قبل أحداث الصلب والقيامة يذكر البشيرون الثلاثة متى (مت٦١)
ومرقس (مر٨) ولوقا (لو٩) سؤالاً اهتم الرب يسوع أن يطرحه
على تلاميذه إذ سألهم: »من تقول الناس عنى أنا ابن الإنسان«
(مر٨:١٣). ولم يكن الرب يسأل لكى يعرف مدى شعبيته أو
كرامته، لكن لأنه كان مهتماً أن يعلن حقيقة شخصه قبل دخوله فى
أحداث الصليب، ويتأكد أن تلاميذه يعرفون جيداً أنه هو الإله
المتجسد وذلك كما أجاب معلمنا بطرس: »أنت هو المسيح ابن الله
الحى«، مؤكداً لاهوته كابن لله، الآتى من أجل خلاص البشرية،
لكى يعلم الجميع أنه هو الإله صانع خلاصهم.
وهنا نقف عند عدة تعبيرات وردت فى الآيات (مر٨).
١- ابن الله:
كلمة ابن الله فى الإيمان المسيحى لا تعنى أن الله تزوج أو لزمه
الدخول فى علاقة جسدية لكى ينجب ابناً هو المسيح، حاشا، فالله
روح والروح لا يدخل فى علاقات جسدية، لكننا نعنى بكلمة »ابن
الله« أى من ذات روحه وجوهره وطبيعته، وهى تعنى أن أقنوم
الابن مساو لأقنوم الآب فى الجوهر، وتعبر عن الطبيعة الواحدة
للأقنومين، فكمسيحيين نؤمن بإله واحد مثلث الأقانيم (أى إله واحد
كائن بذاته »أقنوم الآب« ناطق بكلمته »أقنوم الابن« حى
بروحه »أقنوم الروح القدس«، والثلاثة إله واحد.
كما نؤمن أن الابن مع أنه مساو للآب فى الجوهر، هو أيضاً كائن مع
الآب منذ الأزل. ولكن كيف يكون المسيح كائناً منذ الأزل وهو قد ظهر
مولوداً من العذراء فى تاريخ زمنى؟ هنا نفهم أننا نؤمن بميلادين
للسيد المسيح أحدهما من الله الآب قبل كل الدهور حسب الجسد بدون أم،
والثانى فى ملء الزمان حسب الجسد من العذراء بدون أب، ظاهراً
فى شكل إنسان متخذاً لنفسه جسداً لكى به يفدى الإنسان من حكم
الموت، عندما يموت بدلاً من الإنسان.
لذلك كان الرب يسوع بسؤاله هذا يصرح أنه وهو ماض إلى الصليب فإنه
ليس إنساناً عادياً بل هو الله الذى جاء فى الجسد من أجل خلاص
العالم.
٢- أنت هو المسيح ابن الله:
هذه الكلمات تؤكد حقيقة إتيان الله فى الجسد إلى العالم من أجل خلاص
البشرية، ولكن لماذا يأتى الله بذاته؟ لماذا لم يرسل مخلص يخلص
البشرية؟ وهذا هو الأمر الذى يميز المسيحية عن كل الديانات الأخرى،
ففى كل الديانات الأخرى الله يخلص من خلال البشر إذ يرسل نبياً
إلى الناس، أما المسيحية فوحدها تتميز أن الإله فيها إله مخلص،
وهو يخلص بذاته وليس من خلال وسيط.
ولماذا كان لزاماً أن يأتى الله ليخلص بذاته؟
❊ لأن خطية الإنسان ومخالفته لله فى جنة عدن كانت خطية موجهة ضد
الله غير المحدود لذلك فهى خطية غير محدودة، والفداء منها لابد
أن يكون من خلال من هو غير محدود، وهذا هو الله وحده غير
المحدود.
❊ لأن المخلص لابد أن يكون غير محتاج للخلاص، ولم يوجد فى
البشر من هو غير محتاج للخلاص. فالجميع كانوا تحت الخطية والحكم
»ليس بار ليس ولا واحد«، حتى السيدة العذراء نفسها ولدت بخطية
آدم الإنسان الأول، لذلك كانت هى الأخرى بحاجة لمخلص، ولذلك
تكلمت فى تسبحتها أيضاً »تبتهج روحى بالله مخلصى«
(لو١)، ولم يبق سوى الله وحده هو الذى بلا خطية.
❊ لابد أن من يخلص يكون قادراً على الخلق (ليكون له سلطان
على ذاته) يستطيع أن يقدم ذاته بإرادته، كما قال الرب
يسوع: »لى سلطان أن أضعها ولى سلطان أن آخذها«، وحتى
يستطيع أيضاً أن يستعيد الحياة فلا يهزم من الموت، كما فعل
الرب يسوع.
وهذه الشروط الثلاثة لشخص المخلص، لم يكن ممكناً أن تتوفر فى إنسان
عادى، بل فى الله وحده، لذلك قبل الرب أن يتخذ له جسداً لكى
يتم فيه حكم الموت -لأن الروح لا يموت- الذى جاء لكى يحمله عن
الإنسان ليفديه.
٣- أنت بطرس وعلى هذه الصخرة ابنى كنيستى:
هذه كانت كلمات الرب يسوع لبطرس بعد أن أعلن إيمانه »إنك المسيح ابن
الله الحى«، وهذه الكلمات لم تكن تعنى أن الرب يسوع كان يبنى
كنيسته على شخص معلمنا بطرس، فالإيمان لا يبنى على أشخاص بل
يبنى على عقائد، فكان الرب يسوع يقصد أنه على هذا الإيمان
(الإيمان بأن شخص يسوع هو شخص الله الكلمة المتجسد) سيبنى الرب
كنيسته.
وهذا الإيمان لا يمكن لإنسان أن يتفهمه أو يقبله أحد إلا بالروح
القدس، كما تقول كلمات الوحى الإلهى فى الكتاب المقدس »لا يستطيع
أحد أن يقول إن المسيح رب إلا بالروح القدس«.
هذا هو إيماننا الذى أراد الرب يسوع أن يتأكد منه أنه ظاهر فى قلوب
تلاميذه قبل أن يجتاز آلام الصليب من أجل خلاصنا.. وهو قد صنع كل هذا
من أجل محبته للإنسان وشوقه لخلاصه من عبودية إبليس. يبقى أن نسأل
أنفسنا، إن كان الرب قد صنع كل هذا من أجلنا، فماذا نحن صانعون من
أجله؟ إنها دعوة لحفظ وصاياه، ومحبته من كل القلب، والشوق للقرب
منه بكل طرق العبادة والخدمة ومحبة إخوته الأصاغر، فهذه جميعاً هى
الطريق إلى السماء، لكن نكون مع الرب كل حين.