بعد أيام ستعيش الكنيسة المسيحية في الشرق ذكريات صليب السيد المسيح وقيامته. هذه أحداث فارقة في التاريخ صنعت إيمان الكنيسة وشكلت طبيعته وحفظته بقوة قيامة مسيحها
بعد أيام ستعيش الكنيسة المسيحية في الشرق ذكريات صليب السيد المسيح وقيامته. هذه أحداث فارقة في التاريخ صنعت إيمان الكنيسة وشكلت طبيعته وحفظته بقوة قيامة مسيحها.
نفذ القادة الدينيون والسياسيون حكم الموت على يسوع الذي جال بين الناس يصنع خيراً: شفى مرضى وأقام موتى ورد خطاة إلى التوبة، أخرج أرواحاً شريرة من الناس وخرجت من فمه أسمى التعاليم عن الحب والتقوى. جسد في وسطهم محبة الله الأبوية الحانية ودعاهم للإيمان والثقة في الله وعنايته. لم يطلب يسوع ملكاً أرضياً ولم يسعى لمركز أو كرسي، لكن قادة الدين والسياسة رأوا أنه يمثل تهديداً لهم ولمراكزهم. قد نتعجب لهذا ونسأل لماذا؟ الإجابة واضحة وبسيطة، إنه الصراع الطبيعي بين الخير والشر. يتمثل الخير في حياة المسيح المحب الوديع وتعاليمه الصالحة والبناءة. بينما يتمثل الشر في نفوس هؤلاء الذين إمتلئوا بالبغضة والحسد والسعي وراء السلطة والرغبة في الحفاظ عليها بأي ثمن.
الخير له أهدافه وأسلوبه وكذلك الشر له أهدافه وأسلوبه. الخير يعمل لأجل الآخر في سلام للإصلاح والبناء. الخير يعمل بالحق والصدق، ويحفظ العدل والكرامة والمساواة. الخير عندما يرى العيب والنقص لا يكون هدفه أن يفضحه بل أن يصلحه ويشفيه. الخير يعمل في النور لأنه لا يوجد فيه عيب يحاول أن يخفيه. الخير دواء للداء، لا يتعالى عليه ولا ينفر منه بل يقترب إليه ويتحد به لتسري له قوة الشفاء. الخير مثل النور الذي ينساب وسط الظلام في هدوء ليقشعه. هكذا كانت حياة السيد المسيح على الأرض التي لخصها الوحي المقدس بالقول “جال يصنع خيراً”، والتي وضحها السيد نفسه في بداية خدمته طبقاً للنبوة القديمة عنه «رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ، ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ» (لوقا 4: 18-19).
أما الشر فيعمل لأجل ذاته ومصلحته. إنه لا يهتم بالآخرين بل يراهم أداة للوصول لمطامعه، وهو يستخدم كل الأساليب القانونية وغير القانونية لتحقيق ذلك. الشر لا يشعر بالأمان لأن وجوده دخيل على خليقة الله الصالحة. لذلك فهو يقاتل للبقاء، وهو يستخدم في ذلك كل الأساليب المشروعة وغير المشروعة لتحقيق أهدافه والحفاظ عليها. الغش والتزوير والكذب والعنف من أهم أساليبه وأسلحته. إنه لا يتوارى حتى عن قتل البرئ لأنه يعيش بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة. الشر يعمل بخبث في الظلام بمؤمرات ودسائس. إنه يبغض النور ويرفض الشفافية لكي لا تُفضح أعماله الدنيئة. الشر قوة غاشمة تتسلط في كبر وإستعلاء، لا تعرف إلا مصلحتها أما مصلحة الآخرين فليست في رؤيتها. الشر لا يقدر على البناء ولا يستهويه الإصلاح، لكنه ضالع في الهدم والإيذاء.
منذ سقوط آدم في الخطية، والإنسانية تعيش صراعاً محتدماً بين الخير والشر. وصل هذا الصراع إلى ذروته في أحداث القبض على يسوع وصلبه. كان يسوع هو التجسد الكامل للخير الذي شكل تهديداً لقوى الشر. فعملت هي بالتالي على التخلص منه مستخدمة في ذلك أسلحتها التقليدية من مؤامرات في الظلام، خيانة، إتهامات باطلة، شهود زور، تأجير للبلطجية، تحريك مضلل لفكر الجموع ومشاعرهم، أساليب الضغط والترهيب على أصحاب السلطة وصانعي القرار، ولم يخلو الأمر بالطبع من إستخدام العنف وأساليب التعذيب والسخرة. فاستطاع الشر من خلال هذا أن يستصدر أمراً ملكياً بإعدام يسوع صلباً. فساقوه حاملاً صليبه إلى الجلجثة حيث صلبوه هناك. لم تهدأ قوى الشر إلا بعد طعنه بالحربة في جنبه لتتأكد من موته. زيادة في الحرص تم ضبط القبر بأختام وجنود. هكذا ظن الشر أنه إنتصر على الخير.
لكن قيامة المسيح من الموت وخروجه من القبر وظهوره لتلاميذه لمدة أربعين يوماً تعلن حقيقة مباركة. إن النصرة الحقيقية ليست للشر بل للخير. إن سيطر الشر بقبضته على الأوضاع فترة لكنه لا يستطيع أن يبقى. فالشر دخيل وهو إلى زوال، أما الخير فباق مدى الأزمان لأنه مرتبط بدوام الله الصالح. بروح هذه الحقيقة نعيد بعد أيام. لقد قام المسيح من الأموات. الخير أبقى من الشر، الحب أقوى من البغضة، الحق يزهق الباطل، والنور يضيئ الظلمة ويبددها. هللويا.