قد نتسأل عن غاية التجلي ، ونقول : لماذا تجلَى السيد المسيح ؟
تجلَى السيد المسيح لغايتين: اولهما إنعاش نفوس تلاميذه بالرجاء ، وثانيهما ترسيخ الإيمان في قلوبهم ، ولهذا شهدت السماء على تجلَيه ، وسُمع صوت الله الآب يقول : ” هذا هو ابني الحبيب الذي عنه رضيت، فلهُ اسمعوا ” ، ( متى 17 : 5 )
قد نتسأل عن غاية التجلي ، ونقول : لماذا تجلَى السيد المسيح ؟
تجلَى السيد المسيح لغايتين: اولهما إنعاش نفوس تلاميذه بالرجاء ، وثانيهما ترسيخ الإيمان في قلوبهم ، ولهذا شهدت السماء على تجلَيه ، وسُمع صوت الله الآب يقول : ” هذا هو ابني الحبيب الذي عنه رضيت، فلهُ اسمعوا ” ، ( متى 17 : 5 ) .
وفيما نحن نحتفل بعيد تجلي الرب على جبل التابور ، نسأل الله أن ينعش قلوبنا بالرجاء المسيحي فلا يقتلها اليأس ، ويشدَد عزائمنا فلا تخنقها المادة .
1 – الرجاء :
قبل أن يتجلَى السيد المسيح بستة أيام صارح تلاميذه بحقيقة رسالته ، ورسالته تقوم على إفتداء البشر بالآلام والأوجاع والصليب ، ورسم الطريق لمن يريد أن يتبعه فقال : ” من أراد أن يتبعني ، فليزهد في نفسه ويحمل صليبه ويتبعني ” ( مرقس 8 : 34 ) . وهذا معناه أن مصير أتباعه نفس مصيره . وإذا كان قد تألم ، فليس لهم أن يعلَلوا نفوسهم بغير الآلام في الدنيا .وغاظ بطرس أن يسمع من معلمه وسيدهه هذه الحقائق المؤلمة والجارحة ، فأخذه على حدة وعاتبه . لكن السيد المسيح بعد أن قال لهم : ” على ابن الإنسان يجب عليه أن يعاني آلاماً شديدة ، وأن يرذله الشيوخ والأحبار والكتبة ، وأن يُقتل ، وأن يقوم في ثلاثة أيام ” … التفت فرأى تلاميذه فزجر بطرس قائلاً : ” سر خلفي يا شيطان ، لأن أفكارك ليست أفكار الله بل أفكار بشر” ( مرقس 8 : 31 – 33 ) . وعرف أن أقواله ستبعث اليأس في نفوس تلاميذه الذين كانوا كاليهود جميعاً ، يأملون أن يروا مسيحاً يضع التاج على رأسه، ويعتلي العرش ، ويمسك الصولجان ويهزه مهدداً ، ويكونون هم أقرب المفربين إليه ، وكانت هذه الحقيقة راسخة في نفوسهم بحيث راحوا يتنافسون على مقاعد الصدارة ، وإذ بيسوع يجيبهم بالحقيقة القاسية فينبئهم بأن المسيح سيتألم وسيعاين العذاب . إن قول المسيح هذا نشر الخوف والذهول في صفوفهم ، وعرف هو ذلك فأراد أن يشدَد عزائمهم الخائرة ، ويقوي إيمانهم وإرادتهم ، فتجلَى أمامهم ليريهم أن طريق الآلام تقود إلى قمة المجد والسعادة والفرح الدائم ، وأن هذا التجلَي ليس سوى رسم مصغََر لما سيحصل عليه الأبرار من جزاء في السماء ، لقاء ما يقاسونه من أوجاع واضطهادات في سبيل المسيح . ذلك أن الأمل ببلوغ المحجَة ، يُسهل على المسافر أتعاب ومشقَات الطريق. ومنظرجسد السيد المسيح يشَعَ نوراً وبهاءَ من شأنه أن يخفف مما يجب أن تقاسي من مشقَات الحياة . لهذا تجلَى الرب يسوع . على هذا أشار يوحنا عندما قال : ” نحن نعلم أننا نصبح عند ظهوره أشباهه ، لإننا سنراه كما هو ” ( يوحنا الاولى 3 – 2 ) ، وأنه يجب علينا أن نجتاز مضايق كثيرة لندخل ملكوت الله ، وأن : ” المخلص يسوع المسيح … يبدَل جسدنا الحقير فيجعله على صورة جسده المجيد بما له من قدرة يخضع بها كل شيء ” ( فيليبي 3 : 21 ) .أمَا الذين يظنون أنهم يستطيعون أن يظفروا بالسعادة الأبدية في لهو وتضيع وقت لا همَ لهم
سوى الغوص في الملذات والارضيات والمظاهر الزائلة ، فإنهم في ظنهم مخطئون .
2 – ألإيمان :
وتجلَى السيد المسيح ليوطد الإيمان في النفوس . تجلَى وظهر وجهه يشعَ كالشمس وثيابه تتلألأ ناصعة البياض ، وأعجبت الرؤيا بطرس فلم يستطع
الصمت فهتف قائلاً : ” حسنٌ أن نكون ههنا ،فلو نصبنا ثلاث مظال …وسيذكر بطرس ويعقوب ويوحنا هذه الرؤيا يوم يرون معلَمهم يحمل الصليب خائر القوى ، وسيذكرونها يوم يرونه مُلطَخاً بالدماء وستبعث هذه الرؤيا في نفوسهم عاطفة الرجاء والإيمان ، حيث يكونون على استعداد لسفك دمائهم شهادة للمسيح .
وما كاد بطرس يتم كلامه حتى حدثت اعجوبة ثانية وهي : “بينما هو يتكلم ، ظللَهم غمام نيَر وإذا صوت من الغمام يقول : ” هذا هو ابني الحبيب الذي عنه رضيت ” ( متى 17 – 5 ) .
ليست هذه هي المرة الأولى يطلب فيها فيها السيد المسيح شهادة السماء على حقيقة الوهته . لقد نزل عليه الروح القدس لدى اعتماده في نهر الأردن ، في شكل حمامة ، وإذا بصوت من السماء يردَد ما ردَده أثناء التجلَي . وشهد يوحنا المعمدان أنه رأى الروح وسمع الصوت وآمن بالمسيح الإله الإنسان فقال :
” رأيت الروح ينزل كأنه حمامة فيستقر عليه ، ولم أكن أعرفه ، ولكن الذي أرسلني أعمَد في الماء قال لي : ” ان الذي ترى الروح ينزل عليه فيستقرَ،
هو ذاك الذي يعمَد في الروح القدس . وأنا رأيته وشهدت أنه هو ابن الله ” ( يوحنا 1 : 32 -34 ) . وفي الغد عندما دلَ يوحنا المعمدان تلميذين له على يسوع قال : ” هوذا حمل الله ” (يوحنا : 1 : 35 ) . فتراكه تلميذاه وتبعا يسوع وآمنا به إبناً لله .
وأسمع الله الآب صوته خلال اسبوع الآلام أي قبل أن يُعلَق السيد المسيح على الصليب ، ورفع يسوع عينيه في ذلك الوقت إلى السماء وقال :
” يا أبتِ مجدك اسمك ” . فإذا صوت من السماء يقول : ” قد مجَدته وسأمجَده ” . ولم يفهم السامعون معنى الكلام الذي صدر من الصوت فقال لهم يسوع :
” لم يكن هذا الصوت لأجلي ، بل لأجلكم . اليوم دينونة هذا العالم ، واليوم ينبذ سيد هذا العالم إبليس . فإذا رفعت من هذه الأرض ، جذبت إليَِ الناس أجمعين ” ( يوحنا 12 : 28 – 32 ) ، وكان هذا الصوت شهادة للمسيح يدعو على الإيمان برسالته .
لقد أراد الله الاب ، عندما أسمع صوته يوم التجلَي ، أن يوطد ايمان بطرس ، ولم يكن قد مضى على اعتراف هذا الأخير بألوهة السيد المسيح في قيصرية فيليبس سوى ثمانية أيام ( مرقس 8 : 20 ) . فالصوت إذاً هو مجازاة للتلاميذ على إيمانهم وتوطيد وتثبيت له . وهذا ما وصفه القديس ايرونيموس عندما قال : ” ان السيد المسيح لم يُجيب و يرد بالعجائب على الكتبة والفريسيين الذين يلحون عليه بالحصول عليها ، لكنه أراد هنا أن يُظهر لتلاميذه آية واعجوبة لأنهم آمنوا وهو يريد أن يجازيهم على إيمانهم ” . وهذا ما ما أقرَه القديس بطرس عندما حافظ على وصية السيد المسيح بالامتناع عن التحدث عن تجلَيه إلاَ بعد القيامة . وعندما بدأ يخطب في الناس ، بعد قيامة السيد المسيح ، فال : ” قد أطلعناكم على قدرة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح وعلى مجيئه ، ولم يكن ذلك منا اتباعاً لخرافات مصطنعة ، بل لأننا عاينَا جلاله . فقد نال من الله أبيه اكراماً ومجداً ، إذ جاءه من المجد صوت يقول : ” هذا هو ابني الحبيب الذي عنه رضيت ” . وهذا الصوت قد سمعناه آتياً من السماء ، إذ كنا معه على الجبل المقدس ” ( بطرس الثانية 1 : 16 – 18 ) .
أشهد السيد المسيح أباه على تجلَيه ، ليشع في نفوس من شاهدوا التجلَي الرجاء والايمان ، وليوطد في نفوسنا نحن المؤمنين هاتين الفضيلتين .
لنتذكر مشهد التجلَي يوم المحنة والصعوبات ، وإن هذا الجسد الذي يتألم مع المسيح سيتمجَد معه على مثاله يوم تجلَى على مرأى من تلاميذه الثلاثة :
بطرس ويعقوب ويوحنا