يقول الوحي الإلهي علي لسان معلمنا بولس الرسول عن التوقيت السمائي السرمدي لميلاد الرب يسوع بالجسد ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودا تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني (غل4:4ـ5) والمقصود بـ ملء الزمان في هذه الآية هو أنه حسب تعيين الآب السماوي عندما رأي العالم مستعدا لمجيء المسيح له المجد وقبوله أرسل الله ابنه من السماء وإرساله إياه يسلتزم أنه كائن قبل الإرسالية وفقا لقول معلمنا يوحنا في بشارته والكلمة كان عند الله (يو 1:2) وفي هذا يقول الوحي أيضا علي لسان معلمنا بولس الرسول الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديما بأنواع وطرق كثيرة كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه الذي جعله وارثا لكل شيء الذي به أيضا عمل العالمين(عب 1: 1ـ2)
ولو تأملنا قليلا في لفظ ملء الزمان بالمفهوم الإلهي لوجدناه مفهوما مطلقا مثل كل ما يتعلق بالذات الإلهية التي هي خارج حدود الزمان والمكان التي تحد كل الجنس البشري, بل كل الخليقة ناهيك عن أن الذات الإلهية هي الخير المطلق والقداسة المطلقة مما يتناقض تماما مع نفس المفهوم بالنسبة للبشر فإذا كان ملء الزمان بالنسبة للرب كان وقتا معينا لإتمام الفداء وتحمل الابن الوحيد كل الآلام في سبيل ذلك حتي الصليب والقيامة فقد يكون ذات المفهوم نسبيا بالنسبة للإنسان متمثلا في لحظة اختيار بين صوت الشيطان الذي لم يغوي السيد المسيح بالطبع, لأن إرادته هي الخير المطلق وهو ما خفي عن إبليس حتي الصليب وصوت الله الموضوع فينا منذ النفخة الإلهية في آدم ليصير نفسا حية وأبا لجميع البشر ودعونا نضرب أمثلة في عجالة علي لحظات ملء الزمان بالمفهوم البشري النسبي المشار إليه سلفا في الاختيار فنجد مثلا في قصة سقوط آدم وحواء أن تلك اللحظة بالنسبة لهما كانت عند غواية الحية وما تبع ذلك من عصيان للرب الذي منحهما أعظم نعمة وهي الوجود في حضرته الدائمة في جنة عدن فلو كانا قد رفضا الخطيئة أو حتي اعترفا بها طالبين الغفران لما كانت العقوبة لهما ونسلهما بالنفي إلي أرض العذاب والشقاء أما لحظة ملء الزمان بالنسبة لقابين فقد كانت في اختياره مخالفة شروط التقدمة لله ثم حقده علي أخيه هابيل ليرتكب أول جريمة قتل في تاريخ البشرية وينتهي به الحال لشعوره بأنه مطارد وشريد في الأرض إلي الأبد وعلي النقيض كان ملء الزمان بالنسبة لنوح هو تحمله سخرية قومه ليطيع وصية الرب ويبني الفلك لينتهي الأمر بهلاكهم ونجاته هو وبنيه من الطوفان, أما نفس اللحظة في حالة أيوب البار, كانت في اختياره الصبر علي التجربة لينتهي الأمر برفعها وتعويضه ما فقده أضعافا مضاعفة ولو قارنا بين أهل سدوم وعمودة وأهل نينوي لعلمنا كيف كانت لحظة ملء الزمان بالنسبة لكل منهما بين النهاية التراجيدية بالحرق وبالنار والكبريت في الحالة الأولي والنهاية المباركة بالتوبة في الحالة الثانية والأمثلة كثيرة في العهد القديم علي لحظات ملء الزمان, وفي العهد الجديد دعونا ننظر إلي متي العشار الذي كان ملء الزمان في حياته هو كلمة الرب يسوع اتبعني فأطاع ليصير متي الإنجيلي وهناك بطرس الرسول الذي أنكر ثم كانت لحظة ملء الزمان في حياته هي نظرة السيد المسيح له وبكاءه ثم توبته عن خطيئته بعكس يهوذا الإسخريوطي الذي لم يتب بل زاد ذنبه بالانتحار مصغيا لصوت الشيطان.. والأمثلة كثيرة ولا يتسع المجال لذكرها من لحظات ملء الزمان في حياة الكثيرين والتي كانت لحظات اختيار بين إرادة الله ليصلوا للنهاية المباركة وبين إرادة إبليس لتكون النهاية الدرامية المؤسفة علي الأرض وفي السماء, لذا فلنبحث عن لحظة ملء الزمان في حياتنا لنستغلها في تحديد مصيرنا الأبدي, فقد تكون في عظة نسمعها أو تجربة من أي نوع ننجو منها بمعجزة أو في فقدان أحد الأحباء لنجد صوت الروح القدس صارخا يزلزل أعماقنا بالتوبة السريعة, فقد نلحق بهذا الراحل قريبا.. إنها لحظة مجهولة يمنحنا الله وقتها القدرة علي تمييزها ويتوقف عليها مصيرنا الأبدي فدعونا نختار ملء الزمان مع مولود المذود الطوباوي الرب يسوع في نور بهاء قديسيه..