شعبنا, للأسف, لا يحب التفكير, أو بمعني أدق, لا يفكر بدقة أو بجدية, فهو يفكر حتي يجد حلا لأي مشكلة بسرعة دون جهد أو تعب, فلماذا التعب والإرهاق؟ وتكون النتيجة أن تزداد مشاكله وتتفاقم.
سألني أحد القراء الأعزاء.. هل أنت الذي اخترت غلاف كتابك: يا عزيزي كلنا فلاسفة؟ قلت: نعم.. فقال: لماذا اخترت هذا الغلاف السيء المخيف؟.. قلت: اخترت هذا الغلاف لأني أعتبر نفسي هذا الشخص الذي يتصدر الغلاف وهو عصبي يشد شعره في غضبه من الشعب المصري والعربي الذي لا يفكر!
وأنا أعلم أن هناك من يفكرون بالطبع جيدا, لكنني أتحدث عن الغالبية التي تهرب من التفكير لتربح نفسها وعقلها. في هذا المجال أحكي لكم حكاية حكاهالي صديقي الصيدلي د.عريان مورجان, قال: كنت في الصيدلية وجاءني رجل في سن الشباب وطلب مني شراء الدواء المكتوب في الروشتة, كان الدواء نوعا من الشراب لعلاج الكحة, أعطيته الدواء, وسألني: كيف أستخدمه؟, قلت له: ملعقة كبيرة بعد تناول الطعام. بعد أن انصرف الرجل عاد مرة أخري مهرولا قائلا: كيف أتناول الدواء ملعقة كبيرة والملعقة الكبيرة لا تدخل في الزجاجة وقد حاولت كثيرا؟!
أشفق د.عريان علي الرجل وقال له: لماذا لم تفكر في أن تصب الدواء من الزجاجة إلي الملعقة؟ ألم يكن ذلك أسهل؟ هذا مثل بسيط عن التفكير السطحي العشوائي لمعظم شعبنا الطيب.
المشاكل الكثيرة التي يعاني شعبنا منها نتيجة عدم التفكير السليم الجيد كثيرة وهي تمس كل حياته بل وأهمها أيضا.
الواقع أن التفكير جزء مهم في حياة الإنسان, بل هو حياة الإنسان نفسه, لهذا أسند فيلسوف العقل.. رينيه ديكارت Descarts 1596-1650م وجود الإنسان نفسه إلي التفكير فقال عبارته المشهورة: أنا أفكر إذن أنا موجود.. وقال الفيلسوف الفرنسي الساخر فولتير Voltaire 1694-1778.. فكر ودع غيرك يفكر.. كما ألف كاتبنا الكبير عباس محمود العقاد 1889-1964م كتابا في هذا المجال تحت عنوان: التفكير فريضة إسلامية.
* المشاكل الكثيرة التي يعاني منها شعبنا هي نتيجة عدم التفكير الجيد الموضوعي, فمشكلة زيادة السكان هي نتيجة عدم التفكير الجيد أو قل نتيجة التفكير العشوائي قصير النظر, فلو فكر أهالينا جيدا في الإنجاب الكثير الذي يتسابقون فيه مع الأرانب! لن يقبلوا علي كثرة الإنجاب, وسيكتفوا بطفلين علي الأكثر.
أما إنجاب عشرات الأطفال فهو حقيقة أساس كل مشكلة بل ومصيبة, وحتي أكون دقيقا أقول هو السبب الرئيسي فيما يعانيه المجتمع المصري والعربي من الفقر والجهل والمرض.. وضياع مستقبل الشباب وانتشار أطفال الشوارع وانتشار الجريمة وتكوين الجماعات الإرهابية, وتهديد وجود المجتمع.
ولو فكر الرجال الأقوياء المغاوير جيدا, وحتي مجرد تفكير بسيط في المستقبل لاستغنوا عن العبارة التي يستخدمونها في أحاديثهم في البيت والعمل وحتي علي القهوة, وفي فرحهم وغضبهم وضيقهم وسعادتهم, وهي عبارة: علي الطلاق.. إنهم يستخدمون العبارة دون وعي أو تقدير فتكون النتيجة خراب بيوت وتحطيما للبنية الأساسية للمجتمع, وتحطيما للمجتمع نفسه.
إن الإحصاءات تخيفنا عندما تقول: إن هناك حالة طلاق تحدث كل دقيقتين في مصر تقريبا, يحدث هذا ونحن عندنا الأزهر الشريف ورجال الجامعات والأبحاث, والمجلس القومي للمرأة والمدارس ورجال التربية والتعليم, والإعلاميون الأفاضل الذين زهقونا من أحاديثهم التافهة عن لاعبي الكرة والفنانات والفنانين وفساتينهن وطلاقهن وزواجهن وثرواتهم وخلافاتهم و… و…!
وأريد هنا أن أقول كلمة تؤرقني وتوجعني حقا, وهي أن الإعلام وبالذات الفضائيات التي تطل علينا ليل نهار دون سبب وأهمية, هذه وتلك تتسبب في تخلف المجتمع المصري لا تقدمه أو تكوين رأي مستنير!!.. ثم أين المواطن المصري العادي ورجل الشارع في هذه الفضائيات التائهات المغيبات؟! وأين البرامج الثقافية المفيدة التي تهتم بعقل المشاهد والمستمع وتدفعه إلي القراءة والثقافة والتفكير السليم الإيجابي؟ لا شيء.. وحتي البرنامج الذي يمكن أن نضعه ضمن البرامج الثقافية وهو برنامج العباقرة, لا يضيف ثقافة للمشاهد ويعتمد علي الحفظ والتلقين, ويسيء للأسف للقب العباقرة, فالعبقرية والعباقرة شيء آخر تماما, وحرام أن نطلق علي المشتركين فيه لفظ العباقرة!!
* شبابنا للأسف لا يعرف عن الزواج إلا الفرح والجنس والمرح والرقص, لا يعرف أن الزواج أساسه بناء أسرة تخدم المجتمع وتتقدم به, ومن هنا فهو مسئولية إنسانية يجب أن يفكر فيها كل متقدم للزواج, هو مشروع الحياة والمستقبل ومن هنا يجب علي الشاب والفتاة أن يدقق في اختيار الآخر بحيث يكون مناسبا له وموافقا لسلوكه وعاداته وتقاليده وثقافته حتي يكون الزواج ناجحا, وهناك حقيقة تفرض نفسها علينا جميعا هي أنه ليس هناك عروس تأخذ عشرة علي عشرة, وكذلك بالنسبة للرجل, وعندما تكون النسبة ثمانية علي عشرة أو أقل قليلا تكون مناسبة, والباقي يستطيع الإنسان بشيء من التفكير الجيد أن يحققه, فلابد من الصبر والتحمل والسماحة والحب بين الطرفين.
* عفوا شعبنا لا يفكر..
نحن نعاني من تدني وفساد التعليم منذ نصف قرن تقريبا, وعندما جاء وزير قوي مثقف دارس للعملية التعليمية وأراد أن يهتم ويرتفع بالتعليم ويغير الأساليب القديمة البالية ويضع أساليب وخططا متقدمة للنهوض بالتعليم, وهو أهم مشروع لتقدم مصر, وجدنا من يهاجم الوزير دون أن يفكر ماذا يعمل الرجل؟
* هل فكر شبابنا الذي أضاع حياته في المخدرات قبل الإقدام علي هذه الجريمة ولو برهة قصيرة في المصير الذي يمكن أن يصل إليه؟
* وهل فكر الأب الذي قتل أبناءه, أو الأم التي قتلت أبناءها قبل ارتكاب الجريمة, ولو لحظة فيما يفعلون؟
* الباعة الجائلون الذين ينتشرون في الشوارع والحواري في كل مدن مصر يستخدمون الميكروفونات مرتفعة الصوت المزعجة وهم لا يعرفون أن الأصوات المرتفعة المزعجة تسبب الطرش المستعجل وضعف السمع بالنسبة للناس, الغريب أن هناك قانونا يمنع استخدام مكبرات الصوت ليل ونهار في الشارع, فهناك مرضي ومتعبون يحتاجون إلي الراحة.. إنني أستيقظ فجأة من نومي علي كابوس الأصوات المزعجة وبخاصة خلال ساعات القيلولة!!
* مظاهر عدم التفكير كثيرة, وإذا انتقلنا من الشعب إلي السادة المسئولين فسنجد نفس عدم التفكير الجيد العشوائي أيضا, فالسادة المسئولون عن شوارع القاهرة وكل مدن الجمهورية يجعلون المطبات الصناعية أشبه بالشراك الخداعية فهي مرتفعة أكثر من اللازم وليس لها لون مميز حتي يلحظها أي سائق, وتتحطم السيارات وهي جزء من اقتصاد البلد.. ثم تجري في الشوارع سيارات القمامة, ومع أننا نعاني من وباء لا يفرق بين غني وفقير وطفل وكبير, فإن هذه السيارات غير مغطاة مما يجعل الزبالة تطير في الهواء وتنتشر في كل الشوارع وتنشر معها الجراثيم والأمراض والرائحة الكريهة و…. و….
في هذا المجال أحب أيضا أن أوجه عناية المسئولين الأفاضل إلي أن الأرصفة مرتفعة جدا مما يصعب علي كبار السن والمرضي والحوامل والأطفال الصعود إليها! هذا مع أن الأرصفة أصبحت بوتيكات وبوفيهات ومطاعم ومعرض عرض أزياء, وإللي ما يشتري يتفرج! وإذا كان عاجب سيادتك.. هل فكر السادة المسئولون في شوارع القاهرة وأرصفتها وماذا يحدث فيها؟!