اٌجريت دراسة لاحظوا فيها وجود مراحل ستة في حياة القائد المسيحي. كثير من المؤمنين لا يتعدون المرحلة الثالثة أو الرابعة، وأقلية نادرة تصل إلى المرحلة السادسة. دعنا ننظر لكل مرحلة وما يميزها.المرحلة الأولى فيها يتجاوب الشخص مع عمل الله فيتوب عن خطاياه ويختبر محبة الله الغافرة له على أساس موت المسيحالبديلي عنه على الصليب. هكذا يعيش في علاقة جديدة مع الله يشعر فيها بالبنوة والإنتماء لله.
هذا يأتي به إلى المرحلة الثانية حيث ينمو في علاقته بالرب ومعرفته للحق الكتابي حيث يمارسالصلاة من القلب ويدرس كلمة الله المقدسة وينهل منها لتغذية حياته الروحية وإعادة بناء منظومته الفكرية. يتعلم كذلك الطاعة لله فيعمل جاداً على تطبيق ما يتعلمه من كلمة الله في حياته وعلاقاته.
إذا عاش المؤمن هذه الدروس الأساسية يصل بصورة صحية إلى مرحلة الخدمة التي يهتم فيها بخدمة الرب والآخرين بمحبة وإخلاص. يتيه كثيرون في هذه المرحلة بسبب إهمالهم للعلاقة الشخصية مع الله إذ ينغمزون في الخدمة التي تزداد وتتسع مع الوقت. هذا المنزلق الخطير قد لا يشعرون به في بداية الأمر. لكنهم يجدوا أنفسهم بعد ذلك منهكين مستنزفين إذ أفرغوا طاقاتهم الروحية في الخدمة لسنوات دون الإهتمام بشحنها المستمر. يتوقف كثيرون عن التقدم للمراحل التالية إذ تصبح الخدمة محوراً لحياتهم بدلاً من الله.
أما الذين يحتفظون بعلاقة قوية وحميمة مع الرب بالتواجد الشخصي أمامه والدراسة المتأملة في كلمته ينسابون إلى مرحلة النضج حيث يدركون بعمق قيمة كل فرد في الجماعة وأهمية تفعيل قدرات ومواهب الآخرين مع العمل معاً في تناغم ووحدة. كلما إزداد إدراك الفرد لهذه الحقائق وسعى جاداً لتحقيقها كلما أدرك إحتياجه إلى تركيز خدمته في مجال مواهبه الأساسية.
يقوده هذا إلى مرحلة التلاحم حيث يركز خدمته في مجال دعوته الأساسية. هنا تلتقي المواهب الأولى مع الدعوة الأساسية في حياته فيصير له أكبر وأعمق أثر في خدمته.
المرحلة السادسة هي نتاج كل المراحل السابقة التي عبر فيها المؤمن وتعلم منها وتشكل بها. إنها محصلة خبرات حياته وخدمتهوما إكتنزته نفسه من حكمة الأيام. إنها ثمرة مسيرة عميقة مع الرب تشكل فيها على صورة المسيح. لذلك يسمونها مرحلة التوهج حيث يحمل الشخص في نفسه حضوراً إلهياً يستدفئ به الذين يتعاملون معه. إن تأثيره يتخطى حدود المكان حيث يتواجد،بل والزمان مع جيله ومعاصريه، إذ يشجع صيت سيرته آخرين ويتحداهم لحياة تليق بإنجيل المسيح.
عبر القس منيس هذه المراحل بإمتياز. كان السيد المسيح هو محور حياته، أحبه وعاش معه وله. أحب الكلمة المقدسة فدرسها وتأملها فكتب فيها الكثير من كتب الدراسة والتفسير. أطاع السيد وخدمه بجرأة رغم التهديدات الكثيرة التي وصلته بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. عرف أهمية الجماعة والكنيسة بقدرات ومواهب أعضائها المختلفة فلم يستأسر بالخدمة بل شجع وأطلق الجميع في مجالات مواهبهم ودعوتهم. عرف قدراته ودعوته فركز وقته ومجهوده فيهما فكان أداة تغيير لكثيرين. ترك تراثاً يٌحتزى،ومكتبة مسموعة ومرئية ومقروءة لأجيال قادمة.
أنهك المرض جسده في السنين الأخيرة لكنه كان يزداد توهجاً بالحضور الإلهي. قلت كلماته وضعف صوته، لكن نظراته كانت تعبر عن حب الله. كانت اللحظات معه تعطي لليوم دفئاً وللزمن معنى وللقلب إيمان. يالعجبي لقلب إحتوى الجميع دون تمييز أو محاباة، ستر العيوب وأوحى بالأمل والرجاء. كان أباً في حنوه وإهتمامه وحكمة أقواله. كان صديقاً، لم أشعر معه بفارق العمر أو الخبرة والمعرفة إذ فتح قلبه في بساطة لنتبادل الرأي والنصيحة. كان عملاقاً وديعاً كحمامة. نعم كان الخارج يفنى أما الداخل فكان يتجدد حسب صورة خالقه. وها قد حان الوقت ليخلع الجسد الفاني لكي يستوطن مع الرب الذي إمتلأت نفسه به. ترك عالمنا لكن تبقى ذكرى سيرته رائحة ذكية لحب السيد المسيح. نعم وإن مات يتكلم بعد.