خرجت مصر في 30 يونيو معلنة غضبها من واقعها المرير ورفضها لاستمرار هذا الحاكم ونظامه وجماعته في العبث بمقدراتها وفي التفريط في سيادتها وكرامتها… موجات حشود المصريين اجتاحت المدن المصرية… لم تقتصر علي ميدان التحرير عنوان ورمز الثورة المصرية ولا علي موقع قصر الاتحادية مقر الرئاسة ولا علي ميادين القاهرة,
خرجت مصر في 30 يونيو معلنة غضبها من واقعها المرير ورفضها لاستمرار هذا الحاكم ونظامه وجماعته في العبث بمقدراتها وفي التفريط في سيادتها وكرامتها… موجات حشود المصريين اجتاحت المدن المصرية… لم تقتصر علي ميدان التحرير عنوان ورمز الثورة المصرية ولا علي موقع قصر الاتحادية مقر الرئاسة ولا علي ميادين القاهرة, بل امتدت لتشمل كافة ميادين مصر حيث أعلن المصريون قرارهم الأخير بأن كل الخيوط التي تربطهم بحكم محمد مرسي قد تقطعت ولم تعد هناك سبل لرأب الصدع.
التاريخ يعيد نفسه, فكما تلكأ نظام مبارك في التعامل مع ثورة الغضب في 25 يناير 2011 هكذا أيضا تلكأ نظام مرسي في التعامل مع ثورة تمرد في 30 يونيو بعد عامين ونصف… لم يتعلم محمد مرسي الدرس واستبد به الصلف والغرور والمكابرة… عز عليه أن يدرك أن صبر هذا الشعب قد نفد, وأهدر الفرصة الأخيرة المتاحة له للإصلاح والمصالحة حين خرج علي الشعب منذ أسبوعين يزيف الواقع ويوزع الاتهامات جزافا ويكيل الوعيد والتهديد… ثم يعود مرة أخري مساء الثلاثاء الماضي ليستفز الشعب مدعيا أنه يمثل الشرعية وسيحافظ عليها ببقائه في السلطة, فيرتفع سقف المطالب الشعبية بحتمية الرحيل ولا بديل عنه.
كيف تصور محمد مرسي أن الانحياز لجماعته يغنيه عن شعبه؟… كيف أعمته حشود أنصاره في رابعة العدوية بمدينة نصر عن تبصر حشود المصريين عبر مصر؟… ولم لا؟… ألم يغض البصر عن نزيف أعوانه ومستشاريه طوال عام مضي؟… ألم يمتص استقالات نواب التيارات المدنية في مجلس الشوري -ومنهم من قام هو بتعيينهم- دون أن تهتز له شعرة؟… ألم يستهن بمسلسل استقالات المحافظين والوزراء والمتحدثين الرسميين ما بين الرافضين لسياساته وبين القافزين من المركب قبل أن تغرق؟… ألم يقبل أن يرسل أنصاره البيانات المغلوطة إلي الخارج لتزييف المقارنات بين حشود المصريين بالتهويل من حشود مؤيديه والتهوين من حشود معارضيه ثم بعد ذلك ينزلقون إلي ما يرقي إلي مرتبة الخيانة العظمي حين يستغيثون بالخارج للتدخل عسكريا في مصر وفرض الحصار الاقتصادي عليها من أجل حماية وتأمين استمرار حكمه البغيض؟!!.
خرجت مصر في طريق اللاعودة, وحمي الله مصر وشعبها من انفجار العنف والإرهاب لحسم الموقف لصالح الجماعة -وذلك لا يستعصي علي إدراك المتأمل لشريط أحداث عام مضي, فمقدار الاستئثار بالسلطة والاستبداد بالتشريع والتنكيل بالمصريين والفشل في تحقيق أي إنجاز يحسن من واقعهم المتردي والعناد والصلف إزاء انتهاج سياسات إصلاحية توافقية, بالقطع أورث الرئيس ونظامه وجماعته إدراكا مخيفا بأن ترك السلطة سيكون ثمنه فادحا وحساب الشعب لهم سيكون عسيرا… فلا مناص من التشبث بها حتي النفس الأخير.
لكن القيادة الحكيمة لقواتنا المسلحة لم يغب عنها كل ذلك واستشعرت خطورة استدراج الشارع إلي دوامة عنف دموي إزاء عناد وصلف الحاكم وجماعته أمام زئير المصريين طلبا للرحيل, فكان لزاما عليها أن تأخذ زمام السيطرة علي الأمور في يدها -ولأنها أعلنت مرارا عدم رغبتها في اقتحام معترك السياسة والحكم- فأرسلت إنذارا صارما لكل مسئول للعمل علي تحقيق مطالب الشارع الثائر وإدراك وفاق وطني قبل مضي 48 ساعة وإلا فأنها سوف تفرض خارطة طريق للمستقبل لتحقيق تلك المطالب تشرف علي تنفيذها بمشاركة جميع الأطياف السياسية والاتجاهات الوطنية -ولأول مرة- بمن فيهم الشباب مفجر الثورة.
ما لم تقله قواتنا المسلحة -لأنها آلت علي نفسها أن تقف علي مسافة واحدة من جميع الأطراف المتصارعة- إن الشارع المصري عيل صبره ولم يعد متقبلا لأية مبادرات من الرئيس مرسي… هذا الرئيس الذي دأب علي استفزاز المصريين ومارس عليهم قدرا مهينا من العناد والمكابرة والخداع وأهدر كل الفرص لتحقيق التوافق والمصالحة, لذلك صرخ الشارع بكل مرارة أن أوان المصالحة قد فات ولم يعد هناك سبيل سوي الرحيل… وهكذا تقطعت خيوط التوافق ودخلت غضبة الشارع مرحلة الاعتصام والعصيان المدني.
خرجت مصر وشعبها في 30 يونيو لاستعادة الثورة بأصالتها ونقائها… كل شاب وفتاة, كل رجل وامرأة, كل مسن أو طفل برئ, خرجوا جميعا ليعيدوا الثورة إلي مسارها الصحيح ويستعيدوا حلمهم في الحرية والكرامة ممن عبثوا به… وأقول لهؤلاء وأولئك: لا تجعلوا أحدا يشوه مقصدكم أو يفسد قضيتكم أو يختطف ثورتكم مرة ثانية, فالطريق مازال شاقا وطويلا, لكن نهايته السعيدة مرهونة بكم وبما تفعلونه سواء في الشارع أو في شتي كواليس السياسة بعد أن وضعت مصر قدمها علي طريق الخلاص مما أصابها… مصر تحتاج منا كل الوحدة والترابط والائتلاف, فالاحتشاد في الشارع يمكن أن يزيح الغمة, لكنه وحده لا يصنع التغيير المأمول… وأخيرا هنيئا للمصريين استعادة ثورتهم من خاطفيها.