– الإفطار علي الخبز اليابس أثناء حصار الجيش الثالث
جاء شهر رمضان الكريم هذا العام .. بعد أن شهدت مصر أعظم حدث أذهل العالم أجمع, وهي الثورة الشعبية العظيمة في 30 يونيو . وكلل نجاح هذه الثورة بمساندة الجيش المصري إلي جانب الإرادة الشعبية وتحقيق مطالبها بعزل الرئيس مرسي. في مثل هذا الشهر أيضا تحقق لمصر انتصارها العظيم في حرب العزة والكرامة في العاشر من رمضان الموافق السادس من أكتوبر 1973 . نجح رجال قواتنا البواسل في عبور أصعب مانع مائي في العالم وحطمت خط بارليف في 18 ساعة, وهو رقم قياسي لم تحققه أية عملية عبور في تاريخ البشريةوبأقل خسائر ممكنة لاسترداد أرضنا المصرية سيناء.
لنسترجع مع أبطالنا ذكرياتهم شهر رمضان المبارك في 6 أكتوبر عام 1973 في ميدان القتال.
قالت الباحثة العسكرية أميرة فكري : يحضرني موقف رواه لي اللواء أركان حرب حسن الجريدلي سكرتير عام وزارة الدفاع , اجتمع الرئيس السادات في غرفة العمليات مع القادة للاستعداد للحرب وكان الرئيس السادات قد حصل علي فتوي يجوزالإفطار للمقاتلين حتي لا يكون القتال مشق عليهم , وفي الساعة الثانية ظهرا طلب منهم الإفطار فاستسمحوه باستمرار صيامهم, وأضطر الرئيس السادات بأن يتظاهر بالإفطار وشرب رشفة شاي أخضر مع البايب لتشجيعهم علي الإفطار , ولكن الجميع أصروا واستمروا علي صيامهم, وشاركهم في ذلك معظم الجنود والضباط المسلمين منهم , والمسيحيين أيضا, وانشغل الرئيس والقادة في غرفة العلميات إلي أن نظروا إلي الساعة وجدوها الساعة العاشرة وهم بدون إفطار فقالت لهم اتفضلوا افطروا.
أما عن أبطال النسور الجوية حدثنا اللواء طيار سمير عزيز ميخائيل : كنت وقتها قائد ثاني سرب مقاتلات في مطار المنصورة, وكانت وظيفتي الأساسية قائد تشكيل مقاتلات رباعي للدفاع عن الطائرات المصرية التي مهمتها ضرب جميع الأهداف في سيناء, من الإسماعيلية إلي بورسعيد, وفي السادس من أكتوبر جاءت الأوامر العاشرة صباحا بالضرب الساعة الثانية, وكان الطيارون صائمون في رمضان, وقد جاءت الأوامر بالإفطار . وأكد اللواء أحمد نصر بأهمية الإفطار قبل الإقلاع وذلك للمجهود وتكرار الطلعات الجوية بعد الضربة الأولي. من المعروف أن الأوامر العسكرية يجب أن تنفذ, هنا طلب الضباط من القادة استمرار صيامهم فوافقوا لهم لكن بعد الكشف الطبي الدوري يوميا والاطمئنان علي الضغط والنبض وقوة تحمل الطيار الإقلاع صائما, وتكررت الطلعات والطيارون صائمون, وكانت آخر طلعة لنا مع آخر ضوء, وتم الإفطار بعدها, والتزامنا بمواعيد النوم والاستيقاظ مع أول ضوء قد يكون من الساعة الخامسة صباحا حتي الساعة السادسة إلا ربع صباحا بالتالي لا يتم السحور.
جيشنا المصري دائما ملتحم ومتماسك ويتضح هذا في بعض المواقف مع أصحاب الأسماء المتشابهة.. فلم نكن نعرف ديانة بعضنا البعض سوي عند الاستشهاد ومعرفة مكان تأدية واجب العزاء سواء كان الجامع أو الكنيسة.. كما يحضرني تعامل قادتي معي ففي بداية تخرجي من كلية الطيران كنت ملازم بنجمة ذهبت إلي وحدة تدريب المقاتلات وكان قائد الوحدة العقيد محمد نبية المسيري وكنت أنا المسيحي الوحيد في دفعتي فكان يحبني بشدة وكان يناديني باسم جدي ميخائيل.
وعن هذه الروح الطيبة تؤكد العميد ليلي عبد المولي خدمات طبية: كنا نعمل فترتين وانعدم الإحساس بالجوع , أما عملنا ومسئوليتنا .. في علاج الجرحي وكنا نأكل أثناء عملنا وأتذكر بكل حب الضابطة مريم عبد المسيح , وكانت في وقت راحتها تقوم بتجهيز الطعام لنا سواء علي الإفطار أو السحور.
عند الشدة يتحد أطياف الشعب المصري الأصيل ويصبحوا أيد واحدة ضد العدو.. هذا اتضح بشدة أثناء حصار الجيش الثالث ومدينة السويس في 23 من أكتوبر وصمدت وحدات الجيش الثالث وأصبح التموين يمر في أضيق الحدود من اليد إلي الفم وليس لديه أي احتياطي منذ التعينيات أو الاحتياجات ففرض الكثير من القيود علي 45 ألف رجل ومدينة كاملة لم يكن بالأمل الهين.
يملك المقاتلون ذكريات خاصة لهم عن هذا الحصار وشهر رمضان وقال بحماسة الجندي المقاتل المحارب أبو العلا السعيد العدوي كان تعيين الفرد الواحد يقسم علي ستة أفراد وجاءت أيام لم نجد هذا الطعام فكنا نذهب إلي خليج السويس لاصطياد الأسماك الكبيرة ويتم طهيها , وفي عدة مرات كنا ننزل مواقع مدينة السويس نبحث عن الطعام ونجمع العيش القديم اليابس لنأكله, وطعمه بعد النصر في فمنا كان كالشهد, وكان هذا الوضع علي جميع الرتب والمستويات . ومرات كنا نسطو علي الدبابات الإسرائيلية ونحضرها إلي مواقعنا وكنا نجد فيها كثير من الطعام.. أما عند المياه فكنا نذهب إلي السويس لإحضار مياه مخزنة وراكدة بمصانع السويس وكنا نشربها , إما عند العيد أول مرة نصلي واحنا لابسين الأحذية, وكان شيء غريب علينا.
حدثنا اللواء أركان حرب فؤاد فيوض قائلا: في حرب السادس من أكتوبر العظيم كنت ملازم أول في سلاح الميكانيكية في الجيش الثاني. وكان شعارنا الله وأكبر إما النصر أو الشهادة, ومعظم الجنود رفضوا الإفطار حتي يكون الاستشهاد وهما صائمون . وكانت المعركة الأساسية لي في واحة المنايف أمام قرية نعيمة أبو عطوة علي المدخل الجنوبي لمدينة الإسماعيلية وحدثت هناك معركة الثغرة, وهنا أتذكر حادث طريف فقد حوصرت لمدة 48 ساعة أثناء عملية الاستكشاف في حديقة برتقال تقع في منطقة الجناين بالإسماعيلية بسبب قنابل البلي وكنت أفطر وأتسحر علي البرتقال أبو سرة.
إما عند ذكريات شهر رمضان علي جبهة القتال المصرية لم تنته.. ولأن الوطن واحد دائما يلتحم الشعب المصري بمسلميه وأقباطه للدفاع عنه.