نعم حبيبتي.. أنا قابلت الشيطان وعرفته وجزتجحيمه وانتصرت عليه بقوة الله الذي ما برح قلبي لحظة حتي وأنا داخل أتونه المشتعل.
أراكي تتوقين لمعرفة كل شيء يا نفسي.. أكاد أشم رائحة شغفك المحترق تخترق فتحات أنفي لتستقر برئتي الملبدتين بدخان التوباكو وتطغي علي رائحته.
أتذكرين ماضينا القريب.. حينما كنتي تلاحقينني بنظراتك الملحة تبغين معرفة سر من أسراري كنت أشتم منك نفس تلك الرائحة المثيرة.
أتذكرين أمسنا يا توأم الروح؟!.. ما كان ليهنأ لكي بال إلا وقد عرفتي أدق التفاصيل فتعودين أدراجك وتنامين قريرة العين.
لم تتغيري يا حبيبتي.. لكنني أنا من تغيرت.. بالتأكيد لم أتغير عليكي فأنتي نفسي قريني وتوأم الروح.. بل تغيرت علي نفسي.. ما عدت أهتم بتلك التفاصيل الهزيلة الواهية التي عبرت من خلالها وعبرت من خلالي خلال تلك السنوات الماضية.. ما عدت أهتم بها.. ربما ما عدت أتذكرها حتي.. تركت ندوبا وشروخا وكسورا في أعماق قلبي ونفسي وروحي.. نزفت منها أنهارا ولكن سرعان ما تحولت من جراح ظلم وظلومات مفتوحة إلي طاقات نور وحبور مفتوحة ينفذ منها ذلك النور الأبيض الطاهر الساطع الصادر من روح نضجت وتنقت وأخيرا فهمت.. إنه الكنز المدفون في الألم لكل من أراد الله أن يعيد تشكيله من جديد.
الحياة معلم ماهر يأذن الله لها أن تلقن الطيبين الكثير والكثير من الدروس.. معلم يتقاضي أجرا باهظا ولكن وللأمانة هو يستحق هذا الأجر وبجدارة فلا شيء أثمن من إعادة تشكيل جوهرك يقينا بفحوي الحياة وكينونتها والهدف منها.
لا أجر يستحق أن يعلو فوق أجر معلم أعاد تهذيب مفاهيم الطفولة البريئة الساذجة ليعيد صياغتها في ضوء الحكمة الإلهية غير المنظورة.
عندما لا نفهم.. عندما يبدأ إيماننا الموروث غير المختبر في الاهتزاز وتبدأ معايير الثوابت تميل قليلا أو كثيرا.. يتأرجح الإيمان ما بين التزعزع والميل والتشكيك فتجد نفسك في مفترق طرق غير واضحة المعالم تتساءل فيها.. لماذا يارب؟!.. تعلن استسلامك التام وترفع رايتك البيضاء معلنا إفلاسك وعجزك عن فهم قوانين البشر والحياة برمتها وترتمي داخل حضنه بلا أدني درجة من درجات المقاومة وتقول أنر عيني يا الله لئلا أنام نوم الموت.
هنا حبيبتي تحديدا يقبع حجر الزاوية.. ينقلب كل شيء رأسا علي عقب.. يستلم الله دفتي مجداف قارب حياتك الذي أوشك علي الغرق ليطمئنك وليعلمك أنه ما غفل عنك لحظة وإنما أنت من كنت أعمي البصر والبصيرة تتفتح بصيرتك رويدا رويدا حتي تنفتح تماما لتنكشف الرؤية وتكتشف أن كل ما حدث كان لخيرك المطلق.. تتذكر لحظتها حياة يوسف الصديق وتبدأ في فهم المغزي من وراء سماح الله له أن يدنو منه الموت علي يد إخوته وفي اللحظة الأخيرة يكتفون ببيعه.. تكتشف أنه لولا تلك القسوة القاتلة التي تملكت من قلوب إخوته لما دخل قصر عزيز مصر ولولا استكمال ملحمة الظلم من زوجة عزيز مصر وافتراءاتها عليه ما زج به في ظلمات السجون ليفسر حلم فرعون مصر وليتوج يوما ملكا وسيدا.
يوسف تألم.. بكي.. صبر ولكنه لم يفقد ثقته وإيمانه لحيظة بربه وأمانه وأمانته وصدق وعوده مع العارفين اسمه عن حق لا عن رياء ومظهرية وعوضه بما لا يتخيل.
تجارب يوسف ما كانت سوي سلم يطأ عليه بقدميه ليعتلي عرش مصر بالحق وليجلب له الله كل من أبكاه ظلما وقهرا ساجدين تحت أقدامه رغما عنهم.
تريدين أن تعرفي ما جزت فيه وجازني؟!.. بالله عليكي دعينا من هذا الهراء وليكن سؤال عيونك لي ماذا خرجتي به من تلك التجارب طيلة سنوات الغربة في بلاد الشر.
سأختصر لك قواعد وقوانين الحياة واعلمي يا توأم الروح أن كل قانون من تلك القوانين سبقه سيف جاز بنفسي والآن قد تحول إلي طاقة نور إلهي لا ينطفئ.
استلت حبيبتي علبة سجائرها من بين حبات الرمال وأفلتت واحدة بخفة المحترفين وأوقدتها باقتدار من أول ضغطة علي حافة قداحتها برغم نسمات الهواء التي كانت تغربل شعورنا من فرط شدتها ثم استدارت باستقامة مصوبة ناظريها تجاهي في ثبات يزلزل الجبال وبدأت شفتاها الرقيقتان في الكلام.
سأقول لكي حبيبتي خلاصة تلك الحياة.. ولا تتعجبي من أي شيء سأقوله.. فقط احفظيه عندك في مكان ما في ذاكرتك أو ذكرياتك لأنك وإن لم تكوني في حاجة إلي ما سأقوله اليوم أو غدا فحتما ستحتاجينه بعد غد.
وإن لم يكن مقنعا لك اليوم فغدا وبعد غد ستنادين به في المحافل إيمانا ويقينا. مسألة وقت.. ودرجات من النمو النفسي والروحي.. ومراحل للوصول إلي اليقين التام.
أول شيء في هذه الحياة أريدك أن تعرفيه كاسمك أنه لن يكرهك ولن يحاول بشتي الطرق كسرك وهدمك إلا من كان يدرك بلا أدني ذرة شك الفارق الحقيقي الجوهري الصادم بينك وبينه بمقاييس الحياد.
يدرك جيدا أنكي في منطقة أخري تماما ونطاق آخر لو تكرم عليه الدهر وسمح له من جديد أن يولد مرة أخري من بطن أمه لن يرتقي ليطول خصرك.
انتبهي حبيبتي الموضوع ليس له علاقة بالمال والثراء ففي زمننا هذا أثري الأثرياء أغلبهم تجار آثار ومخدرات وأعضاء بشرية ومهما امتلكوا من مشهيات الحياة يبقون جوعي.. ذلك الجوع النفسي والروحي والوجداني اللعين.. المال في حد ذاته لا يشبع.. علي العكس المال نقمة لمن لا أصل ولا خلق ولا علم له.. هو يعظم ما به من نقائص وأمراض نفسية وحرمان.. يقف دائما في حالة تأهب لكل شيء لا يمكن اقتناؤه بماله فيفعل كل ما بوسعه للإقلال منه أو التشكيك فيه وإن أمكن هدمه.. ولكن هيهات هيهات.
تأكدت وتفهمت معني جملة سمعتها مسبقا وما كنت أفهمها بوضوح وعمق كما فهمتها من خلال تجاربي مع الحياة.
الجملة تقول فيما معناه إن غضب الله علي عبد بارك له في ماله الحرام.
زيادة المال الحرام الآتي من بذور تغضب الله هي أكبر غضب من الله فهي بمثابة القنبلة العنقودية التي لا تنتهي حتي تقضي علي صاحبها وتدمره تدميرا ذاتيا.
فأوجه صرف هذا المال دوما تكون كمصدره الموبوء.. تصرف في مرض وغم وخسائر ونكد وتعويضات لقلة البركة وغضب الله علي الإنسان تصرف في ابن فاسد سكير ومدمن ومنحرف أو جنسيا حتي ينتهي سواء مات أو عاش فهو مجحوم بشر مال الظلمة.
انتبهي حبيبتي وتذكري داوود النبي حين سأل الله وتساءل:
لماذا يسمح الله بتعظم الشرير وانتفاخ وامتلاء تخومه بالماديات والعز الظاهري الشكلي؟.. فكان رد الله عليه بالروح أن ذلك الشخص لا يملك سوي تلك الصورة الهشة الجوفاء أما داخل بيته فخراب وداخل نفسه فخراب والأهم نهاية سيرته ومسيرته جحيم.
كالمرأة شديدة القبح التي لا يمكن أن تظهر أمام الناس إلا وهي في كامل تبرجها تضع أطنانا من المساحيق تلون شعرها بألوان صارخة صناعية ملفتة وربما بعضا من الشعر المصطنع لافتقارها لشعر حقيقي.
رموشها صناعية أظافرها صناعية لونها صناعي وربما تخضع نفسها لعشرات العمليات التجميلية.
تتزين بأغلي المجوهرات والملابس.
عساها تكون مصيدة لعميان البصر والبصيرة.
ولكنها ما تجرؤ أبدا علي الخروج بوجهها وشعرها الحقيقي من فداحة القبح افهمي حبيبتي ولا تنخدعي بالمظاهر ولا تعطي أذنا لمثل هذه الآنية الفارغة المهجورة من الداخل فتلك الآنية ما يعشش فيها إلا الغربان والعناكب والفئران.. هي أشبه ما تكون بالقبور اللامعة من الخارج وإن اقتربتي وفتحتي ودخلتي ستتأكدين أنها لا تحوي إلا الجيفة النتنة والدود.
ابعدي طرقك عنهم وابعدي ولا تستميلك قبلاتهم الغاشة وابتساماتهم الزائفة اتركيهم لأشباههم.. هم كفيلون بإفناء بعضهم البعض.
يتبع.. انتظروا الحلقة الرابعة والأخيرة..