منذ نحو سبع سنوات استضافصالون وطني الكاتب والمفكر الأستاذ سيد القمني ودار النقاش حول أحوال مصر في ذاك الوقت حيث كان الصراع محتدما تحت السطح بين السلطة التي تدعي دفاعها عن الديموقراطية وبين جماعة
منذ نحو سبع سنوات استضافصالون وطني الكاتب والمفكر الأستاذ سيد القمني ودار النقاش حول أحوال مصر في ذاك الوقت حيث كان الصراع محتدما تحت السطح بين السلطة التي تدعي دفاعها عن الديموقراطية وبين جماعة الإخوان المسلمين التي تدعو لحكم الإسلام والدولة الدينية…وكان ذلك الصراع يدور تحت السطح لأنه لم يكن مسموحا له أن يدور في الحلبة السياسية,بل في ظل حظر نشاط جماعة الإخوان المسلمين كان الصراع يحسم أمنيا وبوليسيا,أدواته التعقب والقبض والاعتقال والحبس لأعضاء وأنصار الجماعة حتي إن الكثيرين رأوا أن الجماعة استفادت من ذلك البطش بالترويج لاضطهاد الإسلام من قبل السلطة الكافرة ووصل الأمر إلي تصوير البعض لذلك المشهد علي أنه منافسة شرسة بينالحزب الوطنيالذي يحتكر السلطة وبينحزب المسجد حيث تمارس جماعة الإخوان نشاطها السياسي في ظل الحظر.
وعلي صعيد الثقافة والفكر كان هناك صراع آخر يدور بين أنصار الدولة المدنية وبين أنصار الدولة الدينية أو من ينادون بشعارالإسلام هو الحل,وكان سيد القمني من المفكرين البارزين الذين سخروا قلمهم للدفاع عن الدولة المدنية والتحذير من مغبة الدولة الدينية,لذلك شهدصالون وطني الذي أشرت إليه سجالا ساخنا في هذا السياق, وأذكر أن سيد القمني في نهايته قال قولا مؤثرا لا أنساه وهو ما أستدعيه هنا لأن التداعيات السياسية طوال العام ونصف العام الماضيين أثبتت صحته بدرجة كبيرة ووجب علي تسجيله…قال سيد القمني:أخشي علي مصر أنها إن لم تتعظ من هول تجربة الدولة الدينية في إيران سيكون مقدرا لها أن تصاب بالوقوع في براثن الدولة الدينية قبل أن تشفي منها.
إن الصراع الذي أصبح يدور علنا بعد قيام ثورة 25يناير بين الثوار أنصار الدولة المدنية وبين تيار الإسلام السياسي بزعامة جماعة الإخوان المسلمين بات هو التحدي الرئيسي الذي يتوقف عليه مصير ومستقبل هذا البلد,وكما شهدت الشهور المنقضية من عمر الثورة مواجهات عنيفة متكررة بين الفريقين بالقطع سوف تشهد الفترة المقبلة مواجهات شرسة يحاول كل فريق فيها ترجيح كفته وتمرير استراتيجيته وسيكون علي المواطن المصري في النهاية حسم اختياراته بين الفريقين.
وعندما أقول إن المواطن المصري هو من سيحسم الصراع بين الثوار وبين الجماعة,تبرز خطورة مقولة سيد القمني ومعها تساؤل:هل المواطن المصري الذي سبق وأن تعاطف مع جماعة الإخوان المسلمين وتيار الإسلام السياسي إبان عهود البطش والحظر مايزال يهفو إلي الدولة الدينية وحكم الجماعة؟…هل ما دأبت الجماعة علي التبشير به من السلام والعدالة والرفاهية للجميع مايزال صامدا مقنعا للناس؟…هل الأساليب التي تنتهجها الجماعة في إدارة الصراع مع التيارات الأخري منذ صعودها للساحة السياسية بعد الثورة ترسخ الشفافية والمصداقية وقبول الآخر وتطمئن المواطن علي غده ومستقبله؟….
إن الإجابة علي هذه الأسئلة وغيرها الكثير تثبت أن المصريين مايزالون منقسمين بين الدولة المدنية والدولة الدينية,لأن شريحة لا يستهان بها منهم ستجيب علي تلك الأسئلة بنعم, بينما شريحة أخري ستجيب عليها بلا…لكن العبرة في النهاية ستكون فيمن ينتصر علي الآخر ومن تكون له الغلبة, وهذا عينه هو تحدي الأيام المقبلة الذي أقف أنا إزاءه متفائلا بانتصار الدول المدنية…ولا يتصور أحد أن تفاؤلي هذا مرجعه سياسات وجهود وتكتلات أنصار الدولة المدنية-فذلك حلم وأمل مايزال بعيد المنال-إنما تفاؤلي في الحقيقة مرجعه سياسات وجهود وتكتلات أنصار الدولة الدينية وعلي رأسهم جماعة الإخوان…ولا تتعجبوا من هذا فالذي عايش واقع مصر بعد ثورة25يناير وشهد الصعود المضطرد للجماعة وتيار الإسلام السياسي واجتياحهم لميدان التحرير وإصرارهم علي الانفراد بالخطاب السياسي وإقصاء الآخرين,ثم لجوءهم إلي تديين استفتاء19يناير علي التعديلات الدستورية, ثم انفرادهم وحدهم بالإصرار علي الانتخابات البرلمانية قبل كتابة الدستور توطئة لاختطاف الجمعية التأسيسية للدستور ثم أداءهم الهزيل تحت قبة مجلس الشعب طوال ستة أشهر,ثم اعتصامهم في التحرير وتهديدهم بحرق مصر إن لم يفز محمد مرسي برئاسة الجمهورية,ثم انقضاضهم علي شتي المراكز القيادية والمناصب العليا في مؤسسات وأجهزة الدولة فيما يعرف بمسلسل أخونة الدولة,وأخيرا سقطتهم الأسبوع الماضي في ميدان التحرير بقيامهم بإعادة إنتاج العنف والإرهاب والضرب والتحطيم ضد مظاهرات سلمية في مشهد كريه كنا نعتقد أنه لن يعود مجددا لميدان التحرير-لكنه عاد-وجاء بعده مشهد أكثر انفلاتا وإرهابا عندما زحف أنصار الجماعة بعد أن عاثوا فسادا في التحرير نحو دار القضاء العالي لمنع النائب العام من دخول مكتبه!!…من عايش ذلك كله لابد أنه يري أن الجماعة أساءت لنفسها كثيرا.
أمام كل هذا أقول:شكرا جماعة الإخوان…أثق أنكم قد أسأتم كثيرا إلي أنفسكم وأصبتم الكثير من المصريين بالتوجس والقلق-إن لم يكن بالفزع والرعب-إزاء نواياكم بمصر وماذا أنتم فاعلون بها وبشعبها…شكرا جماعة الإخوان…بفضل ما فعلت أياديكم يمكنني أن أراهن أن مصر سوف تتعظ من تجربة الدولة الدينية في إيران وسوف تشفي من الإصابة بها دون الوقوع فيها.