تشير الكثير من الكتابات والأعمال الفنبية والأدبية إلى أن المجتمع المصرى قد شهد منذ السبعينيات تحولات كبرى على مستوى الثقافة والمجتمع، وهذه التحولات شملت مختلف نواحى الحياة من اللغة إلى الأزياء والمعمار وغير ذلك.
تشير الكثير من الكتابات والأعمال الفنبية والأدبية إلى أن المجتمع المصرى قد شهد منذ السبعينيات تحولات كبرى على مستوى الثقافة والمجتمع، وهذه التحولات شملت مختلف نواحى الحياة من اللغة إلى الأزياء والمعمار وغير ذلك. وللأسف فإن غالبية المكونات الثقافية والاجتماعية أخذت فى السير نحو الأسوأ. فقد إحتل القبح المساحات واستعمرها وغير هوية المجتمع وقيمه. والأخطر فى الأمر أن القبح لم يعد، بفعل الثقافة، شيئا غريبا وإنما مألوفا ومرغوبا لدى الكثيريين، وبمرور الوقت تشكلت ثقافة تدافع عن القبح وتبرره وتفرضه، حتى أصبح الاحساس بالجمال أمرا منبوذا إن لم يكن مجرما بالمعنى الثقافى والأخلاقى. ولا أقصد بالجمال أية تصنيفات محددة، وإنما أقصد به الاحساس بجماليات الأشياء البسيطة والطبيعية، كأن نرى الطبيعى جميلا، وفقط. وهكذا أصبحت الفئات الرافضة للقبح والمحبة للجمال وكأنها غريبة فى وطن بات كل مافيه يستمرئ القبح أو يتعايش معه ويعاقب الجمال فيما هو طبيعى.
وجاءت “ثورة” 25 يناير وتصور البعض أننا سننتقل من زمن القبح إلى زمن الجمال، ولا ننكر أن الثمانية عشر يوما التى سبقت رحيل مبارك شهدت العديد من المآسى ولكنها شهدت كذلك نزوعات نحو إعلاء شأن الجمال على مستوى التعبير وتحرر الطاقات الفنية على الأقل فى الميادين. ولكن رحيل مبارك وإن شكل انتصارا بالمعنى السياسى، إلا أنه لم يتضمن أى نوع من الانتصار الثقافى أو حتى القيمى. وللأسف فما حدث جاء عكس المتوقع، حيث شهد المجتمع انفلاتا للقبح، فطفح أكثر على السطح وصار أكثر قسوة وأكثر عنفا. بل ثمة ما هو أكثر من ذلك، فقد ارتبط القبح أكثر بالسياسة فأصبحت معركة القبح والجمال معركة سياسية بإمتياز. وهكذا أصبح للقبح قوة سياسية نظامية تدافع عنه وتسعى لتحصينه بالقانون والتشريع، وتوليده من خلال الثقافة والتعليم.
وفى هذا المناخ زادت تخوفات أولئك الذين يقدرون الطبيعى والجميل فى الحياة، ودفعت البعض إلى التفكير فى الهجرة وترك الوطن. وللأسف فإن طبيعة الصراعات السياسية وطريقة إخراجها إعلاميا لم تتح لنا من الوقت لكى نتحدث كثيرا عن معركة القبح والجمال فى مرحلة ما بعد الثورة. وفى خضم الصراخ والعويل السياسى ينزوى الجمال ثقافيا وفنيا، وينتشر القبح لنراه ونلمسه ونشمه كحالة لزجة تنتشر فى أرجاء المجتمع. ويستشعر ذلك حتى الغرباء ممن يأتون لزيارة مدينة كالقاهرة، حيث يكون التعليق دائما: ليست هذه القاهرة التى نعرفها ونحبها.
وعلى سبيل المقاومة السلبية، فقد ارتبط بهذا الوضع نوع من السلفية الجمالية والحنين للجمال ولكن على مستوى الصورة، ونجد هذا الاتجاه واضحا فى الفضاء الافتراضى من خلال الفيس بوك واليوتيوب، فثمة استدعاء من قبل البعض لصور من زمن الستينيات والخمسينيات، لنعيد إلى الذكرة مشهد الفن أو المعمار أو حتى الشوارع، ويأتى هذا كهروب من الواقع والحنين إلى الماضى وجمالياته.
أعتقد أن علينا، شئنا أم أبينا، الإعتراف بأن الصراع بين القبح والجمال قد بات مسالة سياسية، فلا يكفى أن نتحدث عن تعديلات دستورية أو تطهير مؤسسات أو إحلال وتبديل فى المواقع، فثمة جبهة حاسمة تدار فيها صراعات غير متكافئة على المستوى الثقافى والاجتماعى، وهى الصراعات بين ثقافة القبح وثقافة الجمال، صراع بين الطبيعى والمصطنع، بين ثقافة الموت وثقافة الحياة. وأتصور أن علينا جميعا بغض النظر عن انتمائنا لهذا الفصيل السياسى أو ذاك أن نعى بأن محاربة القبح هى جزء لا يتجزأ من بناء مجتمع الحرية والعدالة الاجتماعية.