خمس وسبعون ثانية.. فصلت بين حياة وحياة أو ربما حياة وموت.
زلزال.. ما زلزل الأرض فحسب بل زلزل قلوب وعقول وأرواح ملايين البشر في شتي أرجاء المسكونة بدرجات متفاوتة بدءا ممن جاز في التجربة وتجرع تفاصيل مرارتها ومرارة تفاصيلها وصولا إلي المستمع والمشاهد علي بعد أميال ودول وقارات من بؤرة الحدث الجلل..
الاثنين الأسود الموافق 6 فبراير 2023.. حدث لا يمكن أن يمر مرور الكرام دون الوقوف أمامه بخشوع وصمت وتدبر تاركا علامات محفورة في أغوار أرواحنا إشارات ودروس وعبر لا تمحي بفعل الزمان والزمن.
أحياء بأكملها وبنايات ضخمة من أبوابها تحولت إلي ركام وأنقاض وجعل الله عاليها سافلها وكل هذا في لمح البصر.. في ثوان معدودة..
رسالة قوية سريعة كحد سكين قاطع انطلق في قالب من الزبد اللين.. زلزلة تقدر الطاقة الصادرة عنها ما يزيد علي خمسمائة قنبلة نووية وهي بلا شك الكارثة الأعنف منذ قرابة الألف عام..
هي رسائل الله.. قوية سريعة حازمة وحاسمة.. يقف الإنسان أمامها مشلولا عاجزا مدركا ضآلة حجمه وقلة حيلته..
تري.. من يكون هؤلاء القابعون تحت الثري بين حي وميت ومحتضر عالق بين العالمين؟؟!! وكيف كان حالهم قبل بضع ثوان من انقلاب الدنيا رأسا علي عقب؟؟!!
كم شخصا منهم بات يخطط لما هو فاعل في الصباح الباكر؟!!
كم شخص بات ظالما مبكيا لآخر فاصطحبته دعوات المظلوم عليه قبل أن يواريه التراب؟!!
كم من طامع مؤذ سارق زان آكل مال يتيم قاطع صلة رحم خائن ظن أن الموت بعيد عنه كل البعد لا يري أمامه سوي راحة وصحة وشباب ومتاع ومتع وحياة يعربد فيها كيفما شاء وقتما شاء وأينما شاء..؟!!
كم من شخص بات علي نية أذية أحدهم في الصباح فكتبت عليه معصية وذنب عظيم فتح له أبواب الجحيم لتبتلعه مقيما بها إلي الأبد في لحظة..
كم من شخص قاطع أرزاق وخارب بيوت ذهب إلي ما يستحق من عقاب في لحيظة من الزمن؟؟!!
الجميع أمسي في غفلة من الزمن وبات موهوما أن حياته الأرضية دائمة وللعمر بقية وللغد ميعاد.
وها هي الأرض وبلا مقدمات تتزلزل معلنة أن لله رأيا آخر.
فوجد الظالم نفسه في لحظة بين يدي الخالق مطلوبا منه تقديم كشف حساب عما اقترفت يداه.
وهذا الشاب الذي ظن أن العمر أمامه يلفظ أنفاسه في الوقت الذي يخرج عجوز في العقد التاسع من عمره حيا يرزق!!!
وهذا الجنين الذي خرج من رحم أمه يخرج حيا بحبله السري بعد ساعات طوال تحت الأنقاض وأمه والتي كانت لا تزال مربوطة به تموت في مفارقة خارقة للمنطق والطبيعة..
حقيبة تحوي ثلاثة ملايبن دولار وجدت تحت أنقاض إحدي البنايات الضخمة الفخمة المنهارة حيث مات كل من يسكنها فلا أحد يعلم لمن كانت تلك الثروة الكبيرة فلا صاحبها تمتع بها ولا نعلم من هو أصلا ليتمتع بها أقاربه وصار المال الذي أفني عمره لتجميعه وربما ظلم وبغي من أجل الحصول عليه وهما كبيرا مثيرا للشفقة.
وتلك القصة التي تقشعر لها الأبدان والتي رواها أحدالمسعفين حيث التفت إلي امرأة تصيح بقوة تطلب منه إنقاذ أولادها وقادته إلي المكان حيث دفنوا أحياء تحت الأنقاض بعد انهيار منزلهم وبعدما نجحوا في إخراجهم سألوهم عن أمهم التي اختفت فجأة من المكان بمجرد إنقاذ أولادها فجاء رد الأولاد صادما حيث أقروا أن أمهم ماتت منذ أربع سنوات..
صاحب العقار هذا والذي كان بصدد طرد أحد المستأجرين في منزله لأنه يريد أن يرفع قيمة الإيجار والمستأجر كان يعاني ضيق ذات اليد فقرر طرده في غضون أيام.. تجده هو والمستأجر في مخيم إيواء يستجديان بعض الدفء والطعام بعدما انهار العقار بالكامل وصار كلاهما لاجئين مشردين.
وأولئك السوريون الجبابرة في الصبرالذين فروا إلي تركيا هروبا من الموت داخل أراضيهم فيلقوا حتفهم في المكان الذي ظنوا أنه سفينة نوح وربما ذووهم ممن هم في قلب النار في سوريا لازالوا علي قيد الحياة.
وذلك المسكين الذي فقد كل عائلته تحت الركام ووقف مذهولا يقول كل عائلتي بخير إلا أنا..
وقصص مزلزلة للنفس من الواقع لو أفرزنا لها مجلدات لعجزت عن حصرها.. كل قصة علي حدة هي عبرة ودرس ثمنه حياة كاملة.
وهنا يأتي السؤال الأخطر والتساؤل المنطقي:
هل هذا الزلزال مفتعل بتقنيات الأسلحة التكتونية النظيفة كسلاح HAARP أم هو زلزال طبيعي مثل كل الزلازل التي مرت علي الأرض منذ الأزل؟
بالتأكيد لكل رأي أدلته المنطقية وهذا المقال ليس مجالا لنقاش هذا الموضوع, لكن..
أليس من المنطقي أنه حتي لو كان هذا الزلزال مفتعلا فهو أولا وأخيرا بسماح من الله؟
الإجابة بالتأكيد نعم..
لذا تبقي الإجابة الصحيحة الوحيدة أنه أيا كانت الأسباب الحقيقية وراء هذا الزلزال يبقي هذا الزلزال بأمر وسماح من الله.
وله هدف واحد معروف وهو الإسراع بالتوبة والإنذار باقتراب اليوم العظيم حيث يقدم كل إنسان حسابا دقيقا مفصلا عما اقترفت يداه ولفظ لسانه وفعل بإرادته طوال رحلة حياته.
ففي الكتاب المقدس: وتكون زلازل عظيمة في أماكن, ومجاعات وأوبئة. وتكون مخاوف وعلامات عظيمة من السماء.
وفي القرآن الكريم: فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود. حتي إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون.
وبسبب عناد الإنسان وكبريائه وعبوديته لشهواته تجد البعض لا يزال ناكرا غافلا رافضا مسترسلا في مسلك هلاكه الدنيوي قبل الأبدي.
حتي تأتيه اللحظة فيصرخ مناديا مكبرا لله عله ينقذه بعدما أنكره فعلا قبل قولا طوال حياته!!
هذا الزلزال زف الصالحين إلي حيث يستحقون وزج الطالحين أيضا إلي حيث يستحقون وأنذر الذين لازال في عمرهم بقية وفي خلاصهم رجاء وأمل بأن الموت لا يستأذن بل يأتي كاللص بلا موعد ولا إنذار.
فطوبي لمن اتعظ بغيره ولم يتعظ غيره به