رئيسة طبيبات منذ آلاف السنوات, كذلك كانت ملكة بل وربة أيضا.. هكذا كان المصريون هم الوحيدون الذين عرفوا قيمة المرأة فعاشت كريمة سعيدة بينهم, وغارت منها المرأة اليونانية وكل نساء العصر القديم.
السؤال الذي يفرض نفسه علينا هو ما السبب في وصول المرأة إلي هذه المكانة المتواضعة, بل والمهينة؟
أرجو أن لا يغضب الرجال عندما أقول إن السبب الحقيقي في وصول المرأة إلي هذا الوضع هو الرجل نفسه, فقد تصور منذ البداية أنه أرقي وأعقل وأقوي منها ومن هنا أعطي نفسه الحق في السيطرة عليها وحبسها في المنزل وعدم تعليمها أو خروجها للحياة أو الاشتراك في الحياة الاجتماعية, مما ساهم في جهلها وتوقف نمو عقلها وإيمانها بما أملاه عليها الرجل ظلما أنها خلقت لكي تحمل وتلد وتنظم البيت, وتطبخ وتغسل, ثم بعد ذلك تعد نفسها لتكون أنثي جميلة بالنسبة لزوجها, بمعني آخر تخيل خيال الرجل المريض أن المرأة خلقت لتكون ملكا له وحده وتنفذ أوامره وتنسي أنها إنسانة لها الحق في الحياة والعلم والخروج إلي المجتمع والعمل والبناء, بجانب عملها في البيت وتربية الأبناء. المرأة إنسان كامل لها الحق في الحياة الكاملة التي يعيشها الرجل وقد أشار الفيلسوف العربي الإسلامي ابن رشد 1126 ـ 1198 إلي هذا فقال.. إن الرجل يظلم المرأة عندما يعتبرها ملكا خاصا له, فأنها خلقت حرة وليست عبدة للرجل هي مساوية تماما للرجل.
المرأة أيقونة الإنسانية المعذبة.. نستكمل في المقال القادم إن شاء الله.
المرأة هي أيقونة الإنسانية المعذبة