الموت له مفهومان لا ثالث لهما
مفهوم الملحد… وهو الفناء التام وكأن شيئا لم يكن من الأساس… فالإنسان في مفهوم الملحد هو كائن عضوي وحتي ملكة الإدراك عنده عضوية وتنتهي بانتهائه وموته وينتهي معه كل شئ.
مفهوم المؤمن…. وهو الخلود….. مع اختلاف صورة هذا الخلود والذي يختلف من معتقد لآخر وهذا موضوع دسم وشيق وطويل يحتاج مقالات ومقالات وهو ليس بموضعنا اليوم
اسمحولي أن أرسم لوحة ناطقة للموت في مفهوم المؤمن بوجود الله وخلود الروح تخيلوا معي الإنسان وكأنه في اختبار قصير مهما طال…. يبدأ منذ لحظات قدومه ضيفا علي هذا العالم الفاني.. يبدأ العد التصاعدي لعمره في مفهوم المادة والجسد بينما هو في الحقيقة عمره التنازلي إلي أن يسلم ورقته وتنتهي مدة امتحانه علي سهوة وغفلة من أمره.. يبدأ في تحمل مسئولية إجاباته علي كل سؤال بقدر مستوي إدراكه وعلمه ونضوجه… وتبدأ الأسئلة تتصاعد في وتيرة صعوبتها ودقة تصحيحها حتي يصير مسئولا مسئولية تامة عن كل ذرة في كل حرف يخطه بيديه في ورقة اختباره.
ويأتي الموعد المجهول, وبلا إنذار ينتهي الوقت الممنوح له لإتمام الاختبار وتسحب الورقة..
لحظة سحب الورقة أشبه ما تكون بلحظة خروج دودة القز الكسيحة من شرنقتها فراشة حرة طليقة الجناحين… تحورت من طور إلي طور.. من جسد ترابي مكبل بالأثقال والضعف والوهن حتي وهو في أوجشبابه وقوته إلي روح رقراقة محلقة في بعد آخر ونطاق مختلف من الإدراك… تحرر من قيود الجسد شهواته حروباته الروحية مرضه وهذه ضيقاته إلي رحاب متسع هو رحاب الرحمن… كل روح تنجذب صوب دارها.. الأرواح النورانية صوب النور والفردوس والأرواح المظلمة صوب الجحيم… هذا هو الموت… ببساطة شديدة.
إذن الموت هو الحقيقة الوحيدة التي لا يختلف عليها شخص في هذه الحياة.., حتي الله سبحانه وتعالي اختلفوا عليه…. علي كينونته بل علي وجوده من الأساس.
إذن الموت حقيقة… ربما الحقيقة الوحيدة الثابتة والمؤكدة
إذن فالموت ليس عقابا إذ أن العقاب يخص فئة معينة أما الموت فيعم ولا تستثني منه نفس.
الموت مصير الجميع…
إذن… وإن كنا نعرف أن الموت للاتقياء الطيبين ما هو إلا ممر من دار الفناء والشقاء والألم والمرض والحزن والكآبة والهم إلي دار البقاء والراحة والقوة والفرح والسعادة… لماذا نحزن؟
نحزن علي الفراق…. علي الحرمان من رؤية من نحبهم لفترة قد تطول أو تقصر…
وربما نحزن لأننا خائفون… مضطربون… لا نثق إلي أي مآل سنؤول إذا كنا نحن مكان من رحل.
الحالة الأولي حزن مشروع.. هو حزن الوحشة والاشتياق إلي حين اللقاء لكن القلب به إيمان وسكينة علي المنتقل أنه في حال أفضل بكثير.
أما الحالة الثانية فتدق جرس إنذار عنيف لمراجعة النفس والإفاقة السريعة قبل ساعة الغفلة التي لا رجعة منها ولا فرصة أخري.
يفتقدنا الله كل فترة بجرس إنذار… مرض.. وباء.. ضيقة.. تجربة… ليرسل رسالة مضمونها أن هذا الكون برمته في قبضة يده ولن يستطيع علم أو ثروة أو جبروت أن يعلو فوق كلمته ومشيئته.
رسائل مشفرة تأتي من السماء بسماح من الله ضابط الكل… وكل واحد عليه أن يفك شفرة الرسالة بما يتفق مع حقيقته التي وإن خبأها عن الكون كله لن يستطيع أن يخبئها عن الله.
وليساعد الله كل منا علي أن يجيد فك شفرة رسائل السماء إليه ويعرف لماذا هزته تلك الرسائل المشفرة؟!.