نحن أبناء أعظم حضارة إنسانية, وهي عظيمة لأنها قامت علي الأخلاق, الحضارة هي سلوك إنساني ينم عن احترام الإنسان لكل إنسان, بل لكل الأحياء سواء البشر أو الحيوان أو النبات, أو حتي الحجر, وعندما نقول ذلك فإنه ليس تعصبا لبلدنا العزيز ولا تاريخنا المجيد وإنما هو الحقيقة التي تفرض نفسها علي كل البشر, ففي الولايات المتحدة الأمريكية يدرس أطفالهم الحضارة المصرية كجزء مهم من تاريخ البشر, وكذلك الحال في أوروبا والصين وكل الدول المتحضرة, فمصر هي أم الدنيا منذ أكثر من عشرة آلاف سنة كما يقول العالم الدكتور جمال حمدان في كتابه الرائع شخصية مصر.
ومصر هي التي اكتشفت الضمير الإنساني كما قال المؤرخ الأمريكي (هنري بريستيد) في كتابه: فجر الضمير, والضمير كما نعلم هو الحارس علي الأخلاق والقيم الإنسانية.
كان الإنسان المصري بعد موته في مصر القديمة, وبعد أن تصعد روحه إلي السماء يقف أمام الآلهة يدافع عن نفسه قائلا:
لم أسئ لأي إنسان, أو أتسبب في تلويث ماء النيل, أو أحرم طفلا من كوب اللبن, أو أقتل أحدا, أو أسرق أحدا, أو أغتصب مال أحد, كنت عونا للمحتاج, مساعدا للفقير, قدما للكسيح, معينا للأرامل وأبا لليتيم.. إلخ.
وهل هناك منظومة أخلاقية أفضل من هذه؟ كان الرجل يحترم المرأة ويجلها لأن عدم احترام المرأة, أو الشعور بأنها مخلوق أقل من الرجل يغضب إلهة العدالة (ماعت).
الحديث يطول عن تاريخنا العظيم المشرف في تقديم مبادئ الأخلاق للعالم كله, والتي يعيش العالم الآن عليها في سلام وخير ورفاهية. ومن عجب أن نعطي ونصدر للعالم القيم الأخلاقية ومنظومة التعامل الإنساني. ويأتي الوقت أن نفتقد نحن هذه القيم! أو نهملها ونتناساها أو نغض الطرف عنها. بل وللأسف ونتعامل مع قيم شريرة أبعد ما نكون عن الذي تربينا عليه وعشنا نسعد به واستطعنا به أيضا أن نقيم أعظم حضارة في التاريخ. قل لي بالله عليك ما الذي حدث في مجتمعنا هذه الأيام ومنذ سنوات لا تعد علي أصابع اليدين؟ ضرب وقتل وذبح وسرقة واغتصاب وشتائم يشيب لها الولدان.. أطفال في عمر الزهور من الجنسين يقذفون بعضهم بعضا بألفاظ غليظة وكلمات جنسية قبيحة, وسب دين, ثم المصيبة الكبري أن هؤلاء الأطفال يعتدون جنسيا علي بعضهم, وبعضهم يقتلون ويسرقون ويدمنون, وأعمال لا يستطيع الإنسان أن يصدقها أو يستوعبها!
هذا عن الطفال أما الكبار فحدث بلا حرج وتوقع الأسوأ! ماذا حدث لنا؟ وكيف وصلت بنا الحال إلي هذا المستنقع الأخلاقي؟ أين الآباء والأمهات والتعليم والإعلام ورجال الدين والرياضة والشباب والجامعة؟
للأسف الكل ساهم في تخلف وارتداد المجتمع المصري المتمسك بالأخلاق دائما, ارتداد أوصلنا إلي قرب الهاوية!.
ولكن هل نستسلم ونترك بلدنا تذهب إلي الجحيم وبئس المصير وضياع حضارة آلاف السنين؟
بالطبع الأمل دائما موجود, وإرادة الشعوب هي إرادة الله عز وجل, من هنا فنحن نملك القدرة علي استعادة أخلاقنا وتراثنا, فجينات الحضارة والثقافة موجودة في كل مصري بحكم الوراثة وحب الحياة والعمار والنور والضياء والخير والحق والجمال. إذا كانت أخلاقنا قد توارت أو اختفت فإنها لم تمت ويكفي أن نستدعيها ونقرر ونصمم علي استعادتها والتمسك بها, والاعتماد عليها في بناء مجتمعنا الأخلاقي الجديد, بل إننا في نهضتنا سنحقق الكثير ويعم الخير الذي هو أساس كل شيء, سيعود الحب إلي كل المصريين, واحترام الآخر ومساعدته والتفاني في ذلك.
كيف يحدث ذلك؟
لا نحتاج إلي معجزة, فنحن لسنا في عصر المعجزات, وإنما نحن في عصر الإرادة والعمل لتحقيق الأمل.
البداية لابد أن تكون من البيت والأسرة والأسوة الحسنة, ثم وزارة التربية والتعليم التي وصل الحال بها إلي عدم وجود تربية ولا تعليم, لكن الأمل الكبير في القادم. مع إصلاحات الوزير النشط
نحن نحتاج إلي ثورة ثقافية أخلاقية يساهم فيها كل فرد وكل مؤسسة وكل وزارة وكل جمعيات المجتمع المدني. ثورة تشمل التربية والتعليم لبناء الإنسان السوي المتعلم الذي يهتم بالكيف أكثر من الكم, والذي يتذوق الفنون وبخاصة الموسيقي, وفي هذا المجال نذكر مقولة الفيلسوف أفلاطون التي تقول:
[علموا أطفالكم الموسيقي والفنون وبعدها أغلقوا السجون] وزارة التربية والتعليم من واجبها أن تربي أطفالنا علي القيم الأخلاقية الحميدة وتكتشف الموهوبين والعباقرة منذ نعومة أظفارهم حتي يمكن أن تستفيد منهم الدولة. الثورة الثقافية تشمل الدين أيضا لأن الدين نفسه ثورة من أجل بناء الإنسان علي القيم الروحية السامية, وبدلا من الاختلافات الوهمية والاهتمامات الشكلية اهتموا بنشر جوهر الدين وفلسفته, وجهوا جيش الشيوخ والخطباء والقسوس والوعاظ لنشر الحب بين الناس, وزرع الإيمان بالخير والقيم الأخلاقية في نفوسهم, ونبذ الخرافات والدجل وضرورة استخدام العقل. الثورة الثقافية لابد أن تطهر الإعلام من الجهلة والمتخلفين الذين يهتمون بمظهرهم وملابسهم أكثر من عقولهم والمادة التي يقدمونها, الثورة الثقافية لابد أن تهتم بعقول الناس وتشجعهم علي القراءة والاهتمام بالكتاب. وبالمناسبة لماذا توقف مشروع القراءة للجميع وكتاب لكل أسرة؟ لا يعيب المشروع أنه كان أيام الرئيس مبارك وزوجته السيدة سوزان, بل الواقع أنه كان مشروعا ثقافيا رائدا وأرجو أن نعيده حتي تعم الفائدة.
أين وزارة الشباب والرياضة من الأخلاق؟ نحن نحتاج إلي الأخلاق أكثر من الرياضة فقد رأيت ـ للأسف ـ أبطالا يفتقرون للأخلاق, والرياضة هنا لا معني لها, لأن من الأهداف المهمة للرياضة تعليم الأخلاق والتعاون والحب. نحتاج لثورة ثقافية في شتي مجالات الحياة لتنهض مصر أم الدنيا وتمارس رسالتها في نشر الحب والأخلاق بين شعبها وبين شعوب العالم كما كانت دائما.