2 مايو ذكري رحيل صديقي العزيز مؤسس جريدة وطني الذي توفي في مثل هذا اليوم قبل خمس عشرة سنة بالضبط.. أي في سنة 1995م أنطون سيدهم عليه ألف رحمة, وهو حاليا يعيش في مكان أجمل من دنيانا النكدة.
وأراهن أن الدهشة طرأت علي وجه حضرتك وأنت تسألني: إزاي يا عمنا تصفه بأنه صديقك وبينك وبينه نصف قرن علي الأقل؟؟ والإجابة إنه كان صاحب قلب كبير قادر علي استيعاب الجميع.. الشيوخ والشباب. عرفته أوائل التسعينيات قبل وفاته ببضع سنوات في ظروف حرجة جدا ولذلك توثقت علاقتنا بسرعة, وكان الإرهاب في مصر علي أشده, والقتل وعمليات العنف الطائفي لا تنتهي, فاجتمع العقلاء من المسلمين والمسيحيين للتصدي له وهكذا التقينا.
وأستطيع تلخيص مواصفات صديقي أنطون سيدهم – رحمه الله – في كلمتين بالضبط قائلا: إنسان نبيل, وفي إطار تلك الصفة تستطيع أن تلمح في شخصيته العديد من الخصائص الإيجابية التي تشكل في النهاية مواصفات المصري الجميل الذي يستحق تعظيم سلام.
وأول ما تراه في شخصية صاحبي الجميل أنه صاحب قلب كبير.. ذوق وأدب وأخلاق وحنان, وفي ذات الوقت تجده قويا نجح في التصدي للمصاعب التي واجهته في حياته واجتازها بنجاح.
والأمر الثاني أنه متدين ومخلص للكنيسة, لكنه غير متعصب, وهنا أتوقف لأن ما أقوله يحتاج إلي شرح, فأسباب التوتر في مصر عديدة تتحملها جميع الأطراف من المسلمين والأقباط والحكومة ذاتها التي أراها تتحمل الجزء الأكبر من تلك المصيبة!! ومن المؤسف أن العديد من المسيحيين يضعون التيار الإسلامي كله في سلة واحدة! وكلهم إرهابيون ويكرهون الأقباط, لكن أنطون سيدهم كان مختلفا عن هؤلاء, وقادرا علي التمييز بين الغث والسمين, والتفرقة عنده واضحة بين الإصلاحيين في التيار الإسلامي والمتشددين! وارتبطت به أكثر عندما أعلن في وضوح عن تضامنه معي في انتخابات نقابة الصحفيين وكان في استطاعته المراوغة أو التزام الصمت علي أساس أن السكوت من ذهب في هذه الحالة!! لكنه رفض ذلك وأعطي صوته لشخصي المتواضع, ولم يكتف بذلك بل قال لكل من يعرفه من الأقباط: انتخبوا محمد عبدالقدوس! ويا راجل يا عظيم لن أنسي لك هذا الموقف أبدا وياريت مصر كلها أو حتي نصف أبناء مصر يتخذون من أنطون سيدهم قدوة ومثلا أعلي في التدين والتسامح في ذات الوقت! ولو حدث ذلك لانكمش هذا التعصب والتوتر الطائفي الذي نراه وتراجع إلي حد بعيد! والمشكلة أن التدين عندنا أصبح مرتبطا عند الكثيرين بالتعصب وكراهية الآخر, ومفتاح الحل يتمثل في أخلاقيات صاحبي الراحل وأمثاله من أبناء مصر الطيبين.
وأعجبني كذلك في المرحوم أنطون سيدهم أن مسيرته تشهد له أنه إنسان شاطر سواء في مجاله الأساسي المتمثل في الحسابات والأرقام أو في تلك الصحيفة التي أكتب فيها الآن وطني.. ويا سلام علي إنسان تجتمع فيه كل تلك الصفات الجميلة.. الشطارة والتدين والتسامح والقلب الكبير.. وكلها شاهدتها في حبيبي أنطون سيدهم عليك ألف رحمة وأراك بصدق نموذجا حلوا للمصري الجميل الذي يقتدي به.
وإذا كان ختامه مسكا فإنني أختم كلامي هذا الصادر من القلب بتعظيم سلام لتوأم روح المرحوم صديقي وشريكة عمره السيدة العظيمة سميرة كامل ولا أدري لماذا تذكرت في تلك اللحظة الحكمة التي تقول: الطيور علي أشكالها تقع! وقد اجتمع منذ سنة 1948 رجل عظيم وامرأة رائعة, وثمرة هذا الزواج ثلاث بنات سامية ووفية والمرحومة نادية! وولي العهد يوسف أنطون سيدهم الذي يكمل مسيرة أبيه وينطبق عليه المثل الشعبي القائل: ابن الوز عوام.