يقول ديفيد هارفي أحد أبرز المفكرين المعاصرين: إن النموذج الاقتصادي الرأسمالي العالمي الجديد لا يخدم الغالبية من سكان العالم بقدر ما يخدم القلة الاحتكارية الغنية من خلال الشركات العابرة للقارات متعددة الجنسيات والتي تسعي إلي تراكم الأرباح والثروات علي حساب 90% من سكان العالم الذي يقترب من 8 مليارات نسمة, وأود أن أؤكد علي موافقتي علي كلام ديفيد هارفي بل وأضيف علي ذلك أن شعار هذه الدول والشركات الاحتكارية الكبري هي الأرباح قبل الإنسان.
لقد برزت كارثية سياسات النظام الرأسمالي العالمي الجديد مع جائحة فيروس كورونا حيث أوضحت عدم صرف غالبية الدول علي الصحة والتعليم مما أدي إلي انهيار المنظومة الصحية وعدم كفاءتها لمواجهة تفشي الفيروس وتداعياته الاجتماعية والاقتصادية حتي الآن, واستمرت هذه السياسات غير الإنسانية في الحصول علي اللقاح حيث تتسابق الدول الغنية في الحصول علي اللقاح وتخزينه مع رفع شعار بلدي أولا بل وهناك دول مثل أمريكا وإنجلترا فرضت قيودا علي تصدير اللقاح خارج حدودها وذلك بدلا من التعاون من أجل صالح البشرية. إن هذه السياسات من قبل الدول الكبري وشركاتها الدوائية والمنتجة للقاح تشكل مافيا عالمية في تجارة الدواء والأمصال واللقاحات لا تقل خطورة عن مافيا تجارة السلاح والمخدرات والإتجار بالبشر من وجهة نظري.
لقد بدأت الدول الغنية منذ أكثر من ثلاثة أشهر في تلقيح مواطنيها وحتي الآن لم تستطع الدول الفقيرة والمنخفضة الدخل من الحصول إلا علي أقل القليل من جرعات اللقاح لا تزيد علي عشرات الآلاف أو في أحسن الأوقات مئات الآلاف لتلقيح عدد محدود جدا من مواطنيها وفقا للمثل الشعبي إللي ممعهوش مايلزموش. هذا في الوقت الذي يشهد فيه العالم موجة رابعة من فيروس كورونا ووصلت فيه الإصابات إلي أكثر من 138 مليون إصابة وأكثر من 3 مليون حالة وفاة أثناء كتابة هذا المقال.
يقول دكتور تيدروس أدهانوم مدير عام منظمة الصحة العالمية: هناك معضلات كبري تواجه العالم رغم تطوير المصل من بينها قلة عدد شركات الدواء الكبري حول العالم التي لديها معرفة لإنتاج المصل مما يجعل المعروض في الأسواق العالمية أقل بكثير من المطلوب حيث إنه مطلوب تلقيح 70% من سكان العالم بجرعتين من اللقاح لتحقيق مستوي مقبول من المناعة العالمية.
أي أنه ياسادة مع بطء إنتاج اللقاح واحتكار توزيعه بطريقة غير عادلة يعني أننا أمامنا سنوات للوصول إلي المنشود.
وعلينا أن نعرف أيضا أن برنامج التطعيم العالمي (كوفاكس) يعمل علي أن يتم تطعيم نحو 20% من سكان الدول الفقيرة (محدودة الدخل) بنهاية عام 2021 في حين أن الهدف بالنسبة للعديد من البلدان الغنية ذات الدخل المرتفع هو تطعيم 80% من سكانها بحلول الصيف!! عليك أن تتخيل عزيزي القارئ وعزيزتي القارئة اتساع الفجوة بين20% و80% أين العدالة في توزيع اللقاح في العالم الذي هاجمه الفيروس بشراسة دون تفرقة؟!.
ويشير دكتور تيدروس أدهانوم في محاضرة ألقاها في كلية لندن للعلوم الاقتصادية بمناسبة مرور عام علي إعلان كوفيد 19 وباء عالميا وشاركت فيها جريدة الأهرام المصرية وتم نشرها في 31 مارس 2021 بقلم الصحفية منال لطفي يشير إلي أنه يجب علي الدول الغنية أن تدرك أن خدمة المصالح قصيرة المدي هو أمر سينقلب عليها في نهاية المطاف فمشروع إنتاج وتوزيع المصل علي كل دول العالم (كوفاكس) التابع لمنظمة الصحة العالمية, والذي يهدف لإبقاء أسعار اللقاحات منخفضة, وتوزيع الجرعات علي بلدان العالم بشكل أكثر عدالة, وبناء علي الحاجة, يتعثر بسبب ضعف التمويل وأنانية الدول الغنية. وأضاف في هذه المحاضرة لن يكون هناك مكان آمن وحده بمعزل عن مايحدث في بقية دول العالم حتي لو استطاعت دول أوروبية أو أمريكا إعطاء اللقاح لـ80% من سكانها فلن يؤدي ذلك وحده إلي إعادة فتح الاقتصاد وحرية السفر والتنقل والعمل لأنه سيكون هناك دائما مخاوف من الفيروسات المتحورة التي تأتي من دول العالم التي مازالت تعاني من ارتفاع معدل الإصابات مع زيادة احتمالات ظهور أنواع متحورة تستعصي علي الأمصال الموجودة حاليا.
ويضع رئيس منظمة الصحة العالمية حلولا لما يحدث منها:
الترخيص الطوعي أي أن تعطي شركات الدواء الكبري حق إنتاج المصل لدول وشركات أخري حول العالم بأسعار مخفضة لتسريع إنتاج وتوزيع المصل بعدالة.
التنازل عن حقوق الملكية الفكرية في الحالات التي تهدد بعض سكان العالم وفقا لبنود اتفاقية حقوق الملكية الفكرية.
الاستثمار في الصحة والتعليم فعندما يكون الناس أصحاء يمكنهم التعلم والابتكار.
هل تأمل شعوب العالم بتحقيق سياسات جديدة تقوم علي العدالة والمساواة من أجل عالم يسوده الأمن والأمان والاستقرار.