3- وقد فرق الكتاب بين الإيمان النظري, والإيمان العملي.
فالإيمان بوعود الله, هو الإيقان بأمور لا تري.
والإيمان بالنعيم الأبدي, وعشرة الله والملائكة, هو أيضا من الأمور التي لا تري لعلها التي قصدها الرسول, بقوله: ونحن غير ناظرين إلي الأشياء التي تري, بل إلي التي لا تري, لأن التي تري وقتية. أما التي لا تري فأبدية (2كو4:18).
إذن كلمة إيمان, لا تعني مجرد أن يقول إنسان آمنت, إنما تشمل كل الأمور العقائدية والروحية جميعا.
4- من هنا تحدث الكتاب عن الإيمان الحقيقي, الذي هو:
الإيمان العامل بالمحبة (غل5:6).
وهذا الإيمان يشمل الحياة الروحية كلها, لأن كل ما في الناموس والأنبياء يتعلق بهذه الوصية المحبة حسبما قال الرب (مت22:37-40).
النور:
1- المعني الأول للنور, هو النور المادي.
هذا النور الذي خلقه الله في اليوم الأول: قال الله ليكن نور, فكان نور.. وفصل الله بين النور والظلمة (تك1:3, 4).
2- تؤخذ كلمة النور أيضا بمعني روحي.
فتنسب مثلا إلي كلمة الله وإلي وصايا الله, مثل قول المزمور: سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي (مز119:105) أو كما ورد في الأمثال: الوصية مصباح, والشريعة نور (أم6:23).
ومن هذا المعني يؤخذ تعبير الإنارة والاستنارة كقول المزمور: وصية الرب مضيئة تنير العينين من بعد (مز19).
3- وتطلق كلمة النور علي الإنسان نفسه إن كان مصدرا للنمو الروحي.
كما قال السيد المسيح في العظة علي الجبل: أنتم نور العالم, فليضئ نوركم هكذا قدام الناس, لكي يروا أعمالكم الحسنة, فيمجدوا أباكم الذي في السموات (مت5:14, 16).
4- وقيل شبه المعني عن الملائكة القديسين.
ففي الحديث عن الشيطان وخداعه قيل عنه إنه يغير شكله إلي شبه ملاك نور (2كو11:14).
5- علي أن المعني الأصيل للنور قيل عن الله نفسه.
ورد في رسالة يوحنا الأولي: الله نور, ليس فيه ظلمة البتة (1يو1:5). وقال داود في المزمور: الرب نوري وخلاصي ممن أخاف (مز27:1). وقال السيد المسيح: أنا هو نور العالم من يتبعني لا يمشي في الظلمة (يو8:12). وقال لتلاميذه عن نفسه: النور معكم زمانا قليلا بعد فسيروا مادام لكم النور, لئلا يدرككم الظلام (يو12:35). وقال لهم أيضا: مادام لكم النور, آمنوا لتصيروا أبناء النور (يو12:36).
ومن هنا كان معني أبناء النور, أبناء الله (لو16:18) أو الذين دعوا أبناء الله.. ولكن يميز الرب عن البشر الذين دعاهم أيضا نورا قيل عنه إنه النور الحقيقي, وهكذا قيل عن القديس يوحنا المعمدان هذا جاء للشهادة ليشهد للنور, لكي يؤمن الكل بواسطته, لم يكن هو النور, بل ليشهد للنور. كان النور الحقيقي (أي المسيح) آتيا إلي العالم كان في العالم, والعالم به كون, ولم يعرفه العالم (يو1:10-7).
6- وكلمة نور تطلق أيضا علي العلانية:
وهكذا قيل في الإنجيل: كل ما قلتموه في الظلمة (أي في الخفاء) يسمع في النور, وما كلمتكم به الأذن في المخادع, ينادي به فوق السطوح (لو12:3). وقال الرب أيضا لتلاميذه بنفس المعني: الذي أقوله لكم في الظلمة, قولوه في النور, والذي تسمعونه في الأذن, نادوا به فوق السطوح (مت10:27).
وقال أيضا: كل من يعمل السيئات يبغض النور (أي العلانية والانكشاف) لئلا توبخ أعماله. وأما من يفعل الحق, فيقبل إلي النور, لكي تظهر أعماله إنها بالله معمولة (يو3:20, 21).
الكمال:
1- طبعا صفة الكمال هي لله وحده.
وهكذا قال السيد المسيح: كونوا كاملين, كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل (مت5:48), فماذا نفهم من عبارة كونوا كاملين.
2- هناك كمال نسبي يمكن أن يتصف به الإنسان:
نسبة إلي ما يستطيع أن يصل إليه, ونسبة إلي مقدار النعمة التي نالها من الله. وهكذا قيل: كان نوح رجلا بارا كاملا (تك6:9). وقيل عن أيوب الصديق بشهادة الرب إنه كامل ومستقيم, يتقي الله ويحيد عن الشر (أي1:8), (أي2:3).
وقيل عن أبينا يعقوب -بالمقارنة بأخيه عيسو- وكان يعقوب إنسانا كاملا يسكن الخيام (تك25:27). وقال الله لأبينا إبراهيم: سر أمامي وكن كاملا (تك17:1).
3- والكمال قيل أيضا عن الأمور إذا وصلت إلي تمامها:
فقال السيد المسيح وهو علي الصليب عن عمل الفداء: قد أكمل (يو19:30). وقال عن خدمته لله الآب: العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته (يو17:4). وقال القديس يوحنا الرسول عن المحبة إذا وصلت إلي تمامها المحبة الكاملة تطرح الخوف إلي خارج (1يو4:18). وقال القديس بولس الرسول في الحروب الروحية: ألبسوا سلاح الله الكامل (أف6:11).
إن العمل التام يدعي كاملا لذلك قال الرب في رسالته إلي ملاك كنيسة ساردس: لم أجد أعمالك كاملة أمام الله (رؤ3:2). وقال القديس يعقوب الرسول عن تمام الإيمان: بالأعمال أكمل الإيمان (يع2:22).