انتهت قمة ممثلي الدول السبع الكبري والتي انعقدت في لندن الأسبوع الماضي إلي عدد من القرارات تضمنها البيان الختامي للمؤتمر التحضيري للقمة ومنها توفير الدعم المالي اللازم لكوفاكس لتوفير اللقاحات للدول الفقيرة, وتوجيه الانتقادات لكل من روسيا والصين التي تعتبرهما أمريكا خصمين منافسين لها. وفي هذا المؤتمر حاولت أمريكا استعادة التحالف مع الدول الأوروبية والذي صادف تصدعات أثناء فترة حكم الرئيس السابق ترامب.
منذ مجيء الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن في بداية عام 2021 والعالم يترقب السياسات الأمريكية الجديدة في العالم وتعامل أمريكا مع الصين وروسيا المنافسين الاستراتيجيين لها في الفترة الحالية كقطبين صاعدين ينهيان سيطرة أمريكا كقطب واحد مهيمن فارض لسياساته ومصالحه علي حساب دول وشعوب العالم.
وكما توقع الكثيرون ومنهم كاتبة هذا المقال بتغيرات جديدة تختلف عن فترة الرئيس السابق ترامب حدث خلال المائة يوم الأولي من حكم بايدن تغيرات في الساحة الداخلية والعالمية حيث ركز جو بايدن في سياساته في الداخل الأمريكي علي التخفيف من حدة تداعيات فيروس كورونا الصحية والاقتصادية وأيضا رأب الصدع في تصاعد العنصرية والتمييز ضد السود من أصل أفريقي وضد المهجرين والأقليات.
أما بالنسبة للسياسة الخارجية فقد عاد جو بايدن لبعض الاتفاقيات الدولية التي انسحب منها ترامب وعلي رأسها اتفاقية المناخ, ومنظمة الصحة العالمية, وأعاد تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا), بجانب عودة أمريكا إلي الاتفاق النووي الإيراني (5+1) الذي تم في عام 2015 وانسحب منه دونالد ترامب في 2018, ولكن مازال جو بايدن يسير علي طريق ترامب في العداء للصين وروسيا باعتبارهما خصمين وأكد علي ذلك الأسبوع الماضي في الاجتماع التحضيري لقمة الدول السبع الكبري (أمريكا- إنجلترا- فرنسا- ألمانيا- إيطاليا- اليابان- كندا) حيث قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن روسيا مازالت مدعوة إلي الطاولة ولكن ممارستها في أوكرانيا خطر علي أوروبا وأمريكا هذا بجانب طرد عدد من الدبلوماسيين الروس من الولايات المتحدة الأمريكية, وتحاول أمريكا وضع العراقيل أمام صعود الصين كأقوي اقتصاد في العالم إذا قسناه وفقا لنظام تعادل القوي الشرائية الفعلية لليوان والدولار.
ووسط محاولة أمريكا العودة للمشهد العالمي وإعادة التحالف الغربي مع أوروبا للواجهة تعيد أمريكا سياساتها وترتيب أوراقها في منطقة الشرق الأوسط بؤرة الصراعات والتوترات والنزاعات المشتعلة والتي استزفت العديد من الدول اقتصاديا وأمنيا واستنزفت أيضا أمريكا (التي تحاول الآن الانسحاب في سبتمبر القادم بعد عشرين عاما من غزو أفغانستان) بجانب العدوان علي العراق وقيادة التحالف الدولي للحرب علي الإرهاب حتي الآن. تعيد أمريكا سياساتها من أجل إعادة هيكلة ورسم هذه المنطقة ليعاد الهدوء والاستقرار والتعاون بينها وفي القلب منها تعيش إسرائيل آمنة وقوية.
ولننظر سويا وندقق فيما يحدث الآن من أحداث ومفاوضات وتغيرات بخصوص منطقتنا ودولنا العربية من جهة وعلاقاتها بمحيطها الإقليمي إيران وتركيا هذا غير الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين العربية الذي يمر علي قيامه في منتصف هذا الشهر 73 عاما, دعونا ننظر وندقق ونتساءل هل نحن أمام تنفيذ ما سمي بالشرق الأوسط الجديد؟
ولنبدأ بالمشهد الإيراني الأمريكي حيث تدور الآن محادثات في فيينا لتقريب وجهات النظر بالنسبة لأمريكا وإيران حول الملف النووي الإيراني والعودة للاتفاق النووي مع رفع العقوبات الأمريكية المفروضة علي إيران ويوجد بوادر تفاهمات حول هذا الملف وانفراجة واسعة في الأسابيع الأخيرة وذلك في رفع العقوبات الأمريكية عن إيران مقابل أن توقف إيران تخصيب اليورانيوم وتوافق علي تمديد عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية, ولا يخفي بالطبع التخوفات الأمنية لكل من دول الخليج والكيان الصهيوني ومطالبات دول الخليج وعلي رأسها السعودية لإيران بعدم تمدد نفوذها علي كل من العراق واليمن وسوريا ولبنان والكف عن دعم الميليشيات المسلحة والتخلي عن امتلاك القنبلة النووية, وأيضا عدم دعم إيران للحوثيين في اليمن والذي أدي إلي استنزاف السعودية منذ 2015 حتي الآن بقيادتها للتحالف العربي الذي يشن الحرب علي الحوثيين في اليمن, كما تريد السعودية ضمان أمن الخليج والممرات المائية وأمن الوطن العربي.
ومن الجدير بالذكر أنه أثناء كتابة هذا المقال نقلت لنا وكالات الأنباء العالمية خبرا عن المحادثات بين إيران والسعودية لمحاولة حل الخلافات سلميا وسياسيا وعودة العلاقات بينهما, كما نقلت لنا وجود وفد سعودي في سوريا للعمل علي فتح سفارة للسعودية في سوريا بعد عيد الفطر وأيضا عودة سوريا للجامعة العربية.
وإذا انتقلنا للمشهد المصري التركي نجد أن هناك مباحثات استخباراتية بين البلدين وزاد عليها وجود وفد تركي في القاهرة لمزيد من المباحثات لعودة العلاقات الدبلوماسية والسياسية بينهما حيث يتم بحث مطالبات مصر بخصوص ملف الوضع الأمني في ليبيا, وملف ترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط وذلك بجانب ملف الإخوان المسلمين الذين ارتكبوا جرائم إرهابية داخل مصر وهربوا وأقاموا في تركيا, ومطالب مصر بإغلاق القنوات الفضائية التي تحرض ضد النظام المصري, وبالنسبة للمطلب الأخير نجد استجابة لإغلاق هذه القنوات وتخفيف حدة العداء للنظام المصري مع استعداد تركيا للاعتراف بشرعية النظام المصري مقابل عودة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية إلي طبيعتها.
إن هذه الملفات التي مازالت مفتوحة ويجري بشأنها تفاهمات ومفاوضات لابد من متابعتها لمعرفة ماذا يدور في منطقتنا العربية؟ وماذا بخصوص مصالح الشعوب العربية وحقها في الحياة بعزة وكرامة وحقها في العدالة الاجتماعية والسلام والرخاء؟ وماذا بشأن الحل العادل للقضية الفلسطينية بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف وحق اللاجيئين في عودتهم إلي ديارهم؟ وماذا بشأن الجرائم الصهيونية الأخيرة بشأن التطهير العرقي في القدس بطرد المقدسيين في القدس الشرقية من منازلهم والاستيلاء عليها من قبل المستوطنين والاعتداء علي المصلين في المسجد الأقصي وحصارهم في الجمعة الأخيرة من رمضان أمام صمت العالم والدول الكبري التي تدعي أنها المدافعة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان؟