أهم أخطاء العرب في الصراع العربي الإسرائيلي, أنهم استطاعوا وببراعة أن يجعلوا من أمريكا عدوا, رغم أن الموقف الأمريكي تاريخيا كان مترددا في ما يخص إقامة دولة إسرائيل أو منحها تأييدا مطلقا. ولكن من سوء حظ العرب أن كان أمرهم بيد جيل من زعماء الشعارات ممن كانوا يقولون: سنحارب إسرائيل ومن وراء إسرائيل, وإذا ما سألتهم من يقصدون قالوا من دون مواربة إنهم يريدون حربا مع أمريكا. وهناك آخرون ممن نادوا بحرب مع الغرب علي إطلاقه بما فيه من يؤيدون إسرائيل ومن لا يؤيدونها, فتحول من كانت مواقفهم في الخانة الرمادية إلي أصدقاء لإسرائيل, ولم تضطر إسرائيل إلي أن تبذل مجهودا يذكر في كسب ودهم, فقط تركت العرب يؤدون وصلة من الحروب الكلامية التي كرهت العالم فيهم وتحول الغرب إلي مدافع عن الحق الإسرائيلي. كيف تحول العرب إلي أعداء لأنفسهم وقضاياهم, هذا موضوع يحتاج إلي ورش عمل طويلة عريضة يحدث فيها حوار أمين حول قدرتنا العجيبة لتحويل الأصدقاء إلي أعداء. فهل سنفعل هذا مع الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما؟ هل سننجح في تحويل أوباما إلي عدو؟
لم يأت علي الولايات المتحدة رئيس بحساسية أوباما تجاه قضايا الظلم والعدل, فهو رجل ذو علاقة خاصة بقضايا المظلومين لأنه وكما هو معروف ينحدر من عرق تعرض لأعظم حالات الظلم الإنسانية. ومن يعرف التركيبة النفسية للملونين في الولايات المتحدة, يدرك أن باراك أوباما لديه حساسية خاصة تجاه الملونين, والعرب في التقسيمة الغربية للأعراق يقعون في هذه الخانة. ومع ذلك لدينا أناس في العالم العربي ممن تخصصوا في التشكيك, وسوف يتحفوننا بمقولات مفادها أن الرئيس الأمريكي محدود الصلاحيات وأنه محكوم بسياسات تصنعها مؤسسات أكبر وأقوي نفوذا من شخص الرئيس. هذا إلي حد ما صحيح, ولكن أوباما لديه قدرة كبيرة كرئيس علي الحركة والتأثير وربما تغيير سياسات قديمة.
خطاب الرئيس الأمريكي إلي العالم الإسلامي من القاهرة ربما لن يكون باهرا للمجموعات الراديكالية من العرب التي لن ترضي عن أوباما إلا إذا أصبح عضوا في الجماعات الإسلامية أو منتميا إلي فكر القوميين العرب. أوباما رئيس الولايات المتحدة تحكمه, كما قلنا, معايير وقواعد أميركية لن يحيد عنها كثيرا, ولكن كل المؤشرات تقول بإنه سيكون أكثر تعاطفا مع قضية العرب الأولي ممن سبقوه من رؤساء أمريكا منذ عام 1947 حتي الآن. لهذا يجب أن يحاول العرب أن يكسبوه صديقا بدلا من تحويل صديق محتمل إلي عدو. ليس عندي شك أن لدينا في العالم العربي من الساسة ومن الإعلاميين من كتاب الأعمدة إلي أبطال التوك توك شو ممن أدمنوا شهر العداء لرؤساء الغرب وزعمائه, والإعلام العربي بالأصل هو إنتاج الساسة الذين اكتشفوا فيما بعد عندما أصبح هذا الإعلام المعبأ بالشعارات عبئا عليهم, أنهم قد صنعوا سجونهم الكلامية بأنفسهم. هؤلاء استسهلوا التحريض علي الغرب لظنهم أن هذا يتلاءم ومزاج الداخل العربي ويحقق لهم شعبية رخيصة, غير مدركين أن سياسة خلق الأعداء هي سياسة غبية في النهاية وستضر أول ما تضر مصالح العرب أنفسهم. ولن يكون أوباما في ذلك مختلفا, فأوباما هو رئيس أمريكا, وأبطال التوك توك شو لدينا يتلذذون بمقاومة الدول العظمي علي الشاشات وعلي صفحات الجرائد. وهذه نرجسية بامتياز, فلا يهم هؤلاء تحقيق مصالح عليا للعرب بعيدة المدي بقدر ما يهمهم تحقيق بطولات شخصية وهمية.
لا بد أن نأخذ دعوات باراك أوباما المتكررة إلي الحوار مع العالم الإسلامي ورغبته في حل الصراع العربي الإسرائيلي علي محمل الجد. وأن نري في أوباما نفسه من خلال هذه الدعوات صديقا لا عدوا تحت أي ظرف من الظروف, فلدينا ما يكفينا وزيادة من أعداء في هذا العالم. في جو يكون فيه الرئيس الأمريكي صديقا محتملا وإسرائيل في أسوأ صورها لدي الرأي العام الغربي بعد حرب غزة, إضافة إلي السمعة السيئة لأعضاء حكومتها بداية من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حتي وزير خارجيتها المعروف بتطرفه وكرهه للسلام, في مثل هذا الجو الذي يعتبر فرصة ذهبية للعرب, يجب ألا نخسر تعاطف وتأييد الولايات المتحدة ممثلة برئيسها والإدارة الجديدة, وإذا خسرنا هذه المرة فبلا أدني شك احتمالية الكسب مع إدارة أمريكية أخري ستكون جد ضئيلة.
محادثات أوباما مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في واشنطن الأسبوع الماضي, هي مؤشر لما سيقوله في الرياض والقاهرة. وكان واضحا في لقاء أوباما ـ عباس, وبتقدير كل المراقبين, أن اللقاء كان أكثر دفئا من لقاء أوباما ـ نتنياهو, وهذا ما أشار إليه الرئيس عباس نفسه. في الرياض, يتوقع أن يكون اللقاء مثمرا, خصوصا أن الرئيس أوباما التقي الملك عبد الله بن عبد العزيز من قبل في لندن في أثناء قمة العشرين, وحدث ما يشبه التقارب بين الزعيمين, حسب مصدر عليم. وكذلك متوقع في القاهرة, فالرئيس المصري حسني مبارك معروف عنه براغماتيته في التعامل مع الرؤساء الأمريكيين, مع الأخذ بالاعتبار أيضا خصوصية العلاقة المصرية – الأمريكية, وتحديدا الشق العسكري منها.
لقاء أوباما كلا من الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس حسني مبارك سيكون بمثابة انطلاقة جديدة لعلاقات عربية – أمريكية. القاهرة والرياض اليوم هما قلب العالم العربي وثقله السياسي والاقتصادي, وإذا ما نجحت القيادات في هاتين العاصمتين العربيتين المهمتين بالتنسيق بين الدولتين علي مستوي أقرب إلي علاقة الطيار بالطيار المشارك (CO-PILOT), أي في إطار مفهوم ثنائية القيادة في التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية فيما يخص القضايا العربية الجماعية, وخصوصا القضية الفلسطينية, فإن هذا التنسيق المشترك سيحول الحديث عن هذه المسألة من عالم عملية السلام التي تركز علي العملية دون السلام, إلي عالم الواقع الملموس علي الأرض الذي يشمل وقف المستوطنات والتعامل مع قضايا الحل النهائي بجدية توصلنا إلي حل الدولتين.
المطلوب من العرب قبل زيارة أوباما للرياض والقاهرة, اتخاذ موقفين أساسيين: الأول هو دعم الدول العربية الأخري لفكرة أن السعودية ومصر تديران العلاقة العربية – الأمريكية, من خلال القيام بزيارات عربية لهاتين العاصمتين توحي بأن الدول العربية قد فوضت القاهرة والرياض في التعامل في الملف الفلسطيني, أو ربما كل ملف الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية. أما الموقف الثاني, فهو عدم تبني نغمة النضال الكاذب في الفضائيات والصحف فقط للظهور بمظهر الأبطال بغض النظر عن مصالحنا الحقيقية, مما قد يحول أوباما من صديق محتمل إلي خصم حقيقي, ولنا تاريخ في إنجاز هذه المهمة بامتياز مع رؤساء أمريكيين سابقين, فهذا كارتر الذي يشيد به معظم العرب اليوم, هو كارتر الذي كنا ننعته بأسوأ النعوت يوم خدع السادات بالتوقيع علي معاهدة كامب ديفيد. لقد احتجنا إلي عشرات السنوات كما حدث في حالة كارتر حتي ميزنا بين رئيس أمريكي يمكن صداقته وآخر ليس من عداوته بد. لدينا فرصة قوية لكسب أوباما إلي الصف المؤيد للقضية العربية الكبري, ولا بد أن نكسبها.