كثيرة هي الكتابات التي تناولت موضوع “الشخصية المصرية” بداية من الكتابات الصحفية وحتى الدراسات الأكاديمية. وفي المجمل فإن معظم هذه الكتابات تسعى إلى رسم ملامح هذه الشخصية وكأنها تحمل سمات خاصة قد تكون في نظر البعض متفردة ومتميزة، ويرتبط بذلك رصد مظاهر التحولات والتغيرات التي طرأت عليها والتي تؤكد تفردها كما يحلو للبعض أن يرى ذلك، أو تنحرف عن أصالتها وفق البعض الآخر. ولأننا اعتدنا سماع هذا التعبير، أي “الشخصية المصرية”، فقد ألفناه وبات وكأنه يشير إلى شئ نعرفه ونلمسه. ومقابل هذا التصور السائد، يمكن أن نطرح فرضية معاكسة، أي أن ما نسميه “الشخصية المصرية” قد لا يعني سوى تصورات ذهنية عن شئ هو في الواقع أكثر تعقيدا، لأن ما هو موجود ليس سوى ذوات اجتماعية تتشابه وتختلف مع بعضها ومع غيرها من بني البشر. صحيح أن المجتمع المصري، شأنه شأن كل المجتمعات البشرية، له سمات مشتركة، ولكن ربما تكون سمات فقراء مصر أقرب لسمات الفقراء في أماكن أخرى من العالم أكثر من ارتباطها بأغنياء مصر. ومن بين الفئات الاجتماعية ما يمارس سلوكيات ويعيش أنماط حياة تختلف عن فئات أخرى، ويصعب تحديد أي منها يمثل الشخصية المصرية، وقد نعتبرهم جميعا لا يعبرون عن الصورة الذهنية لهذه الشخصية.
ومن الشائع أن يتم استخدام مفهوم “الشخصية المصرية” وكأنه إطار ناظم لمجموعة من الخصائص الجوهرية التي تعطى للشخصية ملامحها وسماتها وأصالتها، وبهذا نتجاوز واقع الأفراد والفئات إلى عمومية الجوهر الجماعي المُتخيل. وقد ننطلق من الفردي للوصول إلى العمومية، وذلك عندما نقول أن المصري “فرعون أو متفرعن، أى مستبد”، فهذا يعني بناء تصور ذهني يفيد بأن داخل كل مصري فرعون يظهر عندما تشاء له الظروف أن يظهر. وبالمقابل قد يكون التصور الجماعي هو مصدر التعميم، وذلك عندما نقول أن “الشعب المصري متدين بطبعه”، وهذا يعني أن كل مصري متدين بطبعه، ونقبل هذا الزعم بنفس الدرجة التي نقبل بها مقولة أن الشعب المصري ابتعد عن الدين. وبالمثل فقد نقول أن من سمات الشخصية المصرية “خفة الدم”، وهذا يعني أن كل مصري يتسم بـ “خفة الدم”، وفي حالة عدم امتلاك هذه السمة فإنه يخالف المتوقع منه كشخصية مصرية. وهنا يظهر الإشكال المنهجي، أي الزعم بوجود جوهر جماعي ناظم للشخصية المصرية: فهل هذا حقيقي؟ هل هناك جوهر أو أصالة جماعية يمكن أن نسميها “الشخصية المصرية؟
فى الحقيقة أن هذا الجوهر الثابت يمثل مادة أساسية للخطاب التفاخرى، والذى نجده على سبيل المثال فى الأغانى الوطنية المستحدثة التى تتغنى بأصالة الشخصية المصرية. وهذا مفهوم فدائما هناك حاجة أيديولوجية للتفاخر وإبراز التميز والتفرد. ولكن أيضا نجد أن الكثير من الكتابات التى من المفترض أن تتسم بالرصانة الأكاديمية، تستخدم تعبير الشخصية المصرية وملامحها وسماتها بدرجة كبيرة من التعميم وبدون إعطاء معنى موضوعى وعلمى لماهية هذه الشخصية! والمسألة لا تتعلق بوجود تشابهات بين المصريين، ولكن هذه التشابهات لا يجب تعميمها في المطلق، كما لا يجب أن تصرف النظر عن التباينات الهائلة بين عموم المصريين، فضلا أن التشابهات والاختلافات في المجتمع المصري، قد تكون هي ذاتها الموجودة في مجتمعات أخرى.
ولا أعنى بذلك إنكار أن هناك خصوصيات لكل مجتمع، وبالطبع المجتمع المصري، ولكن الخصوصيات نجدها داخل نفس المجتمع بين الفئات وحتى الأفراد، وهي غير ثابتة متغيرة ومتنوعة على الدوام. والمشكلة التى أتحدث عنها هي النظر إلى خصائص الشخصية وكأنها جوهر ثابت في حين أن الواقع حافل بالتنوع الاجتماعي والثقافي والاختلاف في أنماط الحياة. ولهذا السبب، فقد يكون من المشروع التشكيك في موضوعية ذلك التعبير الذي نقبله وكأنه حقيقة: تعبير “الشخصية المصرية”.