ربما تفاجئك اللغة السينمائية الرائعة التي قدمها المؤلف والمخرج «وليد الحلفاوي» في “وش في وش” بأنها تكاد تقترب من السينما العالمية التي تدخلنا معها لعمق الأحداث بتصوير محترف ووتيرة سريعة دون ملل رغم ثبات المكان، وبسيناريو شيق ومدروس يعكس لغة وأنماط شرائح المجتمع، ويقدم كل ذلك بأسلوب كوميدي رائع.. نابع من الموقف وليس مجرد اسفاف هزلي بلا مضمون.
فهناك 12 شخصية يجمعهم حيز مكاني ضيق ليلة كاملة… يجسدون ثنائيات متباينة ومتشابكة.. تعرض قناعات وتركيبات مختلفة.. أبرزهم: شريف «محمد ممدوح»، و زوجته داليا «أمينة خليل»، وصديقتها المتحررة والتي لا تؤمن بالزواج، سلمى «أسماء جلال» وصديق الزوج وائل «محمد شاهين» الذي يحاول التقرب من سلمى، و نانا «أنوشكا» الزوجة المتغطرسة وزوجها المستسلم لسطوتها مهاب «سامى مغاورى».
Ø من أبرز ما يمكن الوقوف عنده بالفيلم:
** رتم الفيلم سريع ومشوق.. تنتقل فيه الكاميرا بسرعة مقصودة ما بين كل الشخصيات المتناقضة.. لتعكس واقع مجتمعي شديد التباين.
** قفل باب الشقة على جميع الشخصيات داخل البيت.. ليوحي على ما يبدو أنه دائما هو السبيل الوحيد لخلق الموآمات التي يمكن أن تفرضها ظروف التعايش على الجميع.
** امتداد المعارك الثنائية الكوميدية الممتعة بين كل الشخصيات.. إلى معركة طريفة أخرى بالفيديو عبر (الآي باد) بين محاميي الطرفين (لطفي لبيب وخالد الصاوي) … وطرافة ما يعنيه ذلك من سلاسة إمكانية توسيع الخلافات الزوجية من خلال الوسائل التكنولوجية أيضاً.. لمجرد أن زوجين لم يحتفظا بها لأنفسهما.
** من الجميل بالفيلم التنوّع الذي قدمه المخرج وليد الحلفاوي من خلال عرض مزدوج لكل من الزوجين لنفس الحدث، الذي سبب الخلاف بينهما… فترى نفس الشجار.. مرة من وجهة نظر شريف والأخرى من وجهة نظر داليا… فالكل يقدم الحقيقة من منظوره عندما يغضب.. وبالأكثر عندما يبيع!
** الشماتة وتشويه السمعة نتاج تفاوت الخلفيات الاجتماعية والفقر.. الذين يمثلهم الخادمة شيماء والسائق كحول (دنيا سامي ومحمود الليثي) … يعكس تراكيب نفسية مركبة يتغلغل فيها حقد طبقي ونفسي من الطبقة الأخرى… والحقيقة أن الخادمة “شيماء” أو الفنانة ( دينا سامي) تتمتع بكاريزما ، وموهبة تمثيلية متميزة وشديدة التلقائية .. وتضحك معها من قلبك بسلاسة بمجرد أن تفتح فمها بالحوار.
** سيجارة ملفوفة وقعدة مزاج ولعب جماعي على اتاري ولا اكس بوكس.. جعلوا شقيق الزوجة الشرس “أحمد خالد صالح”، وصديق الزوج البلطجي “خالد كمال”.. يتعايشوا بقناعة وبساطة.. كأنهم لم يتشاجروا بالأيدي قبل قليل.. كان كله صوت ونفخة صدر على الفاضي.. بجد طيبين المصريين في جوهرهم.. برافو وليد الحلفاوي أنه أبرز السمت الجميل هذا في المصريين!
** تميز كل الفنانين باحترافية في أدوارهم، وحتى الذين شاركوا للحظات.. مثل الظهور المميز وخفيف الظل، لمصطفى غريب فى دور الحداد، وعمر مصطفى متولي في دور الضابط.
** تميز سيناريو الفيلم بأنه محرك العمل كله وسر نجاحه.. خاصة بموازنته بين الحبكة الدرامية المتميزة ومساحة الكوميديا الذكية التي فيها، والذي كتبه المخرج وليد الحلفاوي، وشارك فى كتابة السيناريو حسين نيازي مع شادي الرملي ابن الكاتب القدير الراحل لينين الرملي، على حد علمي.
** استخدام المؤلف والمخرج لمفردات خلافات لغة الواقع الحقيقي الذي قد يعيشه أي زوجين، ومن ينتمون إليهما من عائلات وأصدقاء وحتى العاملين عندهم بالمقابل، دون لغو وحكي كثير …. نجح في إيصال كوميديا ذكية مضحكة من عمق القلب مستندة على مواقف نسجت بحرفية درامية عالية من التضاد بين لغة كل عالم منهم!
“وش في وش” بطولة محمد ممدوح، أمينة خليل، أحمد خالد صالح، محمد شاهين، خالد كمال، بيومي فؤاد، أنوشكا، أسماء جلال، محمد شاهين، محمود الليثي، سامي مغاوري، دنيا سامي، وسلوى محمد علي.
تحية لصناع وأبطال الفيلم، وخصوصا المؤلف والمخرج وليد الحلفاوي وتحية أخرى للمركز الكاثوليكي وعلى رأسه الأب بطرس دانيال، لعرضه فيلم وش في وش” يوم الثلاثاء 27 فبراير ضمن الأفلام المتميزة لمسابقة مهرجان المركز الكاثوليكي المصري للسينما بدورته الـ72 لهذا العام.