ذلك الحدث الجلل الذي يحدث بسماح من الله, مثله مثل أي أمر آخر في الحياة.. بالتأكيد كل عاقل رشيد يعرف جيدا الهدف الأساسي من ذلك الابتلاء بغض النظر عن أسبابه وهذا الهدف هو التطهر والتقرب الفعلي الحقيقي إلي الله.
ونجد في جميع الكتب السمائية أن الله قد أشار كثيرا إلي الابتلاء بل وضعه تحت المجهر (لحكمة علوية فائقة) في قصص كثيرة للأنبياء والرسل وغيرهم من الأشخاص العاديين كابتلاء يوسف وأيوب وضربات فرعون العشر..
ولكن هل يا تري نحن -في زمننا الحالي- نبتلي ونجرب لأننا يوسف أو أيوب أم لأننا فرعون؟!!
هل نختبر ليمتحن الله مدي صبرنا وإخلاصنا في صدق علاقتنا به كما حدث مع أيوب؟؟ أو ليعلو بنا درجات ويرتقي بنا في أبعاد علاقتنا به فيكشف لبصائرنا عن آفاق وأسرار وحكم حجبها عن أغلب البصائر عدا المختارين المصطفين الأمناء الأبرار كما حدث مع يوسف؟؟
أم نختبر لسبب آخر أشبه ما يكون بما حدث مع فرعون وضرباته العشر التي أنذره الله بها وبرغم ذلك زادت قساوة قلبه وتجبر وعاند الله حتي جاءه الهلاك الأبدي الأعظم؟؟..
قد تبتلي لأنك يوسف أو لأنك أيوب وقد تبتلي لأنك فرعون.. وأنت وفقط أنت.. تعلم جيدا علم اليقين أي منهم تكون..
فكم ظن الناس أن أحدهم صالح.. لا لشيء إلا لأنه يجيد تنسيق صورته المثالية الظاهرية بجدارة أمام أعين العامة وما هو إلا أسوأ خلق الله في الخفاء ويملك قلبا شريرا حاقدا فيصيبه الله بتجارب لا يقوي ظهر علي حملها عكس توقعات الجميع..
وكم ظن الناس أن أحدهم سيئ لمجرد أنهم سمعوا عنه كلاما تناقل عن بضع أشخاص كاذبين مغرضين حاقدين يجيدون التمثيل وتنسيق الكلام بينما كان هو في عالمه الراقي مترفعا بعيدا تماما عن تلك المهاترات الوضيعة, فكافأه الله بخيرات كرمل البحر عكس توقعات الجميع..
وقفت مندهشة وأنا أنصت لذلك الرجل الذي لا يترك فرصة إلا ويتربح من وظيفته أرباحا غير مشروعة تحت مسمي إكرامية أو شاي, وهي لا اسم لها سوي رشوة, تعجبت وهو يلعن الضيقات التي يمر بها هو وغيره بسبب بعض القائمين علي إدارة شئون الوطن من الفاسدين.
يا الله!! ألست أنت من هؤلاء الفاسدين المفسدين في الأرض؟!! ما كل تلك الازدواجية القبيحة؟!! ألا تدرك أنك لو كنت مستقيما لجعل الله لك مخارج لا مخرجا واحدا حتي لو كنت في جوف الهاوية؟!!
ألم تشك لحظة في أن سبب ابتلائك وافتقارك للعدل والعدالة هو أنك تطالب غيرك بما ليس فيك؟!!
الإدانة هي أحد أسباب الابتلاء.. لا تدينوا لكي لا تدانوا وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم ويزاد.. وكذلك كل من عاب ابتلي..
لماذا تشغل نفسك بغيرك وأنت تعج بالعيوب والنقائص؟!! تهتم بأن تخرج قذي تراقبها ليل نهار في عين غيرك ولا تلتفت لتلك الخشبة الغليظة التي تضرب بجذورها داخل عينيك حتي كادت تعمي بصرها!!
وقفت السيدة البسيطة ظاهريا تبكي مكسورة الخاطر والكرامة علي منصات التواصل الاجتماعي تحكي قصتها التي تفطر القلوب من فرط القسوة والإهانة التي تعرضت لها من شخصية لها ثقل وسلطة وسلطان للدرجة التي رفع الجميع يده عن مساعدتها لتنال ولو جزءا من حقها المشروع لانهم يعلمون أنها معركة خاسرة لا محال..
مشهد بغيض ومؤلم جدا في ظاهرة
ذل النفس والجسد والروح حينما يقع علي إنسان لمجرد أنه الأضعف اجتماعياأو ماديا أو سلطويا ولكني سرحت إلي أفق أبعد قليلا فرأيت تلك المرأة التي أجبرها القدر أن تظهر للعلن في لقطة ذل وانكسار وإذ بها في يوم ما في ماضيها (فرعون) تتجبر وتظلم وتفتري وتؤذي شخصا بل أشخاصا كثرا بلا ذرة رحمة أو لوم من ضميرها الميت.
تشارك في قطع رزق هنا وتشترك في جلسة نميمة هناك و من هنا إلي هناك تمضي بها الأيام خداعات في زهو وخيلاء وغرور تظن فيها أنها المسيطرة القادرة القوية التي لا يغلبها أحد ولا يقدر عليها شخص ولا تقف في وجهها قوة..
حتي جاءت اللحظة الموعودة لحظة اعتدال الميزان ودفع الفواتير المتراكمة والتي استهانت بوجودها كما استهانت بصبر الله عليها ظنا منها أنه غافل أو ربما غير موجود من الأساس, فأرسل لها من يملك من البطش والجبروت ما يمكنه جلب حقوق كل من حاولت مجرد محاولة أذيتهم.. وعلي المشاع ملء العيون والأبصار.. ودون رادع.. لتقف تلك المتجبرة الشريرة متسربلة بثوب البؤس والذل والقهر والانكسار لتسرق تعاطف الملايين في عمي بصيرة عن حقيقة الأمر وسببه وخلفيته..
وبالتأكيد لا تبرير لخطأ من أذلها أبدا وإنما تأكيدا لعدل الله ولو بعد حين وأن الله يضرب الظالمين بالظالمين ويخرج الطيبين من بينهم سالمين غانمين, بل يحيل لهم ما بدا شرا خيرات بلا حساب ولا عدد..
فالله لا ياتي إلا بالخير.. وكل خيراتنا هي من عند الله أما الشر والتجارب فغالبا هي من شر أنفسنا وضلالها بشتي الطرق قولا واحدا..
وحين ينزل البلاء يجد المبتلي نفسه في مفترق طرق إما أن ينصت إلي الرسالة المشفرة التي يرسلها إليه الله ويفهمها ويتفهمها جيدا فيعتدل في سيره, فيعدل مساره ويعيد اتجاه بوصلة مسيرته ويتوب توبة نصوحة ويصلح ما قد أفسده علي غيره.. أو يستمر في كبريائه وعمي بصيرته ويستأنف حياته بنفس النفسية والخلق السيئ التي جلبت عليه الابتلاء.. فيستمر في الدوران في نفس الدائرة المفرغة من الكبر فالابتلاء ثم اللعنات الدائمة والتي لا تزيده إلا قسوة وتجبرا وشرا وسوء طباع بلا حدود ولا نهاية.
وهنا تتجلي عظمة الله في خلقه للجحيم حيث أدرك بعلم معرفته المسبقة ما سوف يختاره كل إنسان بموجب الحرية الممنوحة له فخلق الفردوس للوديع للتائب والجحيم للشرير العنيد.
يستوقفني أحدهم حينما قال لو لم أجد مبررا قويا لإيماني بوجود الله يكفيني أن أؤمن به لأنه خلق الجحيم ليكون مستقرا خالدا لبعض النماذج البشعة التي نراها حولنا في هذه الحياة فهذا في حد ذاته قمة العدل ووجود العدل هو وجود لله..
ويأتي الدور علي الأكثر قوة هذا الجبار الذي خانه إدراكه وأوهمه أن سلطته ومركزه يسمح له بفعل ما يريد وقتما يريد مع من يريد بلا حساب أرضي فلم يخلق بعد من له سلطان عليه من بشر.. فتجده بين ليلة وضحاها قد قبض الله روح ابن أو عزيز له أو ربما أصابه مرض موت يسبقه عذاب بالسنين وتنقلب حياته رأسا علي عقب في رسالة من الله مفادها أرني ما أنت فاعل معي أيها المتجبر.
ويجد نفسه في مفترق طرق إما الانكسار والتوبة والإعلان أن الله حق أو الاسترسال في مزيد من التجبر علي الله ليريه الله مراحل أعلي وأقسي من العقاب ويستمر في دورانه في تلك الحلقة المفرغة حتي يحين موعد الضربة الكبري مثلما حدث مع فرعون بعدما أمهله الله عشر فرص بعد عشر رسائل تلاها عشر ابتلاءات وضربات عسي واحدة منهم تكون سبب إفاقته ونجاته لكنه لم يفعل فكتب عليه الهلاك الأبدي ليصبح عبرة لمن لا يعتبر..
اليوم إن سمعتم صوته لا تقسوا قلوبكم
واعلموا أن صبر الله إنما يقتادنا إلي التوبة لا إلي الإمعان والاسترسال في الأذي والظلم والبطش واللامبالاة
إنها عبر تؤكد بما لا يدع للشك مجالا أنك إن لم تأت رغبا ستأتي رهبا أو ستكتب بيدك علي نفسك هلاكا أبديا.