الباب الثاني
الفنون الجمالية المرئية والملموسة (النصوص المقدسة)
فنون الموسيقي
سبحوه بدف ورقص.. سبحوه بأوتار ومزمار
نماذج تطبيقية عن فن الموسيقي في الكتاب المقدس
أولا: من العهد القديم: تسبحة النصرة (خر15)
لم نسمع من الشعب قبل العبور سوي الصراخ والأنين والشكوي, ولكن بعد أن تم الفداء العظيم بالدم وخلاصهم من يد فرعون وجنوده وعبورهم ونجاتهم من العبودية والموت, وقفوا علي الشاطئ الآخر للبحر يرون عظم عمل الله معهم, فتحوا أفواهم بالتسبيح والترانيم لله. حينئذ رنم موسي وبنو إسرائيل هذه التسبحة للرب وقالوا..
(إنها أول ترنيمة في الكتاب المقدس) إنها التسبحة التي رنمتها ملايين النفوس المفدية الذين ذاقوا الحرية, انطلقت ألسنتهم بالفرح والتسبيح والتمجيد والغناء بالدفوف.
وقد رتبت الكنيسة هذه التسبحة لترنمها كل يوم في تسبحة نصف الليل (الهوس الأول), لأنها ترنيمة الذين عبروا المعمودية كإعلان عن ضعف الشيطان وتحريرهم من عبودية إبليس, بل إن أغنية الحرية هذه هي ترنيمة الكنيسة عبر الأجيال, غناها الشعب علي شاطئ البحر الأحمر فرحا بالفداء والنجاة, وتغنيها الكنيسة كل يوم علي شاطئ بحر العماد وأمام الصليب وأمام المذبح الذي تقدم عليه ذبيحة الرب يسوع. وستغنيها الكنيسة في السماء وإلي أبد الآبدين علي شاطئ البحر الزجاجي أمام الحمل القائم وكأنه مذبوح.
ورأيت الغالبين علي الوحش وصورته وعلي سمته وعدد اسمه, واقفين علي البحر الزجاجي, معهم قيثارات الله, وهم يرتلون ترنيمة موسي عبد الله, وترنيمة الحمل (رؤ15:2-3).
أرنم للرب فإنه قد تعظم. الفرس وراكبه طرحهما في البحر (1) بدأت التسبحة بتمجيد الرب الذي تمجد بالصليب حين داس إبليس وكل قوته ليعتق الذين قد أرسلهم, وكان هذا الجزء من الترنيمة هو القرار الذي يردده الشعب مع مريم.
إله أبي فأرفعه (عدد2), تذكر موسي قول الرب: أنا إله آبائك فباركه قائلا: إن مراحمك يارب من جيل إلي جيل. كانت لآبائنا وصارت لنا وستبقي لنا هو أمس واليوم وإلي الأبد.
الرب رجل حرب (عدد3) اختبر الرب الذي يحارب عن شعبه وهم صامتون ويخرج بهم غالبين.
هبطوا في أعماق البحر (5) الخطية كالرصاص ثقيلة (زك5:7), لذلك يسقط الأشرار في أعماق الخطية واللذة والشهوة, أما القديسون فلا يغوصون بل يمشون علي المياه في معية مخلصهم.
يمينك يارب معتزة بالقدرة, يمينك يارب تحطم العدو (عدد6).
أرسلت روحك فغطاهم البحر من فوق (عدد10).
يري القديس أمبروسيوس عمل الثالوث القدوس واضحا:
- يمين الرب: هو الابن يمين الله, وقوته الذي حطم العدو بصليبه.
- أرسلت روحك: عمل الروح القدس في سر المعمودية مهلكا الشر ومنقذا أولاد الله.
قال العدو تمتلئ منهم نفسي.. تفنيهم يدي (9) هذا هو هدف إبليس دائما يجول كأسد زائر ملتمسا من يبتلعه.
ولكن يمد الرب يمينه فتبتلعهم الأرض (12), ويعلق العلامة أوريجانوس علي هذه العبارة قائلا: إن الأرض تبتلع من ليس له إلا الأفكار والأعمال الأرضية حيث يضع فيها كل رجائه, ولا يرفع نظره نحو السماء.
إذا رأيت إنسانا يجري نحو الأرضيات منكبا علي رغبات الجسد وشهواته, رأيت روحه بلا قوة, لأن الجسد مسيطر علي كل حياته فكل الأرضيات ابتلعته.
+ حتي يعبر شعبك يارب, حتي يعبر شعبك الذي اقتنيته (عدد16), كرر موسي عبارة حتي يعبر شعبك ليعلن أن غاية العمل هو الخلاص والعبور إلي الأبدية, وأن العبور هو للكنيسة كلها (يهود وأمم).
+ تجيء بهم وتغرسهم في جبل ميراثك (17), أي يغرس شعبه- ميراثه الذي اقتناه لذاته- علي الجبال أي في السماويات, إنه يريدنا أن نسكن معه في مجده.
+ الرب يملك إلي الدهر, بنو إسرائيل مشوا علي اليابسة في وسط البحر (19-20). الرب يملك إلي الدهر بينما غرق فرعون وهلك, أما أولاد الله فيمشون في وسط العالم وأمواجه المضطربة ولكنها لا تمسهم, يمشون وسطها وكأنهم علي اليابس.
البحر بأمواجه المتلاطمة يشير للعالم المضطرب بخطاياه وشروره, ولكن أولاد الله في معية مخلصهم يسيرون وراءه, ويجتازون وسط أمواج العالم دون أن تبتل أقدامهم بمياه شهواته ونجاساته.
ثانيا: من العهد الجديد:
+ مكلمين بعضكم بعضا بمزامير وتسابيح وأغاني روحية, مترنمين ومرتلين في قلوبكم للرب (أف5:19).
+ يدعونا الكتاب المقدس أن نمارس التسبيح سواء في عبادتنا الفردية أو الجماعية لأنه: لإلهنا يلذ التسبيح (مز147).
+ الأغاني الروحية هي من نتاج عمل الروح القدس في حياة الإنسان المسيحي, وهذه الأغاني التي يرددها, ليست إضافات أو شكليات لتجميل نمط العبادة, بل هي جزأ لا يتجزأ منها.
الترنيمة الجديدة للأربعة والعشرين قسيسا في (رؤ14:3)
ولما أخذ السفر خرت الأربعة الحيوانات والأربعة والعشرون قسيسا أمام الخروف, ولهم كل واحد قيثارات وجامات من ذهب مملوءة بخورا هي صلوات القديسين. وهم يترنمون ترنيمة جديدة قائلين: مستحق أنت أن تأخذ السفر وتفتح ختومه, لأنك ذبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة وجعلتنا لإلهنا ملوكا وكهنة, فسنملك علي الأرض (رؤ5:8-10).
التسبيح هو سمة السماء, لذلك نجد سفر الرؤيا مملوءا من التسابيح تعبيرا عن حالة الفرح في السماء.
لا يقف تسبيح الأربعة والعشرين قسيسا عند السجود أمام الحمل بل: ما أكثر وسائل التعبد عن طريق التسبيح:
+ لهم كل واحد قيثارات: القيثارات تشير إلي الألحان الكنسية.
+ الجامات المملوءة بخورا: تشير إلي الصلوات المرفوعة إلي فوق مسنودة بشفاعات وطلبات القديسين, مثل رائحة زكية أمام الله.
+ الترنيمة الجديدة: فكل يوم نكتشف في الله جديدا, نسبحه عليه وكل يوم نقدم صلواتنا بتذوق جديد.
يقول القديس أغسطينوس: إن الإنسان العتيق تسبحة عتيقة والإنسان الجديد تسبحة جديدة.