الياميش والمكسرات
جبت لنا معاك الخير كله
م الصبح نقوم ونحضرله
بالقمر الدين وبلح على تين
م المغرب للمدفع واقفين
اهو جه ياولاد
لا تخلو مائدة صائم رمضان لحظة ضرب مدفع الإفطار من الياميش والمكسرات حتى أصبح عادة عند المصريين في هذا الشهر المبارك.
وفي جولة تاريخية نتعرف فيها على تاريخ تجارة الياميش في مصر، وكيف إزدهرت هذه التجارة؟
بداية يرجع كثير من المؤرخين تناول المكسرات والياميش إلى عصر القدماء المصريين حيث كان القدماء المصريون يصنعون الحلوى على شكل الإله (بس) إله الضحك واللعب عن الأطفال.
ولكنها إزدهرت مع بداية العصر الفاطمي حيث أعاد المصريون القدماء إحياء تناول المكسرات وكانت تتكون من(عين الجمل، القراصيا، المشمش والتين المجفف وقمر الدين الذي كان يطلق عليه “القيس”). ومن هنا يتضح معني كلمة ”ياميش” في المعجم الجامع والوسيط أي “الفواكة المجففة”،وهي كلمة من أصل تركي.. دخلت في قاموس اللهجة العامية المصرية منذ العصر الفاطمي، وفي اللغة التركية تعني كلمة”الياميش”: النقل الرمضاني.
الخشاف:
أما كلمة “خشاف” فهي تعني: شراب يعمل من الزبيب والتين ونحوهما من الفواكة المجففة بعد نقعها في الماء، وعادة ما يتناوله الناس في رمضان، وهي كلمة معربه عن الفارسية بمعني “خوش اب”. حاول ادوارلين أحد المستشرقين أن يضع أهمية الياميش في حياة المصريين في كتابه ”عادات المصريين المحدثين” كان يضع ابناء الطبقتين المتوسطة والغنية طوال شهر رمضان كرسي الأفطار في الحجرة التي يستقبل فيها سيد المنزل زواره قبيل المغرب، وتوضع صينيه مطليه (باللك) فوق هذا الكرسي تزينها أطباق “النقل” أو “الياميش” المختلفة (الزبيب والتمر المجفف والتين والبندق المحمص والجوز وبعض من شربات السكر والماء. وبعد أذان المغرب يتناول سيد المنزل وأفراد العائلة الياميش والشربات.
أسواق المكسرات:
* أما عن الأسواق التي كانت تنشط فيها الحركة خلال شهر رمضان بشكل خاص، فمنها وكالة ”قوصون” التي أنشأها الأمير سيف الدين قوصون وهي تشبه الخانات، ينزلها التجار ببضائع بلاد الشام من الزيت والصابون والديس والفستق والجوز واللوز والخرنوب.. وتوجد وكالة قوصون بشارع النصر وترجع إلي القرن الثامن الهجري.
ولما خربت الوكالة في القرن التاسع الميلادي انتقلت تجارة المكسرات إلي وكالة مطبخ العمل بالتمبكشية بحي الجمالية، وكانت متخصصة لبيع أصناف الياميش وحالياً هناك عدد من الأسواق المصرية التي تنشط خلال هذا الشهر، ومن أشهرها سوق البلح بحي روض الفرج بشبرا حيث يباع فيه ويشترى جميع أصناف البلح من كل بقاع مصر، إضافة إلي أسواق المكسرات والياميش بحي بين الصورين.
الحلويات الشرقية:
ويستقبل الناس شهر رمضان المعظم كل عام بعدد من الحلويات الشرقية الشهيرة، تأتي في مقدمتها الكنافة والقطايف وأم على والتي يعتبرها الأهالي الحلوى الرئيسية خلال الشهر المعظم، وتكاد لا تخلو مائدة رمضانية منهم.
ويؤكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان على أن أشهر أكلات رمضان التاريخية هي الكنافة التي يعود أصلها للعصر الأموي، حيث يذكر أن الخليفه الأموي معاوية ابن سفيان كان يحب أكلها في السحور وأصبحت طعام الأغنياء والفقراء.
وقيل أن أول من قدمت له الكنافة والقطايف من العرب هو معاوية بن أبي سفيان زمن ولايته للشام، كطعام للسحور لتدرء عنه الجوع.
ولما جاءت دولة الفاطميين صاحبها عصر من الرفاهية على العرب فجعلت من رمضان موسماً كريماً للبذل والعطاء، وشغلت الكنافة والقطايف الشعراء والأدباء.. وأطالوا الحديث فيهما وغيرهما من أنواع الحلوى التي ابتدعها الفاطميون. ولم يقف حديث الشعراء عند حد وصف الكنافة وموائدها بل تعدى ذلك إلى حبها.. حب الكنافة والهيام بصوانيها، وجمال لياليها والتغزل فيها، حتي صار لها من العاشقين من تغني بحبها. فكما تغني ابن زيدون بحب ولادة، وهام جميل بحب بثينة، وتدله الأضق في عشق فوز، أيضا أحب أبو الحسين الكنافة وتغني بها.
وكان هناك من الشعراء من يفضل القطائف على الكنافة مثل ابن نباته وسعد الدين في قولهما:
قال القطائف للكنافة
ما بالي أراك رقيقة الجسد
أنا بالقلوب حلاوتي حشيت
فتقطعي من كثرة الحسد
الكنافة:
ولقد تغنى بها شعراء بني أمية في قصائدهم، ويقال أن ابن الرومي كان معروفاً بعشقه للكنافة والقطايف، وتغنى بهم في شعره طبقاً لما جاء في دراسة أثرية لعالم الآثار الإسلامية الدكتور على الطايش أستاذ الآثار والفنون الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة .
ويضيف د. ريحان بأن الدراسة تناولت رواية على أن الكنافة كانت “حمامة سلام” التي تصلح بين الأحباب، فيقال أن أحد الأشخاص غضبت عليه زوجته وغادرت منزلها متجهه إلى بيت أهلها وظل الخصام ممتداً حتى شهر رمضان وحاول الكثير الإصلاح بينهم ولكنهم فشلوا ولكن عند إقبال الشهر الكريم تذكر الزوج حب كنافة زوجته وتذكرت الزوجة أنه يحب كنافتها فبعثت بصينية كنافة إلى منزله، فما كان من الزوج إلا أن اخذ الصينية وذهب إلى بيت أهلها ليفطرا بها هما الإثنين وعندما دخل عليها فرحت الزوجة كثيراً ورجعا معا إلى منزلهما بعد الإفطار فاستطاعت الكنافة أن تصنع ما لم يصنعه أحد..
وهناك رواية أخرى تعرفنا عليها بالبحث تؤكد على أن الكنافة ذات أصول مصرية، حيث قدم المصريين الكنافة بالمكسرات كهدية للمعز لدين الله الفاطمي عند دخوله القاهرة في الخامس من رمضان عام 358 هجرياً، كنوع من الترحيب به وتأكيداً لنفوذهم في مصر، وتم تقديم الكنافة للخليفة كشيء جديد ومختلف. ومنها إنتقلت إلى دول الشام عن طريق التجار صانعي الحلويات في الشام ولكنهم لم يقبلوها بشكلها المصري، بل تم تغيير طرق الصنع، وإضافة أشياء جديدة عليها كالجبنة التي لم تكن تستخدم في مصر.
والروايا الأخيرة عن الكنافة لخمارويه الذي حكم مصر بعد أحمد بن طولون، ولأن وجوده خارج مصر كان أكثر من داخلها بكثير فكان يرسل ابنته أسماء المعروفة “بقطر الندى” بدلاً منه من آن لآخر، و لأن سفرها إلى مصر كان مستمراً أنشأ لها 11 استراحة على طول الطريق هي وحاشيتها وجلبت معها حلويات شامية منها الكنافة.
القطايف:
أما عن القطايف فيؤكد الدكتور عبد الرحيم، بأنه لم يرد أصل تاريخي لبداية ظهورها، ويقال أيضاَ أنها كانت من أيام الفاطميين شأنها في ذلك شأن الكنافة..
أم علي:
ويتابع د. ريحان بأن الدراسة ألقت الضوء على الأصل التاريخي لأم علي، وهي أم المنصور زوجة الأمير عز الدين أيبك أول سلاطين المماليك الذي تزوج السلطانة شجر الدر بعد موت زوجها الملك الصالح نجم الدين أيوب والتي تزوجته بسبب رفض مماليك الشام أن تتولى حكمهم امرأة وبعد تزوج عز الدين أيبك لأم على غضبت شجر الدر وانتقمت منه فقامت ضرتها أم على بتدبير مكيدة ضدها وقتلتها هي وحاشيتها بالقباقيب ثم نصّب ابنها على بن عز الدين أيبك سلطاناً، وقد احتفلت أم على بالمناسبة وظلت تقدم لمدة شهر طبق من السكر واللبن والعيش للناس، ومن هنا أطلق على الطبق “أم على” وبهذا الحفل الدموي الإنتقامي دخل هذا الطبق الشهير إلى المطبخ المصري ومنه إلى العربى بشكل عام.
وهذه الحلوى المصرية تقدم ساخنة وهي مزيج من الحليب ورقائق الخبز مع المكسرات، وتقدم بالصينية. وفي غرب العراق تسمى “الخميعة” ويفضل إضافة الزبدة أو الدهن الحيواني لجعلها تكتسب دسماً.
أما في السودان فتمسى بـفتة لبن، واشتهرت في السعودية وتقدم في الحفلات الكبيرة كحفلات الزواج والبوفيهات المفتوحة.