في اعتقادي أننا نعيش واقعًا سياسيًا مضطربًا، تدعمه بعض الممارسات من كافة الأطراف الفاعلة في الحياة السياسية، فضلًا عن مشاركة وسائل الإعلام لبعض أشكال الصراع بل وتغذيتها في بعض الأحيان،
وربما نعيش هذا الواقع منذ ثورة 25 يناير 2011م، مرورًا بفترة انتقالية أولى تولى فيها المجلس العسكري أمور البلاد، ثمتولي الرئيس السابق د. محمد مرسي منصب رئيس الجمهورية خلال فترة لم تزد على سنة واحدة (1 يوليو 2012- 3 يوليو 2013م) بسبب ممارساته في الحكم والتي أدت إلى قيام ثورة 30 يونيو 2013م ضده، وما أعقبها من فترة انتقالية ثانية تولى فيها المستشار عدلي منصور منصب رئيس الجمهورية المؤقت، وإن لم يغب المشير السيسيبطبيعة الحال عن المشهد، وشهدت تلك الرحلة إقرار دستور جديد تعقبه انتخابات رئيس الجمهورية ثم انتخابات مجلس النواب..
وهناك مجموعة من المشاهد التي تحمل دلالات عميقة من وجهة نظري، نقدم بعضها هنا:
البحث عن زعيم
تزداد شعبية المشير عبد الفتاح السيسي، يومًا بعد آخر، ويبالغ البعض في تقديره والاحتفاء به عاقدين عليه الكثير والكثير من الآمال، رغم أن الرجل لم يحدد موقفه بعد من خوض الانتخابات الرئاسية وبالتالي فإنه لم يقدم برنامجًا انتخابيًا يعكس رؤيته السياسية والاقتصادية والاجتماعية. إلا أن القارئ الجيد للتاريخ يكتشف بسهولة كيف أن المصريين يبحثون دومًا عن بطل مغوار، زعيم مُخلِّص، مسيح منتظر، يخلصهم من الآلام الاقتصادية والاجتماعية بالأخص، ويحقق لهم العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. ربما حدث هذا مع أحمد عرابي في الثورة العرابية ومصطفى كاملفي كفاحه ضد الاحتلال البريطاني وسعد زغلول عقب ثورة سنة 1919م وكانت أيضًا ضد المحتل البريطاني.
والسؤال الآن: هل يريد المصريون زعيمًا وبطلًا مغوارًا؟ أم أنهم يريدون إداريًا ناجحًا يُحسن إدارة البلاد في شتى النواحي؟!
قد يكون المشير السيسي هو الرجل المناسب هنا، لكن السؤال يدور في جوهره حول العقلية أو الذهنية التي تقف وراء اختيار من يتولى منصب رئيس الجمهورية.
شيكولاته السيسي
يتعجب البعض من ازدحام السوق المصرية بمنتجات تحمل اسم الفريق (ثم المشير) السيسي، مثل الشيكولاته والتورتة وبعض الوجبات.. الخ، فضلاً عن عدد من المحلات التي تحمل اسمه، كذلك بطاقة السيسي ووجه كرتون للسيسي، وإطلاق اسمه على بعض المواليد.. الخ.
لكن الأمر يبدو لي أمرًا طبيعيًا، فمن يقرأ تاريخ المصريين يكتشف أنه عقب ثورة 1919م ظهر “بلح زغلول” و”معسل زغلول”، وكان هناك إعلان نشرته الصحف لأحدالمصانع يقول “سعد زغلول زعيم المصريين ونابلسي شاهين زعيم الصابون”، ومنذ فترة ليست بعيدة- وفي أحد مواسم شهر رمضان المبارك- ظهر بلح شفيق ومن قبله أوباما..الخ.
قد يكون الأمر في جانب منه تأييدًا لهذا أو ذاك، أو تجاوبًا مع شهرة- سياسية في الغالب- حققها صاحب الاسم، لكنه في الجانب الأكبر قد يعبر عن “شطارة” التاجر المصري.
لك الله يا حمدين
أرى السياسي المعروف حمدين صباحي مناضلًا حقيقيًا، له ما له وعليه ما عليه، منذ أن كان طالباً بقسم الصحافة- كلية الإعلام جامعة القاهرة، عضوًا نشطًا باتحاد الطلاب ثم سياسيًا نزيهًا في معترك الحياة العامة سواء من خلال عضوية مجس الشعب أو من خلال حزب الكرامة الذي سعى في تأسيسه منذ سنوات بعيدة.
إنني أتفق معه أحيانًا، وأختلف في أحيان أخرى، لكني قطعًا احترم هذا الرجل وأجله لمواقف اتخذها، مثلما اختلفت معه لمواقف أخرى، ولكني اليوم أتعجب من تلك الهجمة الشرسة التي يتعرض لها من قبل مؤيدي ترشيح المشير السيسي رئيسًا للجمهورية.. حيث يصوره البعض طامعًا في السلطة، ويراه البعض الآخر أصغر كثيرًا من أن يجلس على كرسي الرئاسة.. الخ!! وكان من الغريب أن يتم القبض- وحسب ما نشرته بعض وسائل الإعلام- على ثلاثة من مؤيدي حمدين كانوا يعلقون صوره!! مما يعكس افتقادًا واضحًا للمساواة والشفافية في التعامل مع الأسماء المطروحة لخوض الانتخابات الرئاسية.
أرجو من مؤيدي المشير السيسي، وقد- أقول قد- أكون واحدًا منهم، احترام أدب الاختلاف والبعد عن المهاترات السياسية والقيام بحملة دعاية للمشير السيسي تكون دعاية مهنية، لا دعاية رخيصة، إذ نريدها معركة سياسية قوامها النزاهة والموضوعية والمنافسة الشريفة، تحترم المختلفين قبل المؤيدين، وذلك حتى لا يقع مؤيدي المشير السيسي في نفس الأخطاء التي ارتكبها من قبل مؤيدي جماعة الإخوان المسلمين في تشويه صورة المنافسين.
وهناك مشاهد أخرى تتعلق بممارسات الإعلام، وممارسات جماعة الإخوان التي تحولت من جماعة محظورة إلى جماعة إرهابية..، وغيرها من مشاهد، ربما يأتي ذكرها في حديث آخر.
ويبقى الوطن مصر من وراء القصد، وطنًا واحدًا ومصيرًا مشتركًا يجمعنا كلنا.