تعبر الفنون على إبداعات فردية أو جماعية يجري من خلالها بناء صور جمالية، أحيانا تأتي على صورة محاكاة للواقع وأحيانا تكون خيالية أو خليط بين الواقع والخيال. وبهذا المعنى فإن الفنون والآداب هي منظومة تصورات يكونها شخص أو مؤسسة انطلاقا من خلفيات ثقافية ومعرفية ورؤية للعالم، ولكن الفنون، كغيرها من الفعاليات البشرية، قد لا تخلو من مصالح ورهانات. والفنون من أكثر الظواهر الإنسانية التى تحتاج إلى اعتراف، فلا يمكن للفن أن يكون فناأو إبداعا بدون قوة تعترف به وبتميزه. فالشئ لا يوجد بدون اعتراف بوجوده وقيمته. ولا شك أن طبيعة وقوة الاعتراف تختلف حسب اختلاف الثقافة أو ما نطلق عليه الذوق العام. وهي معادلة تفاعلية، بمعنى أن ارتقاء الفنون يؤدي إلى ارتقاء الذوق العام والعكس، كما أن انحطاط الفنون يؤدي إلى انحطاط الذوق العام والعكس. وبالتالي فإن الحكم على الأعمال الفنية من الأمور النسبية التي تتباين بشأنها الآراء وتتعدد الأذواق فما يستسيغه البعض قد لا يستسيغه آخرون. وقد يكون العمل الفني جيدا من الناحية التقنية، ولكنه يحمل بداخله رداءة في المضمون، ومن ذلك الأعمال الفنية، وخاصة المرئية، التي قد تكون مكتملة الأركان تقنيا وفنيا ولكنها تقدم رسائل تنطوي على تمييز وتحيز وعنصرية.
وليس بعيد عن ذاكرتنا الجدل حول صورة الآخر في العديد من الأعمال الفنية المعاصرة، ومن ذلك صورة العرب في السينما الغربية أو الأمريكية والتي أُعتبرت في كثر من الأحيان تعبيرا عن تصورات نمطية وحتى عنصرية. وهنا لايمكن الحديث عن مجرد إبداعات أو مواقف شخصية، بل عن اتجاه عام تمثله شركات الإنتاج وصناعة السينما والإعلام والتي يؤسس بعضها النظرة للآخر إنطلاقا من ميراث استشراقى متجذر في الثقافة السائدة. وبالتالي فإن التحيز والعنصرية فعل ثقافي تستلهمه وتوظفه منظومة ثقافية ومؤسساتية. وعلى الرغم من ذلك، فثمة اتجاهات صاعدة تستلهم قيم الحقوق والمساواة تسعى لخلق تيار فكري وفني مضاد في مواجهة العنصرية وفضح ممارسات التنميط والتحيز الجنسي والإقصاء.
وبالنظر إلى واقعنا الثقافي والفني، يمكن القول أننا، تقليديا، لا نرى عنصريتنا ونكتفى بلعب دور الضحية وتوجيه سهام النقد “للغرب” ونظرته لما يسمى “الشرق”، ونتجاهل أن أعمالنا الفنية والسينمائية مصابة بأمراض التحيز والعنصرية، إلى درجة أن بعض هذه الأمراض أصبح مزمنا وحدث ما يمكن أن نسميه التكيف الذهني مع العنصرية والتحيز. وثمة أعراض لهذه الأمراض الثقافية متعددة من حيث الشكل ومتفاوتة من حيث الحدة، ولعل أبرزهاالتحيزات الجنسية المرتبطة بالصور النمطية عن المرأة كموضوع للرغبة والإثارة، وهو موضوع ثقافى ولكنه فى الوقت ذاته اقتصادى لأنه يرفع مستوى الطلبعلى الأعمال “الفنية”. وهناك كذلك الصور النمطية على أساس الانتماء أواللون وشكل الجسد، واللغة أو اللهجة. ويصل الأمر إلى توظيف أشكال معينةمن الإعاقة الجسدية أو الذهنية لتكون مادة للتندر والإدهاش والاقصاء. وحتى الأعمال الفنية التاريخية لها طريقتها في إنتاج الصور النمطية من خلال ابتداع مغالطات تاريخية تستهدف إنتاج صور نمطية عن الماضي لخدمة مصالح واتجاهات في الحاضر. ومع الأسف الشديد فإن الكثير من هذه الممارسات تلقى قبولا لدى مشاهدين عطشى للإثارة وعقول باتت ستكين وترتاح للمغالطات الاجتماعية والتاريخية.
ولكن بالمقابل هناك أعمال الفنية تسعى للارتقاء بالذوق العام، ومنها ما يفضح المفاهيم العنصرية والتحيزات والتنميط. ولكن هذه الأعمال قد لا يكون في مقدورها المنافسة إذا ظل المتلقى أو المستهلك يستمتع بما هو ردئ. بل إن بعض هذه الأعمال قد يكون عرضة للمنع والقمع عندما يشكل تهديدا لما هوسائد ومستقر ثقافيا وذهنيا. وبالطبع فإن الحديث عن تفعيل الرقابة على الأعمال الفنية والإبداعية بات مجازفة، قد تنال من الجيد قبل الردئ. وقد يكونالحل الصحيح والصعب في نفس الوقت هو الارتقاء بثقافة المتلقى بحيث تكون العنصرية والتنميط والمغالطات سلعا منبوذة، وهذا الأمر لن يتحقق بدون وجود مؤسسات ثقافية ومدنية إعلامية تحترم قيم الحقوق والحريات .