يكشف الموقف من رحيل شيمون بيريز طبيعة العقل العربي بجلاء على الأغلب طبعا هو لا يفهم التناقض الطبيعي ومن لا يفهم التناقض لا يفهم الغفران ..التناقض في كون شيمون بيريز كان عدوا للعرب وخاض حروبا ضد بلادي وضد العرب على كافة الجبهات وهو مؤسسي الدولة الصهيونية، تلك حقائق في الصراع العربي الصهيوني لاشك فيها والموقف الطبيعي من الدولة الصهيونية سياسيا يتفاوت مابين الرفض السياسي الشامل والقبول السياسي والاعتراف المشروط حتى أننا نستطيع القول أن اغلب المواقف الرسمية للدول العربية تتعامل مع إسرائيل كحقيقة سياسيه واقعيه حتى الفلسطينيين وهم أصحاب القضية الأصليين على اختلاف الفرقاء يتعاملون مع الواقع وينتظرون حلولا متفاوتة في الأمل والطموح
أما عن المواقف الدينية فهي جد متباعدة كثيرا فهي العداء الصريح المجرد ربما يبدأ عند العرب بالقبول الديني بالصلح المشروط مع عدو وينتهي حتمًا في الأسطورة الدينية لدى جميع الأطراف الخاصة بهر مجدون وملاحم نهاية الزمان وهى الحرب الدينية الأخيرة التي تشكل جوهر الوعي الديني لسائر الأطراف وتقيم جدارًا عازلا كبيرا بين الدولة العبرية والمحيط العربي الكبير في عمق الثقافة والتاريخ ما يجعل من نهاية العداء أسطوره في حد ذاته ..ربما لو أعدنا تقييم المواقف من الناحية السياسية وخاصة مع رحيل بيريز الذي كان رجلا من أباء الصهيونية وربما مهندسا سياسيا للمشروع النووي الإسرائيلي بالشراكة مع فرنسا
ولكنه أدرك إن هذا هو مشروع يوم القيامة وانه خط النهاية للاحتمالات الإنسانية للصراع كلها لو أعدنا تقييم الصراع من اللحظة التي عقد فيها السادات معاهدة كامب ديفيد لوجدنا إمكانيه سياسيه حقيقية للسلام على الأرض تجربه تمت بالفعل بين مصر والدوله الصهيونية نجحت في التحليل الأخير سياسيا نجاحا باهرا مصر الدولة وإسرائيل حافظوا لما يربو عن أربعين عاما على الاتفاق وانتهت الحرب رسميا ..ربما لا يحظى الاتفاق بالقبول الشعبي ربما اضر بنا الاتفاق من نواحي معينه ولكنه يعبر عن حقائق القوه والأوضاع الدولية مثله مثل أي اتفاق أيضًا ربما لم تنجح باقي الأطراف العربية في الاتفاق المماثل ..ربما حملنا التاريخ بعيدا جدا عن صياغة اتفاقات مماثله بين سوريا والفلسطينيين بالأساس ودولة إسرائيل ربما الصراع الآن رحل عن مرافئه الأولى تماما ودخلنا في طورا جديدا مع الانقسام المروع داخل العالم العربي الذي يهدد بدويلات طوائف وإثنيات عرقيه في مرجل الشرق الأوسط الكبير
وليس بمقدور أي سياسي أن يتغافل عن وقائع الحسابات على الأرض ولكن لاشك كان مشروع السادات للسلام إلى توافق حوله مع عتاة وأباء المشروع الصهيوني بيجين ورابين وشامير وبيريز يشكل حل سياسي كان من الممكن تطويره حل أدرك إمكانية أنسنة الصراع وتسييسه وفتح الأفق له في التجارة والزراعة والاقتصاد ..ربما حمل مشروع شيمون بيريز للشرق الأوسط الكبير بذور الفكرة السياسية والاقتصادية للتعاون الاقتصادي بديلا عن الحروب الطاحنة والدماء الغزيرة المتدفقة بلا نهاية
ولكننا ننظر إلى كل فكره كمؤامرة ولا نقول لأنفسنا مره واحده ربما ليست مؤامرة ..ليس لدى شك في إن شيمون بيريز كان عدوا للعرب وبطلا لدولته إسرائيل وارى هذا طبيعيا بالنسبة له ولبلاده أما عن موقفي فأنا أراه كعدو عاقل خير من صديق جاهل ..هذا العدو العاقل الذي احتاجه لأقف معه سيل دموي او سلاسل القتل ولأعقد معه اتفاقا عاقلا يوقف طواحين الأساطير لتهدأ قليلا ونرى ما يمكننا فعله بالنسبة لإنسانيتنا الذبيحة مجانيًا في هذه المنطقة من العالم
ربما كان بيريز مجرم حرب من وجهة نظر عربيه ولكن الحروب للأسف ليس فيها أبرياء الحرب ذاتها هي جريمة إنسانيه من الطراز الأول ولكننا نستطيع أن نتعدى المأساة عقل كعقل نيلسون مانديلا استطاع إن يؤسس لصلح مع من سجنه واستعبد قومه لقرون والعقل الياباني استطيع أن يعقد سلاما رائعا مع من قذفوه بالقنابل النووية
أما عندنا وربما عند المتطرفين اليهود تحتل فكرة تقديس الحرب وتأليه الصراع جانبا رئيسيا فى الواقع الذي نعيشه الآن بلا أي أمل إلا في معجزات القتل الجماعي وأحلامه وطموحاته التي تنفى الصراع مره واحده وللأبد ..أرانا نحن وربما أراهم هم أسرى إنسانيين بامتياز لفساد الفكرة والروح وضلال القلب كلنا جميعا أسرى بلا أي أمل في الخروج من سجن الثأر المقدس التاريخي العميق ربما تمثل قيمة عدو عاقل كشيمون بيريز تلك القيمة التي نفتقدها في واقعنا الشرق أوسطي العنيد قيمة أن نجد من رجال السياسة وهو خارج من جبال المأساة من تستطيع أن تتفاهم معه صحيح على أسس القوه والمصالح ولكن اقرب للإنسانية وبعيدا عن الدم المتقدس قبل أن تمتلئ الأرض بالمجانين من كل الأنواع ويغيب العقل ويصبح مستحيلا أن نرى بوضوح في الفوضى ربما اكره بيريز كعدو واقبله كسياسي واعزي فيه كدوله ولكن فى كل الأحوال استطيع أن أقول وداعا شيمون كنا نحتاج عدوا عاقلا جيدا مثلك للأمل في السلام في هذه المنطقة الدموية المجنونة من العالم.