ارادت القديسة مريم القبطية قبل توبتها ان تدخل كنيسة القيامة حاملة فى داخلها قلباً نجساً فعاتبها الرب على انحرافها بمنعها من دخول باب الكنيسة و فى نفس الوقت دبر لها الرب ان تقع عيناها على ايقونة لأمه الطاهرة داخل الكنيسة.. تأملها فى امنا العذراء ولَّد فيها شهوة حقيقية نحو الطهارة. شدها بريق طهارة العذراء بقوة إلى التوبة والعفة وكأنها سمعت صوت القديس امبروسيوس قائلاً: “ان حياة مريم العذراء هى مثال ينبغى ان تتمثلوا به فمنها يشرق بهاء العفة و مثال كل فضيلة كما من مرآه.”
فكم من فضائل تحلت بها القديسة الطاهرة مريم العذراء فهى مثال الهدوء و الوداعة، كما تحلت بالاتضاع والطاعة وعرف عنها الزهد و القناعة، وان تكن كل هذه الفضائل لازمة لمن تجسد منها ابن الله، فهناك ايضاً فضيلة يشع بهائها كلما جاء ذكر العذراء أو حتى تطلعنا الى ايقونتها، فضيلة التصقت بإسمها كلقب من القابها “العذراء الطاهرة مريم” فبرغم ما للاتضاع و الوداعة و التسليم و الزهد و باقى الفضائل من اهمية لكن لمعدن الطهر الذى فيها بريق و جاذبية خاصة كل من يتطلع اليها لا يسعه إلا تمجيد طهارتها.
و بالحق ان طهارة العذراء شىء فائق للعقل فإن كان اشعياء النبى لكى يكون مؤهلاً للنطق بكلمة الله طار واحد من السيرافيم و أخذ جمرة من على المذبح (مثال الأفخارستيا) ليتطهر قبل ان يحمل كلمة الله الى الشعب، فكم و كم تكون الطهارة التى حازتها العذراء لتكون اهلاً لحمل كلمة الله المتجسد. ان كانت الطهارة لازمة لاى احد لمجرد ان يرى الرب بحسب قول القديس بولس “الطهارة التى بدونها لن يرى احد الرب” (عب 12 : 14 ترجمة القطمارس) فأى درجة من الطهارة كانت لأمنا القديسة الطاهرة استحقت بها ان تكون أماً لابن الله، من بين آلاف بنات اسرائيل الطاهرات و على مدى اجيال كثيرة اختيرت هى دونهم كما نرنم فى لحن البركة: ايتها الحسنة فى النساء الطاهرات.
و نحن كلما نذكر الطهارة التى لأمنا العذراء يأتى صوت السماء يبكت قلوبنا “لو كنتم اولاد ابراهيم لكنتم تعملون اعمال ابراهيم” (يو 8 : 39) لو كنتم ابناء و بنات العذراء لكنتم تسلكون مسلكها الطاهر. ذلك الصوت الذى يبكتنا لا لنيأس بل ليشحذ فينا العزيمة و يجدد العهود ونسعى لاقتناء هذه الفضيلة التى تألقت فى امنا العذراء “فضيلة الطهارة”
قيل ان القديس موسى الاسود قوتل بالزنى فى احدى الليالى فذهب الى اب اعترافه مرات كثيرة فى نفس الليلة حتى خزيت الشياطين من جهاده ومثابرته وانصرفت عنه. و فى مرة أخرى حاول الانتصار بقوته الذاتية وحدها فلجأ الى النسك الزائد فنبهه ابوه الروحى الى ان الجهاد يحتاج الى نعمة الله و قال له: امض الى البيعة المقدسة و تناول من الاسرار الالهية. “فالنفس الشبعانة تدوس العسل وللنفس الجائعة كل مر حلو” (ام 27 : 7)
هناك عينات كثيرة فى الكتاب المقدس والتاريخ الكنسى ضربت مثلاً اعلى فى حياة الطهارة، واحد يقفز من الطاقة هرباً من الخطية و آخر يقضم لسانه و يبصقه فى وجه عدو الخير و ثالث يغرز المخراز فى عينه.. هؤلاء لم يكونوا من عجينة غير عجينة البشر بل كانوا تحت الآلام مثلنا يحاربهم الانسان العتيق ولكن ما يسندنا فى طريق جهادنا هو الشبع من الوسائط الروحية والمداومة على التوبة والاعتراف يعطى ارشاداً ويقوى العزيمة.
ايضاً ما يسندنا فى طريق جهادنا اليقظة لحيل عدو الخير والرفق بالخطاة وعدم الادانة و هو ما سنوضحه باستفاضة فى الاسبوع المقبل ان اراد الرب و عشنا.