الأولي: إحزان قلب الله والانفصال عنه, والثانية هي هلاك الإنسان.
وذبيحة المحرقة كانت تمثل إرضاء قلب الله الذي أغضبناه وأحزناه بخطايانا وتمردنا عليه.
لذلك وضعت في الترتيب أولا, في ذبائح سفراللاويين.. فالمهم أولا أن نصطلح مع الله, أن نرضيه بعد أن أغضبناه.. وهذا قبل التركيز علي أنفسنا نحن وخلاصها.
لذلك قيل عن المحرقة إنها: رائحة سرور للرب.. إنها درس لنا, نحن الذين باستمرار نفكر في أنفسنا, قبل أن نهتم بحق الله.
ولكن ماذا عن خلاص أنفسنا من الهلاك الذي سببته لنا الخطية؟
عمل الفداء لخلاصنا, تمثله في سفر اللاويين: ذبيحة الخطية وذبيحة الإثم.
وكانت شريعتهما واحدة.. وكانت ذبيحة الإثم عن الخطايا التي يرتكبها الإنسان سهوا, فمتي أعلم بها يقدم عنها ذبيحة لإثمه (لا4:13, 21, 22, 27).
وحسن أن نعلم أن خطية السهو محسوبة علينا ونقدم عنها ذبيحة, لأنها كسر لوصية الله, حتي لو كان ذلك بغير إرادتنا, بجهل, سهوا..
ومع ذلك كانت ذبيحة الإثم قدس أقداس (لا7:1), وكذلك كانت ذبيحة الخطية (لا6:25) أيضا قدس أقداس ذلك لأن كلا منهما قامت بعمل التكفير, وإزالة الخطية, ودفع ثمنها, كرمز.
كانت كل منهما رمزا للمسيح الذي قام بعمل الفداء, ودفع ثمن الخطية لكي لا يهلك كل من يؤمن به, بل تكون له الحياة الأبدية (يو3:16). كان المسيح علي الصليب ذبيحة خطية, وذبيحة إثم.. كلنا كغنم ضللنا, والرب وضع عليه إثم جميعنا (إش53:6).. ووقف أمام الآب كأنه الخاطئ.
وهو لم يكن خاطئا, وإنما حامل خطية.
كان لابد من وجود البار الذي يحمل خطايا غيره, ولم يكن في العالم أحد بارا الجميع زاغوا وفسدوا وأعوزهم مجد الله. ليس من يعمل صلاحا, ليس ولا واحد (مز14:1-3).
فأتي هذا البار الوحيد, القدوس وحده, الذي بلا شر ولا دنس, الذي انفصل عن الخطاة وصار أعلي من سموات (عب7:26) أتي هذا البار وحمل هو نفسه خطايانا (1بط2:24), ودفع ثمنها للعدل الإلهي.
وأود هنا أن أقدم بعض ملاحظات عن الذبائح وطريقة تقديمها:
1- كان الخاطئ يضع يده علي الذبيحة عند تقديمها:
سواء في حالة المحرقة (لا1:4) أو ذبيحة الخطية (لا4:4, 15, 24).. أو ذبيحة السلامة (لا3:1, 2).
وكان وضع يده يحمل معني قبوله هذه الذبيحة لتموت عنها وبالتالي يحمل اعترافا منه بأنه قد أخطأ ويستحق الموت, وقد أتي بذبيحة لتموت عنه.
وكان وضع يده علي رأس الذبيحة يشير إلي انتقال الخطية منه إليها.
ويشير إلي إيمانه بمبدأ الكفارة والفداء.
2- وكان الخاطئ يقر بخطاياه..
وورد عن ذلك في سفر اللاويين: فإن كان يذنب في شئ من هذه, يقر بما قد أخطأ به, ويأتي إلي الرب بذبيحة لإثمه عن خطيته التي أخطأ بها (لا5:5, 6).
3- وكان دم الذبيحة يرش علي المذبح.
كما ورد في (لا1:5) عن المحرقة, وفي (لا3:2, 8, 13) عن ذبيحة السلامة, وكذلك في (لا7:3) عن ذبيحة الإثم. وكان الدم ينضح سبع مرات علي حجاب القدس في ذبيحة الخطية (لا4:5, 7).
4- كان أهم شئ أمام الله في الكفارة هو دم الذبيحة.
كان هذا الدم في كل مكان, في الخيمة, وفي البرية, وفي أسفل المذبح, إشارة إلي أن المذبح قد تأسس بالدم.. ورشه سبع مرات كانت إشارة إلي أن كفارة الدم أصبحت كاملة.. ورشه علي الحجاب: إشارة إلي أن الحجاب بيننا وبين الله سوف يزول عن طريق هذا الدم.
5- كان الدم يشير إلي الموت.
الموت الذي جلبته الخطية والذي حل علي هذه الذبيحة لأن نفس الجسد هي في الدم (لا17:11), فسفك الدم معناه بذل النفس.
علي أن هناك ملاحظة نحب أن نقولها من جهة علاقة هذه الذبائح بالمغفرة.
بهذه الذبائح كان الخطاة يأخذون صكا بالمغفرة التي منحت لهم علي الصليب.
فالمغفرة لم تتم بسفك دم الحيوان المقدم ذبيحة, إنما بسفك دم المسيح, وما نالوه من مغفرة هو مجرد صك بها, يعطيهم استحقاقا.. وحسنا قال القديس بولس الرسول في ذلك عن رجال الإيمان:
وهم لم ينالوا المواعيد, لكنهم من بعيد نظروها وصدقوها (عب11:13).
كل تلك الذبائح كانت رمزا, ولما صعد المرموز إليه علي الصليب, قال: يا أبتاه اغفر لهم (لو23:34), هناك تم دفع ثمن الخطية.
هناك الكثير, والكثير جدا, لأقوله عن الذبائح ولكن هذه السطور لا تحتمل الآن, علي أنني أعدكم بأن أصدر كتابا عن الذبائح وما تحمله من رموز.
فإلي لقاء إن أحبت نعمة الرب وعشنا.