في المناجاة بين السيد المسيح والله الآب, قال للآب: أنا مجدتك علي الأرض. وقال أيضا:
العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته (يو 17: 4)
هنا السيد المسيح يمجد الآب, ليس بالكلام, وإنما بالعمل:
إنه يعطينا مثالا أن هذا التمجيد لا يكون باللسان, إنما بالعمل كما قال: طعامي أن أفعل مشيئة الذي أرسلني (يو 4: 34), وكرر هذا الكلام مرارا, كما في (يو 6: 38), وهنا نراه يقول: العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته.
لم يقل قد عملته, بل أكملته:
أي قد وصل في عمله إلي مستوي الكمال, كان المسيح كاملا في تنفيذ مشيئة الآب, بكل كمال عرف الناس بمشيئة الآب وعلي الصليب قال عن العمل الخاص بالفداء قد أكمل (يو 19: 30).
وأنت هل تستطيع أن تقول للرب العبارة نفسها: العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته؟ وإن قلت عبارة: قد أكملته, فلا يمكن أن تقصد بها أنك قد وصلت إلي الكمال الذي به عمل المسيح مشيئة الآب! لعلك تقصد بعبارة قد أكملته.
أنت يارب بنعمتك بدأت العمل وأنا أكملته.
لأني بمعرفتي لا أستطيع أن أعمل شيئا, كما قلت أنت لنا: بدوني لا تقدرون أن تعملوا شيئا (يو 15: 5), وكما قال رسولك القديس بولس: لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا لأجل المسرة (في 2: 13) فأنت الرب الذي دفعت لأعمل, وأنا أكملت هذا العمل, بك أيضا.
أو أنت يارب قد أكملت هذا العمل بنفسك, ثم نسبته إلي, من تواضعك.
وهذا الحنو الذي به تنسب عملك لأولادك, نراه فيك باستمرار.. لقد أعطيتني الناموس والوصايا, ومع ذلك نراك تقول باستمرار: ناموس موسي (يو 7: 23), ونقول: أوصي موسي أن يعطي كتاب طلاق موسي من أجل قساوة قلوبكم, أذن لكم أن تطلقوا (مت 19: 7, 8) بينما أنت يارب الذي أوصيت وأذنت ولكنك تنسب عملك إليه, أو كما تسمح لأحد شهدائك أو قديسيك أن تجري معجزة علي يديه, ليحب الناس, بينما القوة منك أنت.. أو لعلني يمكنني أن أقول:
العمل الذي أعطيتني لأعمل, أنا كنت شريكا معك في إكماله:
دخلت في شركة الروح القدس (2 كو 13: 44) ليعمل روحك في, أو يعمل بي, أو يعمل معي, كما قال معلمنا القديس بولس الرسول عن نفسه وعن زميله أبولس: نحن عاملان مع الله (1 كو 3: 9) أنا غرست وأبولس سقي ولكن الله كان ينمي, إذن ليس الغارس شيئا ولا الساقي بل الله الذي ينمي (1كو 3: 6, 7).
فإن كان هذا حال العمل الذي أكمله قديسان عظيمان مثل بولس وأبولس, فماذا يقول الواحد منا؟
يقول العمل الذي أعطيتني لأعمل, قد أكملته أنت, أما أنا فكنت مجرد أداة في يدك.
نعم ليس لنا يارب, ليس لنا لكن لاسمك القدوس أعط مجدا (مز 115: 1).
من أنا الذي أقول إنني قد أكملت عملا ما, أي عمل؟! أنت الذي تبدأ معي, وأنت الذي تكمل أنت الذي تعطي الرغبة والإرادة والقوة وأنت الذي تشترك في العمل مع عبيدك, في كل عمل صالح.
إن هذه العبارة التي قالها المسيح:
تعني الأمانة الكاملة في العمل وفي الحياة:
فما هو حقا العمل الذي أعطانا الله إياه؟
جزء منه أعطاه الله إياه عن نفسك لكي تقدس هذه النفس له, والجزء الآخر هو من أجل الآخرين لكي تقودهم إلي الله وعليهما كليهما تنطبق العبارة التي قالها بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس.
لاحظ نفسك والتعليم, وداوم علي ذلك (1 تي 4: 16).
فإنك إن فعلت هذا تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضا إذن نفسك والتعليم هما الذي أعطاك الرب إياه لكي تعمله فهل أنت أمين كل الأمانة تجاه هاتين المسئوليتين وهما:
الكمال في جميع مسئوليات حياتك.
وكذلك الكمال في عمل الخدمة
هل كل مسئولياتك قد أكملتها, مسئولياتك العائلية والشخصية الدراسية والاجتماعية ومسئوليات عملك..؟
وفي الوقت نفسه, لم تنس روحياتك, وحياتك الخاصة في صلتها مع الله.
أضرب لله مثلا عاليا هو يوسف الصديق.
من جهة نفسه كان رقيبا عليها وأمينا علي طهارتها, وهكذا قال: كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلي الله (تك 39: 9).
ومن جهة خدمة الآخرين, كان كاملا, إذ كان سبب حياة لجميع الناس في عصره, عمله كوزير تموين لمصر, هو عمل أعطاه الله إياه لاستبقاء حياة (تك 45: 5), وكان كاملا أيضا في عمله في بيت فوطيفار وكل ما كان يصنعه, كان ينجحه الرب بيده (تك 39: 9).. كذلك وهو سجين.
وهكذا يقول المزمور الأول عن الإنسان البار: وكل ما يعمله ينجح فيه (مز 1: 3), ولا يكفي نجاحك في الحياة, إنما الكمال في كل عمل تعمله.
هل أكملت أيضا عملك تجاه أسرتك؟ ليست فقط واجباتك الاجتماعية, إنما الروحية أيضا؟
ماذا عن وصايا الله التي قال عنها: وتكلم بها حين تجلس في بيتك.. وقصها علي أولادك (تث 6: 7).
ونحن نتدرج هنا إلي العمل الذي أعطانا الرب إياه في محيط الخدمة, نتذكر بعض التفاصيل التي قالها السيد المسيح في العمل الذي أكمله قال:
أنا قد أظهرت اسمك:
أنا قد أظهرت اسمك للناس أعطيتني من العالم, كانوا لك, وأعطيتهم لي, وقد حفظوا كلامك (يو 17: 6).
ما أكثر من كلمهم السيد المسيح عن الآب السماوي, وعن رعايته ومحبته فكلمة الآب مكررة كثيرا جدا علي فمه في الأناجيل.
فهل أنت أيضا أظهرت اسم الله للناس؟
أم أنت تستحي أحيانا من ذكر اسمه, وتختفي عن ذكر اسمه؟! بعكس داود النبي الذي قال: تكلمت بشهاداتك قدام الملوك ولم أخز (مز 119).
أنا فخور بك يارب, اسمك هو تلاوتي, هو لهجي, هو أنشودتي الحلوة باسمك ارفع يدي, فتشبع نفسي, كما من لحم ودسم (مز 63).
اسمك يارب هو مركز حديثي المفضل مع الناس, أجد لذة في أن أحدثهم عنك.
كلما أقابلهم, كلما أزورهم, يكون اسمك علي لساني باستمرار معهم, محبوب هو اسمك يارب, فهو طول النهار تلاوتي (مز 119), أنا أظهرت اسمك للناس, لأني أحبك وأحبهم وأريد لهم أن يحبوك.
كثيرون إذا تزاوروا يتحدثون في موضوعات عديدة جدا من شئون المجتمع ومشاكله.. والوحيد الذي لا يتحدثون عنه هو الله..! ليت الناس يذكرون أو يتذكرون اسم الله في مشاكلهم, فيحل الله لهم تلك المشاكل.
مثال داود النبي في قصة جليات الجبار:
كان كل الناس يتحدثون عن ذلك الرجل الصاعد وجبروته وطوله وعرضه وسلاحه وتهديداته وخوف الجيش منه, ووعود الملك شاول بمكافأة من يقتله (1صم 17: 25).. أما اسم الله فلم يذكره أحد!! ثم جاء الصبي داود فأظهر اسم الله للناس ولجليات بطريقة مملوءة بالإيمان فقال: من هو هذا الأغلف, حتي يعير صفوف الله الحي؟! (1صم 17: 26-36), ولما أظهر له الملك شاول صعوبة محاربته بقوله: أنا غلام وهو رجل حرب منذ صباه, حكي قصة معونة الله له, لما هاجمه أسد ودب أثناء رعيته للغنم, وقال: الرب الذي أنقذني من يد الأسد ومن يد الدب, هو ينقذني… وسار إلي جليات وقال له:
أنت تأتي إلي بسيف ورمح وأنا آتيك باسم رب الجنود, اليوم يحبسك الرب في يدي فأقتلك.. فتعلم كل الأرض أنه يوجد إله… وكرر اسم الرب فقال: وتعلم هذه الجماعة كلها: إنه ليس بسيف ورمح يخلص الرب, لأن الحرب للرب, وهو يدفعكم ليدنا (1صم 17: 45-47).
وهكذا أظهر داود اسم الرب وباسم الرب قد غلب, لأن الحرب للرب.
ومن أهمية اسم الرب, إننا نجعله في مقدمة طلباتنا في الصلاة الربية.
وهكذا علمنا الرب أن تكون أول طلبة لنا في الصلاة هي ليتقدس اسمك.
وكيف نقدس اسمه؟
بأن نظهر للناس, في علوه وسموه, في أزليته وعدم محدوديته, في قداسته وكماله وقدرته, في أعاجيبه ومعجزاته, في حبه لنا وفي رعايته.. هذا الاسم الحلو الذي نقول عنه في تسابيحنا.
اسمك حلو ومبارك, في أفواه قديسيك.
كما قال عنه المرتل في المزمور: محبوب هو اسمك يارب, فهو طول النهار تلاوتي (مز 119).
ولكن ليس الأمر هو مجرد إظهار اسم الله للناس وإنما هناك ملاحظة مهمة وهي:
تظهر اسم الله للناس, بطريقة تجعلهم يحبونه.
وتجعلهم يحبون طرقه ويتبعون ويحفظون وصاياه وهكذا قال الرب: عرفهم اسمك وسأعرفهم ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به, وأكون أنا فيهم (يو 17: 26), وقال: أظهرت اسمك للناس الذين أعطيتني.. وقد حفظوا كلامك (يو 17: 6).
الذين أعطيتني:
فمن هم أولئك الذين أعطيتني؟
كل إنسان دفعته إلي طريقي, قد أظهرت اسمك له.. كل من سمحت لي أن أتقابل معه, أو يأتي إلي.. ليس فقط الاثنا عشر خاصتي الذين أحببتهم حتي المنتهي (يو 13: 1), وإنما أيضا الجموع التي علي الجبل, والجماهير المزدحمة, وزكا العشار الصاعد علي الشجرة (لو 19: 4), ونيقوديموس الخائف من اليهود (يو 3: 1, 2), ومرثا المهتمة بأمور كثيرة بينما الحاجة إلي واحد, هو أنت (لو 10: 41).
هو درس إذن لكل خادم, أن يظهر اسم الرب للناس, كل الناس.
ليس فقط في أورشليم وكل اليهودية, وإنما أيضا في السامرة وفي أقصي الأرض (أع 1: 8).
… بعيدا إلي الأمم (أع 22: 21),وكما تشهد له في أورشليم ينبغي أن تشهد له في رومية أيضا (أع 23: 11).
عملك هو أن تظهر اسم الله للناس, ولكن احترس.. ومن أي شيء تحترس؟
احترس لئلا أعمالك تجعل الناس تجدف علي الاسم الحسن الذي تظهره لهم!!!
فتظهر اسم الله لهم, وأنت بعيد كل البعد عنه!! كما يقول القديس بولس موبخا أهل رومية: … لأن اسم الله يجدف عليه بسببكم بين الأمم (رو 2: 24).
ينبغي إذن أن حياتك العملية هي التي تظهر اسم الله, وليس مجرد كلامك, لأن الناس لا يتأثرون بكلام لا تسنده حياة مرتبطة بالله, وعن هذا قال القديس يوحنا الرسول: بهذا أولاد الله ظاهرون, وأولاد إبليس ظاهرون (1 يو 3: 10).
هنا واسأل سؤالا صريحا:
كم شخصا عرف اسم الله عن طريقك؟
ما هو حصادك من الناس الذين عرفتهم اسمه, والذي قدتهم في طرقه؟ وحينما يذكرون أي لقاء لهم معك, يذكرون اسم الله الذي كان موضوع اللقاء.. وخاصة أولئك الذين لم تكن لهم صلة مع الله من قبل, الذين قال عنهم المزمور لم يسبقوا أن يجعلوا الله أمامهم (مز 54).
هوذا الرب يقول: أنا أظهرت اسمك للناس الذين أعطيتني ويقول معها أيضا:
كنت أحفظهم في اسمك, الذين أعطيتني حفظتهم ولم يهلك منهم أحد… (يو 17: 12).
إذن الأمر لا يقتصر فقط علي أن تظهر اسم الله للناس, وإنما أيضا أن تحفظهم في اسمه.. أي تتابع عمل الله في حياتهم ليكون فيهم الحب الذي أحبك به, ولكي لا يهلك منهم أحد.
كان السيد المسيح يظهر اسم الله للناس, وكان يحفظهم في اسمه وكان أيضا يطلب من أجلهم فيقول:
أيها الآب القدوس. احفظهم في اسمك الذين أعطيتني… (يو 17: 11).
احفظهم داخل هذا الاسم, فلا يخرجون منه.. كما سبق وقال عن خرافه: … وأنا أعطيها حياة أبدية ولا يخطفها أحد من يدي.. ولا يقدر أحد أن يخطف من يدي أبي (يو 10: 28, 29).
هل أنت تفعل كذلك من أجل الذين قد أعطاك الرب إياهم؟ هل تصلي من أجلهم؟ وهل تقدم من أجلهم محرقات, كما كان يفعل أيوب الصديق كل الأيام من أجل أولاده؟ (أي 1: 5).. يا أخي افعل هكذا فتحيا.
هؤلاء الذين أعطاك الرب إياهم, هم أولاده, إنهم له.
يقول السيد المسيح في ذلك: كانوا لك, وأعطيتهم لي, وقد حفظوا كلامك (يو 17: 6), ومن جهتك أنت, احفظ هذه العطية إنهم له, وهم أمانة في عنقك لذلك احفظهم في اسمه.
من هم؟ إنهم ليسوا فقط أهل بيتك.
إنما قد أعطاك الرب أيضا أصدقاء, وزملاء, ومعارف, وجيرانا, وكثيرين غيرهم.
هل تحرجت من أن تذكر اسم الرب لهم؟! وأي حرج في هذا؟!! هل رأيت أن اسم الرب قد يكدر الذين يحبون أن يحيوا في لهو وعبث؟ كلا إنه فقط يوقظهم..
عملك هو أن تلقي بذارك علي الأرض.
علي كل أرض حتي علي الأرض التي فيها أشواك, أو التي لا عمق لها (مت 13).. ما أدراك, ربما تصادف بذارك أرضا جيدة, فتعطي ثمرا ضع أمامك باستمرار قول الرب:
أنا أظهرت اسمك للناس الذين أعطيتني.
عرفتهم اسمك, وسأعرفهم, ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به, وأكون أنا فيهم.
وليكن الرب معك: في كلامك وفي خدمتك, وفي كل البذار التي تلقيها علي الأرض, وليقل لك:
مباركة تكون.. ثمرة أرضك (تث 28: 4).