من منا يضمن غده في هذا الوطن المفطورين علي حبه .. وفي حبه سقينا العذاب ملحمة وفصولا من عرض لم ينته بعد ؟ من منا يمكنه الجزم بأن المحتاجين شحاذون أم ضحايا لغياب العدالة الاجتماعية وشيوع العدم في أيادي لا تقبض إلا علي الخواء ؟ من منا لم تدمع عينيه مرة عاجزا أو لأمر لا يرغبه صار في حياته نافذا أو لعوز المقربين وتجمده غير قادر علي السداد .. محتارا في أمره فأما المعوزين أو أهل بيته . فراضيا يختار أهله ولا مفر .. فللمعوزين رب يفتح الكوة ويعطي بلا حساب .. نحن نطلب في المساء والله يطل في الصباح مشرقا بشمس العطاء عبر رواد هنا مكانهم وصندوق ذخيرتهم من المحبة الصادقة الباذلة .. التي لمسناها في التعاطف مع حالة جومانا .. لكن لم تكن قصة جومانا التي نشرنا عنها العدد الماضي هي الوحيدة التي تعاني جراء الإهمال في المستشفيات الحكومية ومشافي التأمين الصحي .. ولكن الأغلبية الصابرة حقا هي أغلبية لكن هل ستظل صابرة ؟ هذا هوالسؤال الذي أخشي الإجابة عليه بعد ما واجهتني حالة من أقسي الحالات التي مرت علينا .. فمنذ أكثر من شهر ترقد سيدة عجوز تبلغ من العمر 65 عاما .. في مستشفي المطرية التعليمي بقسم العظام .. علي أثر سقوطها أثناء السير .. أصيب بكسر في الفخذ ويلزمها تركيب شريحة ومسامير وجراحة تعيد إليها الحركة مرة أخري .. لكن كيف تتم الجراحة وهي راقدة بمستشفي حكومي مكدس بأجساد المرضي .. لا يعلم طاقم العاملين فيه عن الإنسانية أقل معاييرها أهملوها وبعد أن قرروا لها جراحة علي نفقة الدولة أعادوها لعنبر المرضي وتركوها بلا أسباب واضحة تنهشها قرح الفراش يأكل جسدها العجز .. شهر كامل ولا مجيب .. شهر كامل والعجوز صامدة مرت عليها نوبة الحر ورأت بعينيها المرضي يموتون ..كانت تتصل بي تبكي تخشي الموت كمدا من الإهمال والأجواء والعجز والحزن مجتمعين.
إنها الست سعاد .. امرأة مجروحة في وفاة ابنها الوحيد ..وحيدة ليس لديها عائل لا معيل .. عاش ولدها أندريا كامل عزت ملحمة من العذاب .. فبعد أن تزوج اكشتف أن زوجته مصابة بمرض عقلي ..لكن جاء ذلك متأخرآ بعد أن حملت في أحشائها جنينا لا ذنب له .. وأنجبت لكنها لم تواصل الصمود أمام مرضها فأودعتها أسرتها مستشفي الأمراض العقلية .. وصار أندريا أبا وأما لأبانوب ابنه الوحيد ..
كان أندريا يعمل أمين شرطة بالمرور .. لكن الأقدار تجمع المصائب فوق أكتاف الصابرين إذ تم فصله تعسفا وبررت الجهة الإدارية أن الفصل بسبب الغياب .. بينما الحقيقة التي كان حكم المحكمة عنوانا لها أن أحد الضباط عمل علي إصدار قرار لإنهاء خدمة أندريا لخلاف شخصي معه .. فقام أندريا برفع دعوي وتم الحكم فيها لصالحه بإعادته للعمل مرة أخري .. إلا أن أحبال العدالة طويلة طويلة وأحبال الحياة هشة تذوب بفعل قهر الزمان .. إذ طالت المدة بين صدور قرار إعادة تعيينه وإجراءات تنفيذه ولم يكن أندريا متمسكا بالحياة فوافته المنية وترك والدته وولده الوحيد أبانوب وحيدين.
لم تقو السيدة علي تحمل مسئولية الصغير فتحملتها جدته لوالدته المصابة بمرض عقلي .. وصار أبانوب ابن أندريا يتيم الأبوين , فالوالد غائب بفعل الموت والوالدة غائبة بفعل غياب العقل .. صغيرا يواجه الحياة بلا سند وجدة صارت عاجزة أهلكها الطواف علي الكنائس لنوال البركة من هنا وهناك .. فيصفونها أنها تمتهن الطواف للشحاذة ولا ينظرون إلي حاجتها النفسية والمادية .. فحتي وأن منحتها كل كنيسة 50 أو 100 جنيه ماذا تفعل لها ؟ من أين لها بالإيجار والدواء والمأكل والنور والمياه والغاز .. فليجبني أحدكم .. من منكم يمكنه أن يحيا ب 300جنيه شهريا أو حتي 500 .. إن كان ولابد فعليه أن يتحول للشحاذة مثلما دفنت سعاد كرامتها وحزنها علي ولدها وعجزها في إعالة حفيدها وحرمانها منه .. وتحولت للطواف تمد يديها ربما تتمكن من سداد الجوع وتناول الدواء .. تشحذ وهي تستحق لمعاش ولدها وحصلت علي حكم من محكمة الأسرة بذلك صدر بتاريخ 27 ديسمبر 2014 تحت رقم 700 لسن 2014 وراثات .. بينما تصم الحكومة أذنيها عن صراخ سعاد وأبانوب .. أخشي أن تتحول صراخاتها إلي نار تأكل قلوب الظالمين فنظرة يا حكومة لأسرة أندريا.