الكذب عكس الصدق، والشخص الكذاب هو الناطق بالكذب. وجوهر الكذاب زائف. والكذب صفة أو سلوك مُكتسب نتعلمه كما نتعلم الصدق، وليس صفة نظرية أو سلوكاً موروثاً. والكذب عادة ، عَرَض ظاهري له ودوافع وعوامل نفسية تجيش في نفس الفرد، سواء كان طفلاًأو بالغاً.وقد يظهر الكذب بجانب الأعراض الأخرى كالسرقة أو شدة الحساسية أو الخوف إلى غير ذلك مِن الأعراض.ويبدأ الشخص في الكذب عندما يرتكب ما يخشى عقباه، أو يخجل مِن إعلانه.
مَن هو الكاذب؟!
إنَّ ثلاثة أرباع عملية الاتصال مع الآخرين تتم عن طريق لغة الكلام. ولغة الجسم وحركاته تُقدِّم الكثير مِن المفاتيح التي تدل على ما إذا كان الشخص كاذباًأو صادقاً.
فمثلاً: حكُّ العين، السعال المفتعل، لمس الأنف، التلعثم، احمرار الوجنتين، عدم ثبات النظر، ظهور العرق بغزارة على منطقة الحاجبَين، وضع اليد على الفم… كلها دلالات يستدل بها على مَن ينطق بالكذب. ولهذه الحركة الأخيرة، أي وضع اليد على الفم، تفسير لطيف، هو أنَّ المخ يرسل إشارته إلى اليد تمنع الكلمات مِن الخروج مِن الفم، وكأن اليد حارس يقف عند الفم!
لماذا يلجأ بعض الناس للكذب؟
عرفَ الناس أنَّ الكذب معصية ضد الخالق، ولكن بعض الناس استمروا في طريق الكذب لأنهم اعتادوه.
هل تكذب؟ سؤال مخجل لا تتوقعه ، أليس كذلك؟ يقول علم النفس: ” إنَّ كل إنسان يقول كذبتَين –أو أكذوبتَين – على الأقل كل يوم”. فقد يجد الشخص نفسه في موقف صعب لا يجد منه مَخرجاً، فيكذب كي يتخلص مِن موقفه. أو قد يجد أنَّ الكذب في موقف آخر، سيُعلِّي مِن شأنه؛ فالإنسان في لهفة دائمة لجذب انتباه الآخرين، وهو في حاجة أيضاًإلى الحُب والشعور بالاهتمام، ولهذا يبالغ البعض في رواية الحقيقة؛ فيكذب ظاناً أنه بهذا يحقق التأثير المطلوب. ولكن الكذب في هذه الحالة، لا يُظهر حقيقة الشخص وعمقه، ولكنه يُظهر القشرة الخارجية التي صنعها بنفسه لنفسه. وقد يتخذ البعض الكذب وسيلة لإخفاء شيء مُؤلِم ولطمس حقيقة فعل مشين. وفي كل الأحوال يغيب مَن يكذب عن أرض واقعه، وإذا بعينيه مُصوَّبتان عادة إلى ما يريد أنْ يكون عليه، لا إلى واقعه الماثل أمامه.
للكذب ألف شكل وشكل!
أقصر تعريف للكذب، وأبسط تحديد له، هو أنْ يقول الإنسان ما هو مُغاير للصدق، أو يفعل ما هو مخالف للحق، في كثير أو في قليل، سواء أكان عن طريق القصد والعمد، أو عن طريق المغالطة والمراوغة، أو المبالغة، أو التضليل!
هل نحن نكذب؟
نحن ندَّعي غالباًإننا لا نكذب، وإذا كذبنا، فإننا نحاول أنْ نُبرِّر أسباب هذا الكذب، ونعطيه مِن المسميات والاشكال ما يجعله مشروعاًأو مقبولاً.والكذب يتجه في اتجاهات متشعبة، فنحن قد نكذب على الآخرين، وقد نخدع أنفسنا، وقد يمتد الكذب ويتأصل في حياتنا فنكذب على الله!
نكذب على الناس
ليس المقصود بالكذب – حتماً–أنْ يقول الإنسان شيئاً مُنافياًأو مضاداً للحقيقة، فهذا أحد جوانب الكذب، الذي قد يرفضه أصحاب المبادىء والمُثُل العليا. أما الجوانب الأكثر شيوعاً، والتي قد نقع فيها بالعمد او بالسهو ، فمنها:
· ما يتصل بالقول: ” أنْ يقول الإنسان جزءاً مِن الحقيقة، ويخفي جزءاًأخر. أو إنه يقول الحقيقة كلها، ولكنه يقولها بأسلوب مُبهم يُوحي بغير معناها. أو أنْ نقول بعض الحقيقة لشخص ما، وبعضها الآخر لشخص ثان، مما يوقع بينهما، ويحقق لنا بعض أغراضنا وأهدافنا الملتوية.
· ما يتصل بالمشاعر: فمِن الكذب ما ليس مُتَّصِلاً بالأحداث، لكنه مُتَّصِل بالمشاعر، فأنت قد تكذب بإظهار مشاعر غير حقيقية مِن نحو شخص ما، كأن تظهر له اهتماماً أو حُبًّا ، أو ترحيباً لا يوافق مع شعورك الحقيقي مِن نحوه. وهذا النوع مِن الكذب يُسمَّى “الرياء”، أي إظهار الإنسان غير ما يبطن، أو تظاهر الإنسان بما لا يتصف به مِن فضائل.
· ومِن الكذب ما يتصل بالأشياء: كالغش التجاري، وتزييف العملات أو المصنوعات المأكولات والمشروبات … إلخ. وهذا لا ينطبق على كبار المزيفين والنصابين فقط، بل ينطبق على أقل الأشياء – في أضيق الحدود.
· ومِن الكذب ما يتصل بالفكر: كأن تكون أحكامنا على الأشياء أحكاماً سطحية فاسدة، غير مُخلِصة، أو غير متروية، حين لا نبذل جُهداً في استقصاء الأمور واستجلاء الحقائق، فنحكم في الأشياء مِن منطلق أهوائنا، ومعلوماتنا الأولية، دون التعمق في دراستها، ودون أنْ نضع أنفسنا في موضع أصحابها. فتأتي أحكامنا كاذبة، فاسدة المضمون.
أخطرأنواع الكذب
لكن أخطر الكذب هو أنْ يكذب الإنسان على نفسه! هذا النوع مِن الكذب أشر مِن الكذب على الآخرين. فهو تضليل للنفس، ووضع عصابة على العين، حتى لا ترى حقائق الأمور. فمِن المفروض أنْ يبصر الإنسان نفسه بالحقائق، ويسعى لمعرفة الحق والصدق؛ فإذا هو أهملَأو تجاهل ذلك، وإذا هو أقنعَ نفسه بغير الحقيقة، فإنه يلقي بنفسه إلى سوء المصير.
ولعل أكثرالمواقف التي يكذب فيها الإنسان على نفسه، هو إقناعها بأنه أفضل مِن غيره، وأنه على حق – دائماً– في كل ما يفعل أو يقول. فهو أكثر مِن غيره معرفة بالأمور؛ فلا يليق به أنْ يستمع لآراء غيره، أو أنْ يصغي لنصائح العارفين، بل عليه أنْ يتبع هواه فيما يقصد، ويُبرِّر مَسلكه فيما يريد.
وحين يكذب الإنسان على نفسه فسرعان ما يأتي الوقت الذي يُصدِّق فيه أكاذيبه االمختلقة. فيظن أنه غني بالفضائل والمعارف، وهو جاهل قليل الفضل. ويظن أنه عابد مُتدين، مع إنه مادي، جاف، غليظ القلب. ويظن أنه نظيف اليد واللسان، بينما هو مخادع غاش سيئ الظن، مُلوث الفكر، حاقد حسود.
فالإنسان حين يكذب على الناس يخسر ثقة الناس، وحين يكذب على نفسه يخسر نفسه.
فإذا انفضَّ الناس مِن حوله، اتهمهم بظلمه، وتجاهل قدره وقيمته.
إن مَن يكذب علىنفسه يغلق أمامها كل أبواب النجاة.
فهل يكذب الناس على أنفسهم؟ نعم، كثيرًا ما يفعلون.
· نكذب على الله
وهذا أشر أنواع الكذب. فالإنسان قد يخدع الناس، ويوقع بهم الشر دون أنْ يمسه كثير مِن السـوء. وهو حين يخدع نفسه ، فإنه يتوه ويضل الطريق. ولكنه حين يكذب على الله ، فإنه يخسر القضية كلها، قضية الحياة الدنيا والآخرة. فإنَّ الله يكشف خداعه كشمس الظهيرة، ويظهر نواياه الملتوية أمام نور الحق الصريح الذي لا يقاوم. ويأتي اليوم الذي يدين الله فيه كل المُخادعين.
إلى أين يقود الكذب؟
مَن يتخذ الكذب وسيلة، يأتي عليه الوقت الذي يتعذَّر عليه فيه التمييز بين الحق والكذب، يكرِّر كذبه ويكرره، فتصبح حياته أكذوبة كبيرة لا يعرف فيها بَرَّا لحقيقة. فمَن يتعود الكذب، يجعل الخيالات أداته ومادته وكل عالمه المحيط به، أو يصبح كالأطفال – الذين يعيشون في عوالمهم التي تمتزج فيها الحقيقة بالخيال، ولا يُعرف لأي منهما حد.
علاج الكذب: الصدق
· الحس الصادق: وهبَ الله للإنسان – كل إنسان – حِسًّا يختلف مِن إنسان إلى آخر، قادراً على تمييز الصحيح مِن الزيف، والصدق مِن الكذب. فليست الكلمات الرقيقة هي الوسيلة الصحيحة لمعرفة الحقيقة، ولكن ما وراءها. وليست الشهادة الحسنة والقول البريء، ولكن المقصود منهما. وليس ما ينطق به الفم، ولكن ما يرتسم على الوجه، وما ينبض به الصوت، وتفضحه العيون.
· إنَّأعظم ما يجعل القول أو العمل أو التصرف تأثيراً في الناس هو الصدق. ومَن كان صادقاً فيما يقول وفيما يفعل سيجد صدى حَسناً في النفوس والقلوب. لأنَّ الكذب – مهما بدا مُنقذاً– عمره قصير، ولا يحل المشكلات، بل يزيدها تعقيداً . لأنَّ الكذب يُولِّد الشكوك داخل النفوس، وتتحوَّل بمرور الوقت إلى عازل سميك يمنع الرؤية، وحاجز مُرتفع يسجن الحُب وراءه طويلاً.
· طريق الفضيلة: قال حكيم: “لا تقل أبداً أي شيء غير حقيقي ، لا تكن لك صلة بالأكاذيب والكلمات المضللة. امضِ بالثقة التي تهبها لك أمانة التعامل، وسوف تجني الافتخار نتيجة لانتهاجك طريق الصدق دائماً.
· وقفة صدق مع النفس، وقفة مصارحة واعتراف لله. إننا نحتاج أنْ نجد طريقاً صريحاً إليه يملأ قلوبنا باليقين والغفران. إننا نحتاج إلى علاقة شخصية، يؤيدها روح الإله القدوس الخالق، بشهادته فينا، وتنقيته لنا، فنرتبط بالحق، ونثبت فيه كإننا خليقة جديدة.