هانحن نغادر عام 2007 ونتأهب لنخطو أولي خطواتنا في عام 2008,عام جديد آخر نستهله بتبادل التهاني والأماني وكأننا نفتح صفحة جديدة ناصعة البياض وكشف حساب جديدا بلا رصيد مدين…لكن الحقيقة غير ذلك ,فنحن نبدأ العام الجديد حاملين معنا رصيدا مثقلا بالألم والأمل,فواقعنا علي كافة الأصعدة يجمع بين الإنجازات والإخفاقات,ومشاكل مجتمعنا لاتزال متراكمة غزيرة -سواء الموروث منها أو المتجدد- بالرغم من أن ملامح التغيير ماثلة أمامنا كشعاع الضوء الذي نبصر من خلاله نهاية النفق المظلم.
أمامنا عمل كبير لتجاوز واقعنا وإدراك التغيير المأمول…وأعود لأقول إن عام 2008 هو عام المواطنة,حيث ترقد مواطن خلل عديدة تكتنف تفعيل معايير المواطنة والمساواة بين أبناء هذا البلد,وهناك أمور كثيرة تفضح أشكال التمييز بين المصريين وتسبب معاناتهم وتعطل انطلاقهم نحو تنمية بلدهم…التمييز بين الغني والفقير,بين الرجل والمرأة بين المسلم والمسيحي-وغيرهم من أتباع العقائد والمنتقلين فيما بينها-بين الصفوة من أصحاب السلطة والنفوذ والبسطاء العارين من الحصانة والحماية,بين دعاة الحداثة والتنوير ودعاة الرجعية والتزمت,بين دعاة الدولة المدنية ودعاة الدولة الدينية…إلي آخر تلك التناقضات التي لاتزال تتفاقم وتستفحل وتجثم علي صدر مجتمعنا تمثل قنابل موقوتة تنفجر بين الحين والآخر,أما نحن فلنا قدرة غريبة علي غض البصر عنها ورسم الابتسامات علي وجوهنا وتبادل التهاني بالعام الجديد!!
إن كل التناقضات التي ذكرتها بين فئات هذا المجتمع يجمعها قاسم مشترك لايجب أن نغفل عنه,وهو قسمة المجتمع إلي فئتين:فئة المطمئنين المستقرين,وفئة المعذبين المهمشين,وبين الفئتين هناك فجوة متسعة خطيرة تهدد أمن وسلام هذا المجتمع…إنها بمثابة أخطر قنبلة موقوتة,فالفئة المطمئنة يعميها اطمئنانها واستقرارها عن إدراك مواطن الخلل بل إنها تعمل علي ترسيخ كل مكتسباتها وتقاوم التغيير الحتمي لصالح الفئة المعذبة,والفئة المعذبة يقتلها اليأس والضياع والحيرة,وتتملكها مشاعر الحسد والحنق إزاء الفئة المطمئنة حتي تصل إلي درجة تهديد وتغييب إحساس الانتماء إلي هذا الوطن في داخلها.
من لايدرك مغزي هذا الكلام فليتأمل التحديات التي نحملها معنا ونحن نغادر عاما يمضي وندخل عاما جديدا:بالرغم من كل إنجازات مسار الإصلاح الاقتصادي وثماره التي نرصدها علي المستوي القومي مازال يعوزنا الوقت حتي تصل تلك الثمار إلي المواطن البسيط المطحون لتسيطر علي الغلاء والتضخم ولتقدم له ولأبنائه فرصة عمل ,ولا أدل علي ذلك من مآسي الشباب المصري البائس اليائس الذي كفر من فرصة لاتجيء في وطنه فألقي بنفسه في التهلكة في زوارق غير آدمية يهرب بها إلي أي شاطيء غريب سعيا وراء فرصة…إنها ليست بطولة علي الإطلاق بل هي مغامرة يائسة من غريق يتعلق بقشة,ويبقي أنه علي الفئة المطمئنة أن تدرك مغزي ذلك لتستشعر مسئوليتها إزاء شباب هذا الوطن…أيضا الواقع البائس اليائس للمجتمعات العشوائية المنتشرة حولنا في كل مكان -حتي أنها باتت تزاحم مجتمعات الصفوة وتقترب منها وتتقاطع معها في مسارات الحياة اليومية-إنه واقع مترد تجهله أو تتجاهله الفئة المطمئنة وتستشري فيه معايير بشعة للانهيار الاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي بشكل ينذر بانفجاره…ولعل من المفارقات التي تمثل جرس إنذار للفئة المطمئنة تلك الأفلام السينمائية التي ظهرت مؤخرا والتي جسدت هذا الواقع المخيف الذي يسود قاع هذا المجتمع والتي أفزعت الكثيرين الذين لم يدركوا حقيقة خطورته وتركتهم أمام تحدي العام الجديد:ماذا هم فاعلون إزاءه؟
وإذا فتحنا ملف التمييز بين المصريين سنجد تحديات جمة لعلاج مشاكل مستفحلة أكثرها مسكوت عنه,فلا يزال مجتمعنا يتنكر لكل من هوآخرأي كل من هو مختلف عن الأغلبية أو لاينتمي لأصحاب السطوة,فالمساواة بين الرجل والمرأة لاتزال موضع مساومات كريهة حول مايمكن أن يجود به الرجل,وشعارات تمكين وتكريم المرأة لاتزال ملموسة في المؤتمرات الشعبية والاحتفالات أكثر منها في الحياة المعاشة ,حتي أن المجتمع مازال متمسكا بتخصيص نصف جسده التشريعي للعمال والفلاحين بدلا من تخصيصه للمرأة التي تمثل المكون الطبيعي للنصف…ناهيك عن الاستغراق في البحث عما يسمح به الدين للمرأة وما يمنعه عنها,وهنا يستنزف المجتمع نفسه في التشدق بحرية المرأة كلاما ووضعها تحت الوصاية فعلا .
ولايمكن في هذا المجال إغفال ملف الآخر الديني,وأمامنا في تحديات العام الجديد واقع الأقباط وحتمية تفعيل حقوق المواطنة بمساواتهم مع إخوتهم المسلمين في مجالات غير قليلة أكثرها تناولته وثيقةإعلان المواطنةالصادرة عن المجلس القومي لحقوق الإنسان…وها نحن نغادر عام 2007 حاملين معنا تفاصيل مأساة أحداث إسنا التي لايزال إعلامنا يحلو له أن يصفها بالأحداث الطائفية,ومسئولينا يحلو لهم أن يعالجوها بجلسات الصلح العرفية بينما هي تكرار مشين للمساواة بين الجاني والمجني عليه,وتغييب مؤسف للقانون والعدالة وتقاعس عن تعقب وعقاب الغوغاء الذين أصبح تكرار هذا السيناريو يرسخ في عقولهم المريضة أن كل خلاف أو مشاحنة بين مسلم وقبطي مدعاة لهم أن ينطلقوا مغتصبين صولجان القانون في أيديهم ومنزلين القصاص بكل ما هو قبطي من كنائس أو ممتلكات أو أرواح دون أن يحاسبهم المجتمع علي ذلك.
إن أمامنا في العام الجديد عملا كثيرا وتحديات أكبر…لذلك أقول إننا ندخله برصيد مثقل بالألم والأمل.