كل فردٍ منّا عندما يَشغلُ منصباً مهما كان صغيراً أو كبيراً، يريد أن يُغيّر العالم كله، أو مَنْ يرى الشر يزداد في العالم، يزعم بأنه سيُبَدّله إلى خيرٍ بكل سهولة ويتشاكى ويشكو من كل ما هو حوله هنا. نجد الحل في صلاةٍ بسيطة من القرن السادس عشر رددها شخصٌفرنسي مجهول : “يارب، أعطني القوة لأقبل الأشياء التي من المستحيل تغييرها، وأعطني الشجاعة لتغيير الأشياء الممكن تغييرها ومن الضروري عملها، وأخيراً أعطني الحكمة للتمييز بين الواحدة والأخرى”. نستطيع هنا أن نركّز على أربعة أفعالٍ هامة ورئيسية لأنها محور هذه الصلاة:
1- الفعل الأول “يُغيّر“: هو فنٌ في غاية الصعوبة والذي يهدف إلى تبديل الأشخاص والحالات والأشياء، كما يحدث تماماً في النمو البشري عندما يكبر ويترعرع الطفل ويمر بمراحل تغيير متنوّعة ومن الممكن أن تظل فيه أشياء أخرى ثابتة. وأمام فن التغيير نجد نوعين: الأول ينتمي إلى أشخاصٍ جامدة لا تقبل التغيير أو النمو بتاتاً، والنوع الثاني هو على النقيض من هذا ونجده في أشخاصٍ يريدون التغيير الجذري والشامل دون الأخذ في الاعتبار بمراحل النمو والتغيير التدريجي والأساسي. نجد هذا في بعض المسؤولين الذين يتوَلّون منصباً جديداً ويسرعون في تغيير كل شيء في المؤسسة التي تخضع تحت سلطانهم دون إجراء الدراسة الكافية للأفراد والمكان والحالة حتى يستفيدوا من خبرتهم وحكمتهم.
2- الفعل الثاني “يقبل“: ليس المقصود به البلادة واللامبالاة أو القبول السلبي للحالة التي نحن بصددها ويَنُمْ عن الكسل والأنانية ، ولكن المقصود بهذا هو أن نرضى بالواقع والمسؤولية التي تقع على كاهلنا بثباتٍ وصبر، دون أن نتهرّب من الواجب المفروض علينا.
3- الفعل الثالث “أعطني“: يتكرر ثلاث مرات في طلب الشخص من الله، ونستطيع أن ندعوه “فعل النعمة”. مَنْ يريد أن ينمو تدريجياً بصورة تلقائية ويُغَيّر ويقبل، عليه أن يطلبمن الله هذه النعمة أي القوة والشجاعة والحكمة.
4- الفعل الرابع “يميّز“: نصل إلى الفعل الأخير والذي يُعتبر مفتاح القيادة في مسيرة حياتنا. يجب أن نُميّز بين ما هو خير وما هو شر، ونميّز بين الحق والباطل، وبين العدل والظلم، وهذا هو أساس الأخلاقيات والآداب، كما طلب سليمان الحكيم من الله قائلاً: ” فَهَبْ عبدك قلباً فهيماً ليحكم شعبك ويُميّز بين الخير والشر، لأنه مَنْ يقدر أن يحكم شعبك هذا الكثير؟” (املوك 3: 9). وعلى صعيدٍ آخر، كثيراً ما يخطئ الأبوان في تربية أولادهما عندما يرغمونهما على الابتعاد عن السلوكيات السيئة واتباع طريق الخير فوراً ويحصلا بعد ذلك على نتيجة عكسية، لأنهما لم يضعا في الاعتبار احتياج الأبناء إلى النمو التدريجي ليستطيعوا أن يسلكوا طريق الخير متجنبين المساوئ والعادات الضارة، ثم يشعر الوالدان بالاحباط واليأس لعدم قدرتهما على تغيير أبنائهما. فما هو الحل ؟ أن يتخذ الوالدان طريق التمرين والتدريب الصبور والشاق متذكرين ماحدث معهما في الماضي بسبب أسلوب الارغام والقهر أو كبت الحرية وعدم احترام الارادة االشخصية. لذلك لا يستطيع أحدٌ أن يتخفّى وراء السلطة ليفعل ما يريد ويقلب الدنيا رأساً على عقب، لكن الإنسان الناضج يتأنّى ويصبر ويتبصّر قبل أن يخطو أي خطوة. فطريق الإيمان ذاته يتطلّب منّا النمو التدريجي وأسباب هذا الإيمان، وكما طلب القديس بطرس الرسول: “وكونوا أبداً مُستَعِدّين لأن ترُدُّوا على مَنْ يطلب منكم دليل ما أنتم عليه من الرجاء…” (ابط3 :15)، ويضيف أيضاً: “ولكن ليكُن ذلك بوداعةٍ ووقار”.
لذلك نستطيع أن ننمو ونبني عن طريق قبول الحالة التي وُجدنا فيها وتغييرها إن لزم الأمر ولكن بحكمةٍ وحب وليس بفرض سلطتنا وقوتنا وشخصيتنا.