التنمية الاقتصادية المستقلة جوهر الاستقلال الوطني, وسط حشد عربي ومصري كبير كان اللقاء في الثامن والعشرين من سبتبمر 2020 في ذكري مرور خمسين عاما علي رحيل القائد جمال عبدالناصر والذي أجمع الحضور علي أنها خمسون عاما من الحضور في ذاكرة شعوب الأمة العربية والأفروآسيوية التي تتطلع للاستقلال الوطني من المستعمرين الجدد المتمثلين في الرأسمالية المتوحشة الناهبة لثروات الدول النامية, خمسون عاما من الحضور في قلوب الشعوب التي مازالت تبحث عن العدالة الاجتماعية والمساواة والمواطنة وعدم التمييز وتذويب الفوارق بين الطبقات, خمسون عاما من الحضور فعبدالناصر لم يرحل ولكنه فرض نفسه علي الجميع بمساندة قوي التحرر الوطني بعد ثورة 23 يوليو 1952 في الوطن العربي وبلدان إفريقيا, كما كان من مؤسسي حركة عدم الانحياز في مؤتمر باندونج 1955, عبدالناصر باق فهو رمز للانتماء القومي العربي ورفض التبعية وعدم الخضوع للقوي الاستعمارية الكبري.
عبدالناصر باق كما قال المفكر اللبناني الكبيرالدكتور أسعد السحمراني (الذي جاء إلي مصر لإحياء الذكري الخمسين لرحيل عبدالناصر) حيث أكد في كلمته الصادقة علي أن مصر قلب العروبة النابض وأن قدرها قيادة أمتها للنهوض وللحفاظ علي الأمن القومي العربي; فالأحرار يصنعون الوطن ولا يحمي الأوطان تابع كما لا يحفظ الكرامة بائع.
وفي يوم الاثنين الثامن والعشرين من سبتمبر 2020 أقامت اللجنة القومية لمئوية جمال عبدالناصر بالاشتراك مع وزارة الثقافة عدة ندوات في المجلس الأعلي للثقافة تناولت عدة محاور هامة تناولت العروبة والمشروع الوحدوي, ومصر والنظام الدولي بعد ثورة 23 يوليو 1952, والتنمية المستقلة والاقتصاد الوطني, واختتمت الندوات بندوات حول قوة مصر الناعمة في الثقافة والفنون والإعلام. ووسط حضور مصري وعربي مع مراعاة إجراءات الوقاية من فيروس كوفيد 19 المستجد تم عقد الندوة التي سأتحدث عنها وهي التنمية المستقلة والاقتصاد الوطني والتي أدارها الدكتور مجدي زعبل المنسق العام للجنة القومية للمئوية وتحدث فيها عدد من المفكرين والخبراء الاقتصاديين الدكتور محمد عبدالشفيع عيسي الخبير الاقتصادي بمعهد التخطيط, والدكتور شريف قاسم أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات, والمهندس صبري عشماوي رئيس جمعية بناة السد العالي, والأستاذ شريف جاد مدير النشاط الثقافي بالمركز الثقافي الروسي بالقاهرة.
وقبل الحديث عن أهم ماجاء في الندوة ينبغي الإشارة إلي أنه بعد تفشي فيروس كورونا واضطرار الدول والحكومات لمواجهته صحيا وأيضا مواجهة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والأزمات الناتجة عن الإجراءات والخطوات التي اتخذتها لمنع تفشي الفيروس ومنها (الإغلاق التام أو الجزئي لأماكن التجمعات في المدارس والجامعات والنوادي والمؤسسات والمصانع بجانب توقف النشاط السياحي والطيران والنقل بين الدول وبعضها) تبين مع كل هذه الإجراءات أهمية الاعتماد علي الذات بمعني الاعتماد علي الاقتصاد الإنتاجي الزراعي والصناعي من أجل الاكتفاء الذاتي أولا وثانيا وثالثا ثم الإنتاج من أجل التصدير وذلك من أجل توفير الأمن الغذائي والدوائي للشعوب كما اتضح أهمية الاهتمام بخدمات التعليم والبحث العلمي والصحة وأيضا مع ثورة الاتصالات والمعلومات لابد من الاهتمام بإنشاء بنية تحتية خاصة بشبكة الاتصالات الإلكترونية نظرا للاعتماد عليها في التعليم والعمل والتسوق وعقد المؤتمرات في الداخل والخارج من خلال برامج إلكترنية تتيح كل ذلك عن بعد للحفاظ علي التباعد الاجتماعي.
إن الدول التي اعتمدت علي اقتصاد إنتاجي وعلي منظومة خدمات صحية متكاملة استطاعت أن تتجنب الآثار الناجمة عن جائحة كورونا بشكل كبير.
من هنا جاءت أهمية ندوة التنمية المستقلة والتي ركز السادة المتحدثون من خلالها علي عدة محاور ونقاط هامة سأوجزها في السطور التالية.
أكد السادة خبراء وأساتذة الاقتصاد علي أن جوهر الاستقلال الوطني هو التنمية المستقلة وأن السد العالي هو أكبر مشروع تنموي في القرن العشرين وأنه رمز للتنمية المستقلة سواء زراعيا أو صناعيا فلقد حمي مصر من الفيضانات التي تنتج عن غزارة الأمطار كما ساعد علي زيادة الرقعة الزراعية وتحويل نظام الري من ري الحياض إلي الري الدائم مما ساهم في توليد الكهرباء لإنارة مصر وقراها وتشغيل مئات المصانع الإنتاجية التي ساهمت في تصنيع بلادنا كالحديد والصلب والمصانع الحربية والنصر للسيارات والأسمنت بحلوان ومجمع الألومنيوم الصناعي بنجع حمادي والغزل والنسيج بالمحلة الكبري وشبرا الخيمة. وأشار المتحدثون إلي أن من يملك قوت يومه يملك غده ويملك الإرادة الحرة المستقلة في قراراته دون الاضطرار للتبعية للدول الكبري الرأسمالية المتوحشة وعلي رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وأن التنمية المستقلة تعني الاعتماد علي الذات ويكون من نتائجها زيادة الدخل القومي والمدخرات والتقليل من الاعتماد علي الاستيراد بإنتاج سلع تحل محل الواردات من السلع الاستهلاكية والوسيطة والثقيلة, وتعتمد التنمية المستقلة علي خطط زمنية قصيرة الأمد وخطط استراتيجية طويلة الأمد تحقق التوازن بين الاستثمار والادخار والاستهلاك.
كما أكد المتحدثون علي أن التنمية الكاملة هي التنمية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فلا تنمية إنتاجية بدون تنمية الموارد البشرية واسمحوا لي أن أتوقف عند هذه النقطة الهامة وهي تنمية الموارد البشرية وأزيدها تفصيلا من وجهة نظري حيث إن العالم بات يعاني من السياسات النيوليبرالية التي أدت إلي اتساع وزيادة الفجوة الطبقية مما أدي إلي مزيد من الإفقار وزيادة أعداد الفقراء والمهمشين في العالم مع تردي الخدمات, لذا حين نتحدث عن أن التنمية الكاملة هي التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لابد وأن نركز علي تنمية الموارد البشرية من حيث التعليم والتدريب والتأهيل مع تحقيق حياة معيشية كريمة بتوفير فرص عمل وأجور تساعد علي الصرف علي أعباء المعيشة الضرورية هذا بجانب تمتع الفئات المختلفة بالضمانات الاجتماعية من المعاشات والتأمين الصحي وتوفير الدولة للمرافق وبجودة عالية في المياه والكهرباء والصرف الصحي والسكن الصحي ووسائل النقل والمواصلات والاتصالات.
لقد أكد المتحدثون علي أنه لتحقيق التنمية المستقلة والاستقلال الوطني لابد من توافر إرادة سياسية قوية لبناء مشروع تنموي مع الاهتمام بالدور الاجتماعي للدولة وتوظيف رأس المال الوطني للتنمية مع التعاون الساعي إلي التكافؤ مع العالم الخارجي وأن الأمن القومي يعني اقتصاد مستقل.