يوحنا المعمدان يمهد الطريق
ويجهز القلوب لاستقبال المسيا.
“هيئوا طريق الرب واجعلوا سبله مستقيمة” ( مت3: 3)
من هو يوحنا؟ هو ابن زكريا كاهن الله؛ رجل بار وصالح، وعرف قبل أي إنسان اخر أن الله يُعد لزيارة الأرض، ومعروف بتقواه هو وزوجته أليصابات ألا انهما كانا متألمين من عدم الإنجاب، ولما تقدما في السن كفا عن طلب الذرية. ولكن نؤمن عندما تقف الظروف البشرية المستطاعه يبدأ عمل الله المستحيل بالنسبة للبشر. ففي أثناء تأديته الخدمة الكهنوتية الواجبة عليه، حملت له بركة غير متوقعه. مفاجأة مدهشة ورهبة كبيرة وجد نفسه وجها لوجه أمام الله وتكلم مباشرة مع الملاك، رسالة الملاك رائعة لدرجة أنها تبدو غير حقيقية فشك لحظيًا في وعد الملاك بسبب كبر سنه. لم ينفعل زكريا بأخبار مجيء المخلص قدر شكه في إمكانية أن يصبح أبًا لطفل عظيم. لذلك مُنع من الكلام إلى أن يتتحقق وعد الله له. فعلينا أن نؤمن إن قصور الجسد ومحدودية المادة لا تحد عمل الله. فالله يتتمم إرادته بطرق غير متوقعة أحيانًا. ومن السهل أن نسئ فهم ما يريد الله أن يعمل بحياتنا. وممكن نحن المؤمنين نثق في عقلنا وخبراتنا الشخصية أكثر من الثقة بالله. وعندما تواجهنا تجربه الشك باستحالة تحقيق وعود الله فعلينا أن ننظر إلى مواقف الله في حياتنا الذي لا تحده قيودنا البشرية. فالله ينفذ وعده في الوقت المناسب فلنثق فيه حتى ولو تأخر لابد أنها أتيه.
أليصابات أم يوحنا هي من سلاله هارون، من مجتمع يهودي صعب بتقاليده وعاداته فيه تقاس قيمة المرأة بمقدار قدرتها على إنجاب الأطفال؛ فعدم الإنجاب يؤدي إلى مشكلات شخصية وعار اجتماعي، مرت أليصابات بوحشة مؤلمة ووقتًا عصيبًا بسبب تقدم سنها، وعدم إنجابها، ولكنها ظلت أمينة لله. وتحقق وعد الرب لها وحبلت أليصابات وعلمت أن الله وهبها عطية لم تجرؤ منذ زمان طويل أن تطلبها، إن الله لا ينسي من كانوا أمناء له. وحين عرفت مريم بحبل أليصابات ذهبت مسرعة إليها، فامتلأت أليصابات من الروح القدس والفرح ” ستفرح به وتبتهج ويفرح بمولده كثير من الناس” ( لو 1: 14 ). أليصابات كشف لها الروح سر مريم واعترفت بأنها أم الرب فقالت” مباركة أنتِ في النساء، ومبارك ابنكِ ثمرة بطنك! مَن أنا حتى تجئ إليَّ أم ربي؟ ما إن سمعتُ صوت سلامك حتى تحرك الجنين من الفرح في بطني. هنيئًا لكِ، يا من آمنت بأن ما جاءها من عند الرب سيتم” (لو1: 42 –45 ) وتلاقي الطفلان يوحنا ويسوع بالفرح، واليصابات مملوءة بالدهشة لما شعرت به.
يوحنا المعمدان بن زكريا من سبط لاوي من فرقة أبيا (لو1: 5) اسمه دليل وإشارة على دعوة ورسالة يحمل معني في الكيان والمصير ويطابق الواقع ” يو” الذي هو مثل “يهو” اختصار لكلمة “يهوه” إي “الرب” والاسم بالعبري” يوحنان” إي الحنان والرحمة ” الرب يتحنن ويرحم” امتلاء يوحنا من الروح القدس من بطن أمه، اختاره الله ليمهد ويجهز قلوب الناس، فعاش في الصحراء كمعلم متوحد بعلاقة وعشرة حميمة مع الرب، متجرد عن العالم” لا يشرب خمرًا ولا مسكرًا”(لو1: 15)، متقشف في ملابسه” يلبس ثوبًا من وبر الجمال، وعلى وسطه حزام من جلد”، بسيط في مأكله “يقتات من الجراد والعسل البري”(مت3: 4). “يوحنا سيكون عظيمًا عند الرب” (لو1: 15) عظمة يوحنا ليس في السلطة، ولا الثروة، ولا الجمال، بل عظمته في أنه ترك الله يعمل به ما يريد. فالعظمة لا تقاس بما نملك بل بما نؤديه من عمل الله وبالله. فلنقدم ذواتنا لله كليه كما فعل يوحنا حتى تعمل قوة الله بنا ومن خلالنا.
رسالة يوحنا ينادي بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا لتجديد الفكر بالتعليم، والأبدان بغسيل المعمودية، وبكل تواضع معترف بأن المسيح يأتي بعده أعظم وأقوي منه ” أنا أعمدكم بالماء، ويجئ من هو أقوي مني، وما أنا أهل لأن أحل رباط حذائه، فيعمدكم بالروح القدس والنار” (لو 3: 16). وللتوبة جانبان هما البعد عن الخطيئة والاقتراب من الله. ولننال المغفرة يجب أن ننفذ كلا الجانبين، فلا يمكن أن نقول نؤمن بالله ونحيا كما نشاء. وكذلك لايمكن أن نحيا حياة سليمة أخلاقيًا وأدبيًا بدون الرجوع إلى الله. فعلينا أن نعد الطريق ونجهز قلوبنافنقرر أن نتخلص من إي خطيئة، ونضع ثقتنا وإيماننا بالله الذي وحده يخلصنا من عواقب الخطايا. ونحن اليوم على مثال يوحنا نخبر الناس بزيارة المسيا المسيح المنتظر لأرضنا ليتم إعداد الطريق وتجهيز حياتنا لاستقبال مجيء الرب. فنتسأل ماذا صنعت لتعد الطريق للرب يسوع ليأتي إليك؟ هل إيمانك مبني فقط على طقوس أم على الحب في الحياة الجديدة مع المسيح؟
رسالة يوحنا تغلغلت في مواضيع كثيرة غير متوقعة بين الفقراء، والمساكين، والعشارين قال لهم ” لا تجمعوا من الضرائب أكثر مما فرض لكم” (لو3 :13)، ورجال الجيش الروماني المكروهين لأنهم يظلمون الفقراء مستغلين سلطتهم في الانتفاع من كل الناس فقد دعاهم يوحنا إلى تغير طرقهم قال” لا تظلموا أحدٍ، ولا تشوا بأحد، وأقنعوا بأجوركم” (لو3: 14). امتدت رسالة يوحنا ودعوته المشتعلة غيرة على الحق فوقف أمام هيرودس الحاكم بكل شجاعة وبدون خوف وبخه بقوله” لا يحل لك أن تزوج هيروديا امرأة أخيك”(مت14: 4) وعمل هيرودس كثيرًا من السيئات، وأضاف إلى سيئاته كلها أنه حبس يوحنا في السجن( لو3: 19) هل كان من السهل على يوحنا أن يقول هذا للحاكم؟ وما هي التكلفة؟ كما قال يوحنا لكل فئات الشعب المختلفة المتنوعة” من كان له ثوبان، فليعط من لا ثوب له. ومن له طعام فليشارك فيه الآخرين”(لو3: 11) المعمدان إيليا الجديد بروح وثابه تحمل بذار التجديد يحمل سلطة الحق ولا حق السلطة، رفع لواء قوة الحق بعظمة العدل ولا حق القوة. اشتعل نارًا وغيرة على رب القوات. وأيضا رد قلوب الأبناء إلى الأباء والعكس. يوحنا جاء كنور الفجر الخافت ليبدد الظلام، بفرح الاكتشاف. يجدد الرجاء بالوعود والمواعيد بفرح اللقاء. فيشهد للنور بفرح العطاء حتى يؤمن الناس على يده بفرح إتباع يسوع، ما كان هو النور، بل شاهد للنور فقال ” هوذا حمل الله”( يو1 : 6-8،15, 36) أعلن يوحنا للناس عن حمل وديع متواضع القلب.
صلاة
أيها القديس يوحنا المعمدان، يا مَن أفرغت ذاتك وصرت متجردًا عن كل الأرضيات لتعلو بحياتك إلى القداسة، أنت يا مَن عرفت الجوع والعطش، الألم والاضطهادات والموت عن الذات لتملأ حياتك بمن أحببت، لتعد طريقًا تنادي فيه بالحق، اجعلنا أداة ورسل مثلك ننادي بالحق في وسط حياتنا الصاخبة. تضرع لنا عند الله الآب أن نُعد ونجهز قلوبنا ليسوع واستقباله في حياتنا. واجعلنا رسلاً مثلك، تملأنا الغيرة والشجاعة على مجد الله وقداسة الإنسان. آمين