المفكر المصري سلامة موسي هو أحد قادة الفكر في مصر في العصر الحديث, تستوي مكانته مع أحمد لطفي السيد, والدكتور طه حسين, وعباس محمود العقاد وغيرهم.. وهو يختلف عن الآخرين في أنه عاش لا يعمل إلا في الصحافة والفكر لتحقيق رسالته في نشر الوعي والثقافة والتنوير, لا لكي يعيش بل مجانا, فسلامة موسي ولد في عائلة تتمتع بالاستقرار المادي.
مات والده وهو في الثانية من عمره, وورث عنه معاشا شهريا حوالي 25 جنيها وهذا المبلغ كان كافيا لكي يعيش في أمن طوال حياته. ولد في مدينة الزقازيق في 4 يناير 1887م وقضي طفولته فيها حتي حصل علي الشهادة الابتدائية 1903 استطاع ميخائيل ابن خالة سلامة أن يشجعه علي القراءة حتي أصبحت عادة وهواية, وقد أفادته كثيرا في حياته وأظهرت مواهبه المختلفة.
قدم سلامة موسي 1887 ـ 1958 إلي القاهرة حتي يلتحق بالمدارس الثانوية في القاهرة استطاع أن يشبع هوايته في القراءة, فقرأ الصحف والمجلات والكتب المتاحة وتعرف علي فرح أنطون ويعقوب صروف ولطفي السيد واطلع علي أدب فولتير ودوسو وونيتشة وألكسندر دوماس.
العجيب أن سلامة الفتي المحب للعلم والمعرفة كان يكره التدريس في المدارس الحكومية لأن الاستعمار كان يسيطر عليها ولا يريد التعليم السليم للمصريين, فكان يشبع رغبته وحاجته للمعرفة بالقراءة. كان سلامة كثير التأمل في حياته وتحديد أهدافه ويملك شجاعة القرار فبينما هو لا يتحمل الدراسة المدرسية التي حولها الاستعمار إلي سجن أو ثكنات عسكرية, ويثقف نفسه بالقراءة ليل نهار, فكر في السفر إلي أوروبا حتي يتعلم ويبني نفسه من جديد وفي سنة 1907 اتخذ القرار بالسفر إلي فرنسا, وكانت الإمكانات المادية متوفرة, وأبحر سلامة إلي باريس, تعلم اللغة الفرنسية وغاص في المجتمع الفرنسي وقرأ الصحف والمجلات والكتب وصدمته حرية المرأة الفرنسية وشخصيتها القوية وإعمال العقل في كل شيء لم تستمر الرحلة إلا أشهر قليلة عاد بعدها سلامة إلي مصر وسرعان ما تركها إلي لندن هذه المرة حيث عاش أربع سنوات استطاع خلالها أن يبني نفسه ليكون إنسانا جديدا أوروبي التفكير, التحق بالجمعية الاشتراكية الغابية, وجمعية العقليين وأعجبه مذهب النباتيين وصادق وتعلم علي يد الأديب [برنارد شو] وظلت صداقتهما أربعين سنة.
أهتم سلامة أيضا بزيارة المتحف البريطاني واكتشف مكتبته التي تحوي أربعة ملايين مجلد وكان ينهل من معارفها.
كعادته كان سلامة يتأمل في حياته ومستقبله.. في لندن سأل نفسه ماذا أنا فاعل في هذه الدنيا وما هو هدفي؟.
كانت إجابته.. هدفي المعرفة الكاملة.. أريد أن آكل المعرفه أكلا ثم أريد أن أعود إلي بلدي وأكافح الإنجليز حتي يتركوه, أريد أن أحمي مصر من الجهل والفقر والمرض وأن تخرج المرأة من البيت لتتعلم وتعمل وتملك شخصيتها المستقلة.
أريد أن ينتشر العلم في مصر ونقضي علي الخرافات ونستطيع أن نصنع الآلة, كما أريد أن يحكم مصر واحد من أبنائها.. هكذا وضع سلامة سنة 1911 في لندن وقبل عودته إلي مصر برنامج وجدال عمله في مصر بعد العودة ولن يعمل إلا في الفكر حتي يستطيع أن ينير الطريق أمام الشباب والشعب والمرأة, ولن يتقاضي أجرا فهذه رسالته التي سيعيش من أجلها.
عاد سلامة إلي مصر ليطبق جدول العمل والكفاح وقد اتخذ أكثر من وسيلة لتحقيق هدفه أولا: إصدار المجلات مثل مجلة المستقبل 1914 ثم المجلة الجديدة ثم [المصري] الأسبوعية 1929 ثانيا.. الكتابة في الصحف والمجالات فكتب في صحف البلاغ والمحروسة والهلال والأخبار وغيرها.
ثالثا: المساهمة في العمل العام في سنة 1931 كون جمعية المصري للمصري للاهتمام بالإنتاج المصري ومقاطعة البضائع الإنجليزية.
وقبل ذلك في 1920 أنشأ أول حزب اشتراكي في مصر علي أن يكون حزبا اشتراكيا معتدلا, كذلك عمل سلامة علي إصدار عدة كتب تساهم في التنوير والتثقيف.
وقد هالني ونحن نحتفل بمرور 62 عاما علي رحيله أن يكتب عنه كاتب كبير فيقول.. عاش سلامة موسي ومات مظلوما وقدم للمكتبة 12 كتابا!؟ وبهذا أضاف الكاتب ظلما جديدا علي سلامة لأنه قدم للمكتبة 47 كتابا وليس 12 فقط!
فإلي متي نظلمه؟ من هذه الكتب: الاشتراكية, أحلام الفلاسفة, حرية الفكر وأبطالها في التاريخ, ما هي النهضة؟ التثقيف الذاتي. المرأة ليست لعبة الرجل.