في مطلع هذه السنة الجديدة٢٠١٣ لابد من الاشارة إلى معنى الزمن الذي يحملكم كما تحمل السفينة المسافرين عليها من مكان انطلاقها حتى مالها الاخير٠ فالزمن هذا ليس واضح المعالم والمعاني خارجا عن الوحي المقدس
في مطلع هذه السنة الجديدة٢٠١٣ لابد من الاشارة إلى معنى الزمن الذي يحملكم كما تحمل السفينة المسافرين عليها من مكان انطلاقها حتى مالها الاخير٠ فالزمن هذا ليس واضح المعالم والمعاني خارجا عن الوحي المقدس وعن إرادة الله فيه٠
ذلك ان الأقدمين من الحكماء المعروفين قبل المسيحية من الغرب اليوناني إلى الشرق الصيني، لم يروا في الزمن سوى : ” اله يأكل أولاده ” وجروهم غصبا عنهم إلى الفناء والموت، أو إلى دولاب ( عجلة ) يدور ليعود بالأحداث ذاتها في كل دورة من دوراته ولو استغرقت الآلاف من السنين٠ وفي الحالتين يكون الزمن بلا جدوى والحياة مجرد أحلام مزعجة لأصحابها ما لم يستريحوا من أي بحث فيها عن السعادة والخلق الإنساني، لأن مثل هذا البحث عمل عقيم، ومن الأفضل بنظرهم تسليم الذات للقدر حتى ولو كان أعمى وبعيدا من العقل والمداولات العقلانية٠
اما في المسيح يسوع، الذي نزل كلمة أزلية من حضن الاب الى ارضنا واتخذ جسما ترابيا من مريم البتول، فان الزمان اصبح مثل المكان، موضع تجسد ابن الله وفداؤه للعالم، وتحول الى خط مسير يمتد من ابتداء زرع ملكوت الله حتى نهايته او اتمامه عندما يشاء الله ذلك لعباده في كل الارض٠ وباختصار الكلمة أقول لكم : أن الزمن اصبح في المسيح فرصة جديدة يمنحها الله لكل إنسان كي يتجدد بالنعمة والحق ويجدد معه وجه الأرض والكون٠
فالمسيحية تعلم وجود إنسانية فينا وفي البشرية جمعاء، الأول منهما هو الإنسان القديم الذي اعاقته الزمن لان الشر قد أفسده سابقا وفقد الرجاء بتجديد العهد مع الله وخلاصه٠ أما الإنسان الثاني فهو إنسان الحياة الجديدة والنفس الكشفية من أمراضها كافة والتي صبرت بقوة النعمة والخلاص قادرة على تحقيق ما يطلبه الله منا من خير وصلاح وتجديد٠
ولنذكر في هذا المجال ما قاله الرسول بولس إلى المسيحيين الأولين في مدينة كورتني التي هي على الشاطىء اليوناني :” انظروا دعوتكم يا إخوتي فليس فيكم حكماء كثيرون في الجسد ولا أقوياء كثيرون، ولا كثيرون من ذوي الحسب الشريف٠ بل الله قد اختار جهال العالم ليغزي الحكماء والضعفاء في العالم ليغزي الأقوياء لكي لا يفتخر لديه كل ذي بشر ” ٠ ( ١ قورنتس ٢٦ – ٢٨ ) ٠ بهذا الكلام تفقدون متفهمون مقاصد الله، فهو قد قبل بإرادته أن يتواضع ابنه الوحيد إلى حد ولادته في مغارة و مزود حقير، وموته على خشبة العار، وقد كان ذلك ليصل إلى قعر الإنسانية الضعيفة ويعيد إلى كل فرد منا كرامته ومكانته وحفظه في الحياة والبهاء الذي ولد فيه الإنسان الأول على يد الله في الفردوس السماوي٠
المسيحية تعلمكم إذا أن الله يعطي حظاً جديدا لكل إنسان أينما ومهما كانت أوضاعه لكي يستقيم ويكون إنسان صالحا نقيا ويحيا أمام وجهه القدوس٠ لذلك فان إيماننا هو صانع الرجاء فينا، ذلك الرجاء الذي لا يخزى والذي لا يخيب أبدا ٠ والمسيحيون الحقيقيون هم الذين يتطلعون دائماً إلى هذا المستقبل الآتي حيث الخلاص مما نشكو منه من جهل وخطر وانقسام وموت٠ وان كان الله زرع خلاصه في هذه الدنيا فان يده سوف تقوم وتصلح كل اعوجاج وتشرق علينا شمس جديدة من حب ومن ضياء، هي شمس الأزلية التي لا تنطفئ٠
هكذا أيها الأحباء فإنكم تستقبلون العام الجديد ٢٠١٣ ، وكل عام جديد ، فرصة من السماء تستفيدون منها لتعلموا على تحقيق ما يريده الله لكم من خير ومن بر٠ وانتم الذين لا تستطيعون أن تزيدوا يوما واحدا على حياتكم ، أفرحوا لأن الرب يعطيكم كل أيامكم وكل سنواتكم لتمجدوه وتسبحوه فيها وتعلموا بمشيئته فتكبروا عاما بعد عام إلى أن تبلغوا بالحب والقداسة وملء قامة المسيح٠ لكننا في فعل الحياة هذا نخشى أن نكون في الغالب من الغافلين، وان يصبح الوقت المعطى من قبل الرب في حياتنا وقتا ضائعا وفرصة ذهبية مهدورة وبلا معنى. وما يصح في الأشخاص منا يصح أيضاً في الجماعات وفي المجتمعات والأوطان٠ نعم أيها الأحباء، ان وجودنا في هذا الشرق هو رسالة ومحبة وحضارة٠ وهذه الرسالة تحتاج إلى أيد تحملها وقلوب تنفتح لها وعقول تعهدها، وما لم يكن ذلك، تضيع الرسالة على أصحابها٠
وان كان لنا فحص ضمير في بداية هذا العام الجديد فلنقبل ان الفرص التي أعطيت لنا من الله ومن الزمن في كل تاريخنا الحديث لم تكن زهيدة أو تأدية إلا أننا نحن الذين أمعنا الكثير منها وفوتنا على ذواتها إمكانيات تقدم وتطوير أكثر مما حصل وتم٠ نحن في هذه البلاد شعب واحد في مصيره وحياته، فلنعمل من اجل هذه الوحدة عن ثقة بالله وبالنفي وبعزم لا يلين٠ وان كان عندنا الخير العام عندنا واحداً فلنسأل عنه دون حسابات خاصة ودون أفكار مسبقة ولنحاول إيجاده سوية بقلب محب وعقل منفتح ودون أي تشنج أو تعصب٠ ولتثبت وحدتنا واتفاقنا على الخير وعلى المسؤوليات نحملها معا من اجل مال مستقبل كل من أوطاننا وكنائسنا٠ فلنغتنم هذه الفرصة لتكون لنا مجالا لتأكيد حضارتنا، حضارة اللقاء والمحبة والتعاون٠ أننا نقف أمام فعل حرية في حياتنا الوطنية هو في الوقت عينه فعل محبة وعقل وإيمان٠
فليعطني الله ان نكون في هذه السنة وكل ما نريد ان يتحقق فيها من إنجازات على طريق خدمة بلادنا وكنائسنا الخدمة الحقة، وحمل رسالتان بما يرضي الله والضمير ، وثقوا أيها الأحباء أنكم آنذاك تكونون على طريق العادة ويتذوقون طعمها٠
فليكن الله معكم في ما تقصدون و تبغون وتترجون، وإله الحب يرعى نفوسكم كل سنوات العمر حتى النهاية٠