تحدثنا من قبل عن رموز الروح القدس, ومنها الماء (يو7:38, 39), والزيت الذي منه المسحة المقدسة (1يو2:20), (خر30:24, 25).. يرمز إلي الروح أيضا الحمام, كما ورد في قصة العماد (مت3:16) , وأيضا الريح كما في يوم الخمسين (أع2:2-4), وفي الواقع أن كلمة إبنفما باللغة اليونانية تعني الروح أو الريح.
النار أيضا يمكن أن ترمز إلي الروح القدس, وإلي اللاهوت بصفة عامة, كما سنري:
الروح القدس حل علي التلاميذ في يوم الخمسين علي هيئة ألسنة من نار (أع2:3, 4).
وبعد أن استقرت هذه الألسنة عليهم امتلأ الجميع من الروح القدس, وبدأوا يتكلمون بألسنة أخري, كما أعطاهم الروح أن ينطقوا (أع2:4).
مع أنهم من قبل كانوا قد أخذوا الروح في الكهنوت بالنفخة المقدسة من فم الرب (يو20:22).
وهكذا يسمي الروح القدس الذي حل علي التلاميذ بالروح, لأنه أشعل قلوبهم بالخدمة وصارت كلماتهم التي ينطقون بها في الخدمة كلمات نارية.
لا ننسي أيضا قول الكتاب: إلهنا نار آكلة (عب12:9).
وقد اقتبس بولس الرسول هذا التعبير من سفر التثنية (تث4:24).
وهكذا حل مجد الرب علي جبل سيناء حينما سلم موسي لوحي الشريعة وكان منظر مجد الرب كنار آكلة علي رأس الجبل (خر24:17).. وفي ذلك قال موسي النبي لبني إسرائيل: وقفتم في أسفل الجبل, والجبل يضطرم بالنار. فكلمكم الرب من وسط النار (تث4:11, 12), وأيضا (تث4:33, 36).
وبنفس الوضع كلم الرب موسي من النار في العليقة.
ظهر له بلهيب نار من وسط عليقة, ونظر وإذا العليقة تتوقد بالنار, والعليقة لم تحترق.. وناداه الله من وسط العليقة.. فغطي موسي وجهه, لأنه خاف أن ينظر إلي الله (خر3:2-6).
هنا إلهنا نار آكلة, ويكلم الشعب وموسي من وسط النار.
النار إذن ترمز إلي اللاهوت, وهذا ما تشير إليه المجمرة الشورية.
في المجمرة يوجد الفحم المتقد بالنار.. الفحم يرمز إلي الناسوت, والنار ترمز إلي اللاهوت, واتحادهما معا يرمز إليه هذا الجمر المتقد. أما المجمرة نفسها فترمز إلي القديسة العذراء مريم, التي حملت في داخلها الناسوت متحدا باللاهوت.. ولذلك نلقبها في تسابيح كيهك بأنها شورية هارون..
وكما ترمز النار إلي اللاهوت, هكذا ترمز إليه أيضا في السرج المتقدة.
أمر الرب بصنع السرج جمع سراج في خيمة الاجتماع. وكانت سبعة, ومن ذهب نقي (خر37:23). وقال الرب لموسي: وأنت تأمر بني إسرائيل أن يقدموا إليك زيت زيتون مرضوض نقيا للضوء لإصعاد السرج دائما في خيمة الاجتماع.. (خر27:20).. فإلي أي شئ يرمز كل هذا؟
الزيت الذي في السرج يرمز إلي الروح القدس, ولكن لابد أن يكون لهذا الزيت عمل وفائدة للشعب.
الفائدة التي يجنيها الشعب من زيت السرج هي الاستنارة, ولا تأتي إلا بالنار, بإيقاد السرج.
ففي السرج إذن يوجد رمزان للروح القدس, وهما الزيت والنار, يعملان معا لإنارة الشعب المؤمن, الذي يعبد الله في خيمة الاجتماع.. وجميل أنه قيل عن هذه السرج: يرتبها هرون وبنوه من المساء إلي الصباح أمام الرب, فريضة دهرية في أجيالهم (خر27:21).
أي أنه عمل للروح القدس عن طريق الكهنوت.
وهذه الاستنارة التي ينالها المؤمنون بواسطة الروح القدس, ذكرها القديس بولس الرسول بقوله: لأن الذين استنيروا مرة واحدة, وذاقوا الموهبة السماوية, وصاروا شركاء الروح القدس.. (عب6:4).
هذه الاستنارة ننالها من الروح القدس مرة في المعمودية حينما يجدد طبيعتنا (رو6:4). لهذا قيل إنه يعمدنا بالروح القدس والنار (لو3:16). وهذه النار تخلصنا من الإنسان العتيق وجسد الخطية (رو6:6).
والاستنارة أيضا ننالها مرارا عديدة عن طريق التعليم, بتجديد أذهاننا (رو12:2), وهكذا قيل في ذلك: سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي (مز119), وسنعود إلي هذا المعني مرة أخري.
لذلك كله كان يأمر الرب أن تكن سرجنا موقدة.
لتكن أحقاؤكم ممنطقة, وسرجكم موقدة, وأنتم مثل أناس ينتظرون سيدهم متي يأتي (لو12:35, 36). ولا يمكن أن تكون سرجنا موقدة إلا بعمل النار والزيت فيها, أي بعمل الروح القدس.. ولابد أن يستمر هذا العمل فينا, ما دمنا مستعدين لمجئ الرب..
وكون السرج سبعة يرمز إلي كمال عمل الروح القدس في إنارتنا.
وكما كانت السرج دائمة الاتقاد في خيمة الاجتماع, هكذا كانت أيضا في هيكل سليمان, وقيل في ذلك: وعمل سليمان كل الآنية التي لبيت الله.. والمنائر وسرجها, لتتقد حسب المرسوم أمام المحراب, من ذهب خالص (2أي4:19, 20).
وكونها من ذهب خالص, يرمز إلي قيمتها العظيمة, وقيمة عملها أمام الرب وأهميته.
رمز عمل الروح القدس في السرج, أي عمل الزيت والنار, يذكرنا أيضا بالشموع في الكنائس.
هي أيضا من زيت, وتتقد بالنار, وتفيد في الإنارة.. وحينما توضع أمام أيقونة قديس إنما ترمز إلي أن هذا القديس كان نورا.. بعمل الروح القدس فيه, بالزيت والنار..
ومادمنا في مجال الحديث عن الإنارة بالروح القدس, أي بالنار, لابد أن نذكر مثالا مهما وهو:
كان الرب وهو يقود الشعب في برية سيناء, إنما يقودهم ليلا بعمود النار. وهكذا قيل في سفر الخروج: وكان الرب يسير أمامهم نهارا عمود سحاب ليهديهم في الطريق, وليلا في عمود نار, ليضئ لهم.. (خر13:21).. لاحظ هنا قوله عن عمود النار إن الرب كان يسير أمامهم..
واستمرت هذه القيادة الإلهية, فقيل: لم يبرح عمود السحاب نهارا وعمود النار ليلا من أمام الشعب (خر13:22). أنقول إذن إنه كان يقودهم بروحه القدوس؟ إنه لكذلك.. ويتكرر ظهور الرب مرة أخري في عمود النار في قصة الخروج, فيقول الكتاب: إن الرب أشرف علي عسكر المصريين في عمود النار والسحاب.. (خر14:24).