لم يسمح الله أبداً بضعف فى حياتنا ليتسلل اليها اليأس و الفشل انما ليزداد الانسان ثباتاً و تعمقاً فى المحبة الالهية ليردد مع القديس بولس الرسول “لأن الله لم يعطنا روح الفشل بل روح القوة و المحبة و النصح” (2تى 1 : 7) وهذا هو موضوع تأملنا بنعمة الله من خلال شخصية واحد من ابطال العهد القديم اشتهر اسمه بل و سُّجِِل بين ابطال الايمان، وشتان بين نظرته هو لنفسه و شعوره بالضعف و الاحباط وبين نظرة السماء له و ما انجزه من مهام كبيرة و هو جدعون قاضى اسرائيل و مخلصه من المديانيين.
من خلال مقتطفات من حياته نتأمل كيف تكون النصرة على الاحباط و اليأس. فمن يعرف جدعون و يقرأ ما كتب عنه و عن انجازاته يظن انه يقرأ عن شخصية اسطورية فولاذية و من يقرأ ما قاله هو عن ضعفه يتعجب و كأن هذا الذى يتكلم عن نفسه شخص آخر غير هذا البطل الجسور. أسمعوه يقول فى يأس: “اذا كان الله معنا فلماذا اصابتنا كل هذه و أين كل عجائبه التى أخبرنا بها اباؤنا” (قض 6 :13) و فى شعور بصغر النفس يجيب الملاك و يقول “ها عشيرتى هى الذُلى فى منسى و انا الأصغر فى بيت ابى” و فى فقدان الثقة يطلب من الله دليل انه يخلص اسرائيل بيده لا مرة واحدة بل مرتين, فيطلب ان يكون الطل او الندى على كتلة الصوف المجزوز وحدها و جفاف على الارض من حولها و فى الليلة التالية يطلب العكس.
ما الذى كان يحتاجه هذا الانسان المحبط و كل انسان مثله يعتصره هذا الشعور المرير الذى يسد على الانسان كل نافذة نور أو بصيص أمل؟
أول ما كان يحتاج اليه جدعون هو التذكرة و التأكيد بأن الله موجود و أنه هو مصدر كل قوة و جاءت الرسالة الحلوة المعزية “الرب معك يا جبار البأس” وكم كانت هذه الجملة “الرب معك” نقلة بل قفزة فى حياة جدعون بل و بداية انطلاقة النجاح و التميز.
نحن فى احتياج ان نتذكر دائماً ان “ليس للرب مانع ان يخلص بالكثير أو بالقليل” (1صم 14 : 6) فما نعتبره نحن ضعف فى حياتنا يكون هو بحد ذاته فى فكر الله دعامة النجاح الاساسية, قال أحد الحكماء: [نطلب من الله قوة لكى نأتى عظائم الأمور فنعطى ضعفاً لكى نعمل أعظم منها.] ، وهذه الحقيقة قررها الوحى المقدس على لسان بولس الرسول قائلاً “بالأولى اعضاء الجسد التى تظهر أضعف هى ضرورية و الأعضاء القبيحة فينا لها جمال أفضل الله مزج الجسد معطياً الناقص كرامة أفضل” (1كو 12 : 22 )
لاحظوا هذا على مدى تاريخ معاملات الله مع البشر من العهد القديم و الجديد نجد و كأن الله يختار من هو ضعيف فى نقطة بذاتها ليعمل بها “أختار الله جهال العالم ليخزى الحكماء و اختار الله ضعفاء العالم ليخزى الاقوياء و اختار الله ادنياء العالم و المزدرى و غير الموجود ليبطل الموجود” (1كو 1 : 27) و السبب فى هذا كله واضح “ليكون فضل القوة لله لا منا” (2كو 4 : 7) “لكى لا يفتخر كل ذى جسد أمامه” (1كو 1 : 29)
لا تيأس من الضعف فلم يختر الله واحداً ممن ظنوا فى انفسهم المقدرة و كان لهم فى عيون المحيطين نظرات الاعجاب و الاستحسان، عندما يختار الله يختار الأصغر بين الأخوة، فمن كل أولاد يسى اختار داود الأصغر سناً والأضعف بنية و الأحقر عملاً كراعى غنم كما عيره اخوته “لأنك انما نزلت لكى ترى الحرب” (1صم 17 : 28 ) يعنى تتفرج على الابطال “على من تركت تلك الغنيمات القليلة فى البرية” و كذلك قال جدعون عن نفسه انه الاصغر بين اخوته و اختار الملاك الانبا بيشوى و هو ايضاً الأصغر بين اخوته.
و يختار الله جهال العالم امثال بطرس و يعقوب و يوحنا و اندراوس صيادى السمك ليفتنوا المسكونة ببشارة الملكوت و ليُخزى الحكماء بهؤلاء الصيادين البسطاء.
ويختار المزدرى ليطوبه مثل صاحبة الفلسين التى لا قيمة لها بجوار اصحاب العملات الذهبية.
قد تكون محقاً فيما تعتقده فى نفسك من ضعف و لكنك لن تكون على صواب لو اقنعت ذاتك ان هذه هى النهاية فليس المهم ما تمتلكه من قدرات بل ما يعمله الله فيك و بك “لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا و ان تعملوا من أجل المسرة” (فى 2 : 13)