هناك اعتقاد سائد بيننا أن قاسم أمين, هو أول من كتب عن المرأة, وأنه رائد تحرير المرأة, وذلك لما كتبه عن المرأة في كتابيه, كتاب (تحرير المرأة) سنة 1899م, وكتاب (المرأة الجديدة) سنة 1901م.
لكن الحقيقة أن هناك من سبق وكتب عن المرأة وتحريرها ومساواتها بالرجل وتعليم البنات, وإليه يرجع الفضل أنه مهد للمجتمع أن يتقبل أفكار قاسم أمين. إنه رائد التنوير, والمعلم الأول رفاعة الطهطاوي, ذلك البقري الفذ, الذي يعتبر أب النهضة الحديثة, ورائد الفكر المصري في العصر الحديث, حيث قاد ثورة فكرية كبيرة في ميادين التربية والتعليم والترجمة والتأليف.
أول من كتب عن المرأة هو رفاعة الطهطاوي وذلك في كتابه الرائع (المرشد الأمين للبنات والبنين) وذلك سنة 1872م, أي قبل قاسم أمين بربع قرن, ويعد هذا الكتاب أول كتاب وضع باللغة العربية في التربية في العصر الحديث. وهو كتاب حجة ومرجع وكتاب فارق في تاريخ الأمة شأنه شأن كتاب (مستقبل الثقافة في مصر) لطه حسين, والكتاب ضخم يبدأ بمقدمة, ويحتوي علي سبعة أبواب وكل باب يحتوي علي عدة فصول, وقد قدم رفاعة الطهطاوي البنات علي البنين في عنوان الكتاب وذلك ليس حفاظا علي السجع, إنما لتوصيل رسالة وهدف من الكتاب.
وبتصفح الكتاب تجد أن رفاعة الطهطاوي يركز علي دورالبنات, ويتكلم عن المرأة علي مدار الفصول, فعلي سبيل المثال في الباب الثاني يتكلم عن الصفات المشتركة بين البنات والبنين (المرأة والرجل), ويركز كثيرا علي المرأة ويثني عليها, ويطلب من البنات أن يعرفن إمكاناتهن الفكرية ومكانتهن وأنهن مميزات بالعقل كما الذكور أيضا, بل يذهب إلي أكثر من ذلك ويقول إن هناك مميزات للبنات عن البنين, وفي الفصل الثالث من الباب الثالث, يتكلم عن مشاركة البنات مع البنين في التعليم والتعلم وكسب المعرفة, ومن ضمن ما يقوله في هذا الشأن: ينبغي صرف الهمة في تعليم البنات والصبيان معا لحسن معاشرة الأزواج, فتعلم البنات القراءة والكتابة والحساب والنحو, فإن هذا يزيدهن أدبا وعقلا ويجعلهن بالمعاوف أهلا ويصلحن به لمشاركة الرجال في الكلام والرأي,.
وتحدث كثيرا عن المساواة والتعلم ورجاحة عقل البنات, وإمكاناتهن, وأنها شريكة الرجل, ومن الأشياء الرائعة أيضا في هذا الكتاب أنه يقدم لنا أمثلة من التاريخ عامة ومن تاريخ العرب لأمهات علمن أولادهن الشجاعة والإقدام مما كان له أثره في المجتمع, كما تكلم أيضا عن عوائد الأوروبيين في تربية البنات والبنين, كما يقدم لنا في هذا الكتاب القيم, أهم المبادئ الصالحة في التربية والعلاقات الأسرية والحقوق والواجبات, وكيفية تربية النشء علي القيم الدينية والفضائل منذ صغرهم.
أيضا ركز في كتابه هذا علي أنه ليس هناك تعارض بين الدين وتعلم المرأة, وقدم أمثلة من التاريخ الإسلامي والتي تؤيد تعليم المرأة وفي نفس الوقت لا تعارض النزعة الدينية للمجتمع, كما تعرض أيضا لتعليم البنات في فرنسا, وكيف أنه كان يتم في أديرة الراهبات, وهو هنا بذكاء شديد يوضح مدي مشروعية تعليم البنات من الناحية الدينية الإسلامية والمسيحية علي حد سواء.
والعجيب أن رفاعة الطهطاوي لم يترك شيئا بين البنات والبنين إلا وتكلم عنه, وستذهل عزيزي القارئ عندما تتصفح هذا الكتاب وتجده يتكلم عن العاطفة بين الجنسين, هذا في توقيت كان التخلف هو السائد علي المجتمع كله. والكتاب عامة يركز علي المواطنة وحث الناس علي الاجتهاد والعمل وتعليم البنات والبنين لخدمة الوطن, وغرس قيم المواطنة في نفوس النشء وذلك بهدف خلق مواطن صالح (رجل وامرأة) يعرف حقوقه وواجباته ويعمل علي تقدم واستنارة مجتمعه.
عندما صدر هذا الكتاب (1872م) كانت المرأة في مصر تعيش في عصر الحرملك, ذلك نتاج الفكر العثماني الرجعي والمتخلف, والذي كان ينظر للمرأة نظرة دونية, فكانت المرأة حبيسة الحرملك لا تخرج منه إلا مرتين في حياتها كلها, المرة الأول عندما تخرج لبيت الزوجية, والمرة الثانية عندما تخرج إلي المقابر يوم وفاتها. وهذا الكتاب حرك المياه الراكدة وقادة ثورة فكرية ومهد لتحرير المرأة, وكان من جرار هذا الفكر أن المرأة المصرية وصلت أن تشترك في مؤتمرات عالمية مثل (المؤتمر النسائي الدولي) الذي عقد في روما سنة 1923م, وحضره من مصر وفد نسائي مكون من هدي شعراوي ونبوية موسي, وسيزا نبراوي. والآن في أيامنا الحالية وصلت المرأة إلي أعلي المناصب, ويجب علينا أن نذكر قاسم أمين, مجهوده وكتاباته عن تحرير المرأة, ولكن قبل ذلك نذكر دائما رائد التنوير والمعلم الأول رفاعة الطهطاوي الذي مهد لكل هذا, وخاصة في كتابه الحجة والمرجع (المرشد الأمين للبنات والبنين).