يقول الوحي في الكتاب المقدس:
“أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لِنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً، لأَنَّ الْمَحَبَّةَ هِيَ مِنَ اللهِ، وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ وَيَعْرِفُ اللهَ. وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ.” (رسالة يوحنا الرسول الأولى 4: 7-8)
عرف الفلاسفة اليونانيون الحب أنه رغبة شديدة لشيء أو شخص يمكن أن يعطي الفرد متعة ولذة، أو إحساساً بالقيمة والمكانة والكرامة. إنه الرغبة في شيء أفتقده ليكمل نقصاً أو احتياجاً عندي. لذلك اعتقد الفلاسفة اليونانيون أن الله لا يصح أن يكون الحب واحداً من صفاته لأن الله كامل في ذاته لا ينقصه شيء ولا يحتاج لأمر. لكن الكتاب المقدس يعلن بوضوح أن الله محبة.
إن الحب ليس فقط أحد صفات الله بل الصفة وراء كل أعمال الله. نحتاج أن نلاحظ أن الوحي المقدس عندما يذكر أن الله محبة فهو لا يتكلم عن نفس مفهوم المحبة التي عرفها الفلاسفة اليونانيون، فبينما استخدم اليونانيون الكلمة اليونانية “إيروس” عن المحبة؛ استخدم الوحي المقدس كلمة يونانية أخرى وهي “أجابيه”.
إن “إيروس” هي محبة للنفس حيث يسعى الفرد فيها لإشباع احتياجات ورغبات وملذات عنده، أو لتأكيد أهميته وقيمته أمام آخرين. أما “أجابيه” فهي محبة تتجه للآخر لتحقق له الخير والأفضل مهما كانت التكلفة أو التضحية. لذلك نستطيع أن نؤكد أن المحبة “إيروس” ليست من صفات الله الكامل الذي لا ينقصه شيء، لكن الله محبة “أجابيه” حيث نجده في محبته يريد الخير للإنسان الذي خلقه على صورته ويعمل على تحقيق هذا.
يستطيع الإنسان أن يختبر خير الحب الإلهي عندما يتجاوب مع حب الله ويفتح قلبه لاستقبال هذا الحب، بإيمان وطاعةيتجاوبان مع مشيئة الله الصالحة المعلنة في كلمته المقدسة.
يحب كل إنسان بحسب طبيعته البشرية المحبة “إيروس”، لكن المحبة “أجابيه” لا يستطيع أن يمارسها إلا الذين يعرفون الله معرفة حقيقية اختبارية؛ غيرت حياتهم الأنانية إلى حياة قادرة على الحب المعطي للآخر والعاملة لخيره مهما كانت التكلفة. إن الله هو مصدر الحب “أجابيه” الذي لا يستطيع أن يمارسه إلا أولاد الله الذي وُلدوا ميلاداً روحياً منه وبذلك صار فيهم من الله القدرة على محبة الآخرين، محبة تطلب خيرهم وتسعى لتحقيقه بكل إخلاص وتضحية. المحبة “أجابيه” هي العلامة التي تميز وتظهر الذين يعرفون الله عن الذين لا يعرفونه حقاً؛ حيث يقول الكتاب المقدس بكل وضوح و”كُلُّ مَنْ يُحِبُّ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ وَيَعْرِفُ اللهَ. وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّة”.
اسأل نفسك بإخلاص هل تحب الآخرين حتى المختلفين عنك في المزاج أو الفكر أو العقيدة، هل تريد لهم الخير وتعمل فعلاً لتحقيقه؟ هل تدعم الحب والسلام بين الناس أم تسبب فرقة وخلاف؟ هل تفرح بنجاح الآخرين أم يثير فيك الغيرة المرة؟ هل تتمنى تفوقهم أم تحقد عليهم؟ يظن البعض أنهم يسيرون في طريق الرب ويعملون مشيئته، وهم في واقع الأمر لا يعرفون الله.
اختبر أعماقك بمقياس الحب لتكتشف حقيقة نفسك، هل حقاً تعرف الله أم لا تعرفه؛ على الرغم من ممارساتك الدينية الكثيرة، وغيرة قلبك التي ليست حسب المحبة.