إنجازان مهمان حدثا الأسبوع الماضي استحقا انتزاع فرحة وإعجاب المصريين ولفتا نظر الإعلام بكل منابره…أولهما دون منازع الاستفتاء علي دستور 2013 وموافقة الشعب عليه بأغلبية كاسحة(98.10%) تؤكد قبوله بل أيضا الاحتفاء والترحيب به ومشاعر الثقة والأمل التي يخلفها داخل عقل وقلب كل مصري…
وثانيهما علي المستوي النقابي نجاح الجمعية العمومية لنقابة المهندسين في سحب الثقة من مجلس الإدارة بعد طول هيمنة لتيار الإخوان المسلمين علي هذه النقابة,وذلك أيضا يعكس إصرار جموع المهندسين-مثلهم مثل المصريين-علي التخلص من تيار الإخوان المتطرف المتشد ذي التوجهات والسياسات البعيدة عن الوسطية والاعتدال والتي اختطفت العمل النقابي من هدفه الأصلي في تنظيم المهنة والارتقاء بشأنها إلي إقحام التأسلم في المهنة وتسييس العمل النقابي حتي بلغ الأمر الجموح في إهدار وتبديد موارد النقابة بعيدا عن أهدافها.
وسط تلك الاحتفالات والتهليل بتمرير دستور جديد لمصر وإنقاذ نقابة أخري من براثن الإخوان-بعد الصيادلة والأطباء- أقف قلقا متوجسا من واقع مشترك بينهما يجب ألا ندعه يمر مرور الكرام,وهو نسبة المشاركة التي حققت كلا من هذين الإنجازين,ودعوني أفرغ أولا من استعراض موضوع نقابة المهندسين لأن موضوع الدستور يطول شرحه وأتصور أنه لن يقتصر علي هذا المقال بل سيكون شغلنا الشاغل عبر باقي مراحل خريطة الطريق إن كنا لانريد لها أن تنتكس.
تتباهي نقابة المهندسين بأنها تضم في عضويتها حوالي نصف مليون مهندس موزعين علي كافة أفرعها وعلي محافظات الجمهورية,وعندما استدعت الضرورة-بعد طول صراع ونضال-الدعوة لعقد جمعية عمومية غير عادية لسحب الثقة من مجلسها كان هناك جهد مكثف من تيار الإصلاح الداعي لسحب الثقة من أجل نشر الدعوة وحشد جموع المهندسين لحضور الجمعية وتشكيل أغلبية ترجح إسقاط المجلس واستعادة النقابة…فماذا حدث؟…الذين حضروا بلغ عددهم حوالي14ألف مهندس ومهندسة,اكتمل بهم النصاب القانوني,وبعد فرز الأصوات كانت الفرحة عارمة وانطلقت الهتافات والزغاريد ببلوغ الهدف وسحب الثقة من المجلس بأغلبية ثمانية آلاف صوت موافقين في مقابل ستة آلاف صوت
للرافضين.
هل يدرك المهندسون معني ذلك وهم الأساتذة في تحليل الأرقام؟…إن الحاضرين يمثلون2.80% من أعضاء النقابة,كما أن الموافقة جاءت بأغلبية57% من عدد الحاضرين…هل يدرك المهندسون أن هذه الأرقام جد هزيلة وأنها إن كانت حققت الإنجاز المطلوب,إنما تترك علامات استفهام حول قدرتها علي مواصلة إدارة النقابة وحمايتها من عودة تيار الإخوان مرة ثانية وبشرعية صندوق الانتخاب أيضا؟…فالآن يتولي أمر النقابة مجلس مؤقت عقب سحب الثقة وتكون ضمن مهامه الترتيب لإجراء انتخابات في أقرب فرصة لاختيار مجلس جديد دائم,وأرجو ألا تطغي أفراح إنجاز الأسبوع الماضي علي جسامة المسئولية والتحدي الماثلين أمام جموع المهندسين لتنظيم صفوفهم وحشد أنصارهم لئلا تختطف منهم نقابتهم مرة
أخري وبواسطة صندوق الانتخاب,فالتيار الذي تم إقصاؤه لن يستسلم وحتما سيحشد أنصاره للعودة مرة أخري,وأتصور أن مشاركة نسبة تقل عن60% ممن لهم حق التصويت لن تكون مطمئنة في الحفاظ علي هذا الإنجاز.
وأعود إلي الدستور وهو إنجاز تاريخي بجميع المقاييس…إنجاز غير مسبوق في مضمونه الراقي الحداثي وإنجاز ملفت في سياسات وخطط تنظيم الاستفتاء عليه وتأمينه وإنجاز رائع في روح الإقبال عليه من معظم فئات المصريين الذين أظهروا إصرارا وفرحا وتلاحما وطنيا في الموافقة عليه وتمريره….حرصت علي تسجيل ذلك قبل أن أقول إنه برغم الموافقة التي جاءت كاسحة بنسبة(98.10%) من المشاركين,إلا أن نسبة من ذهبوا إلي صناديق الاستفتاء (38.60%)
أصابتني وأصابت الكثيرين بالإحباط,وذلك ليس تقليلا من شأن من ذهبوا إنما قلقا وتوجسا علي ما ينتظرنا من تحديات.
كتبت أكثر من مرة خلال الأشهر الماضية حول حتمية خلق لياقة انتخابية وسط جموع المصريين وأن إحساسهم بالارتياح إزاء إنقاذ مصر من الإخوان في30يونية لايجب أن يرسخ لديهم أن تلك كانت النهاية السعيدة أو أن الإخوان ذهبوا بلا رجعة…صحيح هم ذهبوا بلا رجعة قياسا علي رفض المصريين لهم,لكن إذا غفل المصريون عنهم أو تهاونوا في التنظيم والحشد أمام أية انتخابات مقبلة,قد يحدث المحظور وتعود سطوة الإخوان مرة أخري بشرعية صندوق
الانتخاب…وحذرت أن أقل من القدرة علي حشد 60% ممن لهم حق التصويت في كل استفتاء أو انتخابات-دستورية
كانت أو رئاسية أو برلمانية-ستكون النتائج معلقة وغير مضمونة,وساعتها قد يتحول عرس الدستور إلي كابوس يستعصي
علي التشريع والإصلاح والتحديث المرتقب.
إن علينا جميعا واجبا وطنيا في غاية الأهمية,وعلي الأخص مراكز الدراسات والدوائر السياسية والحزبية,من أجل تشريح وتحليل ماحدث في الاستفتاء علي الدستور:لماذا ذهب من ذهب؟…ولماذا تقاعس عن تقاعس؟…ولماذا غاب عمدا من غاب؟…ولماذا أحجم من خاف؟…فكل هؤلاء وأولئك يجب العمل علي طمأنتهم واستعادتهم…بدونهم لا نضمن من سيجلس علي كرسي رئاسة الجمهورية…والأخطر من ذلك لا نعرف من سيجلس تحت قبة البرلمان ليترجم هذا الدستور العظيم إلي حياة معاشة.