يكاد الرقم سبعة أن يكون أشهر وأهم رقم في الكتاب المقدس.
حتي إن البعض وضع كتابا اسمه سباعيات الكتاب شرح فيه تركيب أجزاء كثيرة من الكتاب علي الرقم سبعة, في عدد كلماته وحروفه وجمله, بطريقة مذهلة. ولكن لا يستفيد منه سوي العارفين باللغات الأصلية للكتاب, غير أننا هنا, سنعرض الموضوع بطريقة سهلة, بعيدة عن البحوث اللغوية والرقمية التي تستلزم دراسات فوق مستوي القارئ العادي. ونقول:
إن الرقم يبدأ به أول سفر في الكتاب, وكذلك آخر سفر أيضا سفر الرؤيا.
فأول سفر التكوين يبدأ بالسبعة أيام.. وكيف أن الله بارك هذا اليوم السابع الذي لم ينته بعد, ولم يقل عنه الكتاب: كان مساء, وكان صباح يوما سابعا.. وحينما منح الله الشريعة المكتوبة, جعل اليوم السابع هو يومه, يوم الرب, يكون مقدسا له (خر20:8), (تث5:12).
وسفر الرؤيا آخر أسفار الكتاب يبدأ بسبع رسائل يرسلها الرب إلي سبعة رعاة لسبع كنائس في آسيا, ويرينا الرب واقفا في وسط المنائر السبع, التي هي السبع كنائس, ويمسك السبعة الكواكب في يمينه (رؤ1:20), (2:1).
ألعل السبع الكنائس ترمز إلي كنائس العالم؟ وحالاتها ترمز إلي كل الحالات؟
والرسائل المرسلة إليها هي رسائل إلي الكل, والبركات التي للغالبين فيها هي بركات ووعود لكل الغالبين في الحياة الروحية في أرجاء المسكونة كلها.. وأنها لكذلك وملائكتها يرمزون إلي جميع الرعاة..
ويعوزنا الوقت إن تحدثنا عن الرقم سبعة في سفر الرؤيا.
ففي هذا السفر نقرأ عن سبعة ختوم ختم بها السفر (رؤ5:1), أي أنه كان كاملا جدا في ختمه..
ويتحدث السفر عن رؤساء الملائكة السبعة, الذين يسميهم سبعة أرواح الله المرسلة إلي كل الأرض (رؤ5:6). ويتحدث أيضا عن السبعة أبواق التي بوق بها السبعة الملائكة الذين يقفون أمام الله (رؤ8:2). وما حدث بسبب هذه الأبواق السبعة, ولا شك أنها تحمل سبع نبوءات عن أواخر الأيام (رؤ8, 9) مع سبع نبوءات أخر تتعلق بفك الختوم السبعة (رؤ6).
ونقرأ في سفر الرؤيا عن التنين أنه كانت له سبعة رؤوس (رؤ12:3) وعلي رؤوسه سبعة تيجان, وأن الوحش أيضا كانت له سبعة رؤوس عليها تيجان أيضا (رؤ13:1).
فهل هذه الرؤوس السبعة التي للتنين والتي للوحش ترمز إلي كل الطاقات الشريرة وإلي كل الرؤساء والملوك المقاومين لملكوت الله!
وهل الضربات السبع, والويلات السبع, ترمز إلي كل الضيقات التي تأتي علي العالم قبل الانقضاء؟
إن انتهاء اليوم السابع سيكون معه انتهاء العالم وزواله. فهو يرمز بلا شك إلي كمال عمر هذا العالم الحاضر بسمائه وأرضه (مت5:18).. الذي فيه يستريح الرب الراحة الكاملة من كل ما اقترفته الأرض من خطايا وأهوال.
فالرقم سبعة يرمز إلي كمال الراحة.
إننا نري أن إيليا استراح من جهاده لأجل سقوط المطر في الصلاة السابعة (1مل18:44).
كذلك نعمان السرياني لم يسترح من مرضه, من برصه, إلا في الاغتسال السابع, لما اغتسل في الأردن سبع مرات حسب أمر أليشع النبي له (2مل5:10, 14). والشعب استراح من أسوار أريحا في الودرة السابعة (يش6:16, 20).
وكانت الأرض تستريح في العام السابع (لا25:2-7). والعبد أيضا كان يحرر من عبوديته ويستريح في السنة السابعة (خر21:2).
علي أن الرقم سبعة لم يكن يرمز فقط إلي الراحة, وإنما في كل شئ.
كان الرقم سبعة يرمز أيضا إلي كمال الخطية, وكمال العقوبة, وكمال التكفير..
فمن جهة كمال السقوط, قال الكتاب: الصديق يسقط سبع مرات ويقوم (أم24:16).
ولا يقصد هنا المعني الحرفي للرقم سبعة, بل إنه مهما سقط يتوب, أيا كان عدد مرات السقوط. وهنا نقول أيضا إنه لم يكن عبثا أن الكتاب ذكر عن مريم المجدلية أن المسيح أخرج منها سبعة شياطين (مر16:9), (لو8:2).
وأصحاب أيوب, لما أراد الرب أن يشعرهم بكمال خطيئتهم أمرهم أن يقدموا محرقة من سبعة ثيران وسبعة كباش (أي42:8).
في يوم الكفارة العظيم كان يقدم ثورا واحدا (لا16).
أما هنا فسبعة. وذلك لأن الله أراد أن يشعرهم بعظم خطيئتهم. وبالمثل كانت أيضا الذبائح التي قدمها بلعام (عد23:1).
وكذلك في عقوبة نبوخذ نصر أمر الله أن تستمر عقوبته سبعة أزمنة (دا4:16).
وفي سفر اللاويين يقول الرب: وإن كنتم لا تسمعون لي, أزيد علي تأديبكم سبعة أضعاف حسب خطاياكم (لا26:18). إنه يشير إلي كمال التأديب وشدته, وفي سفر الأمثال عن السارق أنه يرد سبعة أضعاف (أم6:31).
ورمزا لكمال العقوبة والتكفير, كان ينضج من دم الذبيحة سبع مرات لدي حجاب القدس (لا4:6, 17).
رمزا إلي أن الحجاب بين الله والناس, قد أخذ حقه تماما من الدم مشيرا بهذه إلي كمال الكفارة التي قدمت.
وعقوبة النجاسة كانت تستمر إلي سبعة أيام (لا19:11). وقد شرح الكتاب أمثلة لها.
واستخدم السيد المسيح هذا الرقم في المغفرة.
فلما سأله بطرس: كم مرة يخطئ إلي أخي, وأنا أغفر له؟ هل إلي سبع مرات؟ أجابه قائلا: لا أقول لك إلي سبع مرات, بل إلي سبعين مرة سبع مرات (مت18:21, 22). وواضح هنا أن الرقم يرمز إلي كمال مرات المغفرة, وليس إلي التحديد العددي.
واستخدم الكتاب هذا الرقم أيضا في مجال البركة واللعنة:
فقال في البركة: يجعل الرب أعداءك القائمين عليك منهزمين أمامك. في طريق واحدة يخرجون عليك, وفي سبع طرق يهربون أمامك (تث28:7), ولا يقصد عدد الطرق وإنما كمال هروبهم. والأسلوب نفسه استخدم في مجال العقوبة (تث28:25).
ونجد الرقم نفسه في تفسير حلم فرعون.
سبع بقرات سمان, وسبع بقرات هزيلة. وبالمثل سبع سنابل ممتلئة, وسبع سنابل رقيقة, وكانت كل من المجموعتين السبع السمينة تشير إلي سبع سنوات من الشبع. والباقيات تشير إلي سبع سنوات عجاف (تك41).
وفي أحداث كثيرة من التاريخ استخدم هذا الرقم أيضا.
ففي الإشارة إلي كمال الحزن علي بلية أيوب الصديق, قيل إن أصحابه جلسوا معه صامتين علي الأرض سبعة أيام وسبع ليال (أي2:13) أي كمال مدة العزاء والحزن والكآبة.
وفي خوف قايين من قتله, قيل: كل من قتل قايين, فسبعة أضعاف ينتقم منه.. وأما من قتل مالك فسبعة وسبعين (تك4).. وواضح أن المقصود ليس هو الحرفية العددية, وإنما كمال الانتقام له.
وفي محبة يعقوب لراحيل, قيل إنه خدم بها سبع سنوات (تك29:18, 20), كما خدم سبع سنين أخر بأختها الكبري ليئة (تك29:27, 30).
إن سبع سنوات يخدمها يعقوب لأجل التزوج براحيل, إنما ترمز إلي كمال تعبه من أجلها. ولو قيل إنه خدم 15 سنة لأجلها, ما أعطي هذا التعبير القوة نفسها التي تعطيها رموز الرقم 7.
في قصة شمشون الجبار, قال خداعه: لو أوثقوني سبعة أوتار طرية.. أضعف وأصير كواحد من الناس (قض16:7).
ولم يكن المقصود المعني العددي إنما الرمزي, أي أكبر ما يمكن أن يقدمه ربط إنسان بالأوتار.
لما قال إيليا النبي: وبقيت أنا وحدي أجابه الرب هناك سبعة آلاف ركبة لم تنحن للبعل (1مل19:18). والمقصود هنا عدد كامل كبير من الناس, حتي لو كانت حرفية العدد قائمة فعلا.
وفي تقديس هرون وبنيه ثيابهم:
يقول الرب لموسي عن الثياب المقدسة: سبعة أيام يلبسها الكاهن.. الذي يدخل إلي خيمة الاجتماع ليخدم في القدس (خر29:30). وسبعة أيام تملأ أيديهم.. وسبعة أيام تكفر علي المذبح وتقدسه فيكون المذبح قدس أقداس, كل ما مس المذبح يكون مقدسا (خر39:35, 37).
لماذا هذا الرقم سبعة بالذات؟ أليس وراءه سر أو رمز؟
نلاحظ أن يوم الكفارة العظيم, بكل ما يحمل من رموز للفداء, كان في الشهر السابع (لا16:29). وفيه كان يكفر عن الشعب لتطهيره, وتكون هذه لهم فريضة دهرية, للتكفير عنهم من جميع خطاياهم, مرة في السنة (لا16:29, 34). وفي نفس اليوم يتم التكفير عن مقدس القدس وعن خيمة الاجتماع والمذبح وعن الكهنة (لا16:33).
لماذا اختار الله ليوم الكفارة العظيم هذا الشهر السابع بالذات؟
ملاحظ أيضا أمرا يستحق التأمل هو:
أول إنسان صعد إلي السماء, كان هو أخنوخ, السابع من آدم.
انظر (تك5:24), (يه14).
هذا السابع في سلسلة الأنسال من آدم هل ترتيبه يحمل رمزا في صعوده إلي السماء, وفي قول الكتاب عنه: وسار أخنوخ مع الله. ولم يوجد لأن الله أخذه؟..
كذلك هل يحمل رمزا أنه كانت سبع درجات تقود إلي الهيكل (زك40:22, 26).
وهل يحمل رمزا أيضا أن الحيوانات الطاهرة والطيور الطاهرة التي أخذها أبونا نوح معه داخل الفلك أدخلها سبعة سبعة (تك7:2, 3).
طبعا العدد الكبير, لاستبقاء حياة من النوع نفسه, إذا قدمت منها ذبائح.. لكن لماذا الرقم 7 بالذات؟
علي أن هناك مواضع كثيرة في الكتاب المقدس, لم يذكر فيها الرقم سبعة بالذات, ولكن محتوياتها تدل علي الرقم 7.
عن هذه أود أن أتكلم في العدد المقبل بمشيئة الرب, لأن الرقم 7 لا يكفيه مقال واحد كما أود أن أتكلم عن هذا الرقم في:
عقائد الكنيسة وطقوسها.. في الروحيات وفي العبادة.. في الأعياد والأصوام والصلوات.. في أمور تتعلق بالسيد المسيح والروح القدس..