تحدثنا في العدد الماضي عن محبة الله لقديسيه.ومن الناحية الأخري,نود اليوم أن نقول
من محبة الله اهتمامه حتي بالأشياء الصغيرة
كل شيء إلي جوار الله,يعتبر صغيرا وضئيلا…
أو كأنه لاشيء إلي جوار الله غير المحدود…
فاهتمام الله بخليقته,أو بالكون كله,هو اهتمام منه بشيء صغير.ولعل هذا من مظاهر تواضع الله ومحبته لخليقته…
حقا ماذا تكون الكرة الأرضية سوي كوكب من كواكب عديدة جدا لاتحصي!بل ماذا يكون الإنسان سوي حفنة من تراب أخذت من هذه الأرض!ومع ذلك ففي موضوع اليوم سوف لانتناول اهتمام الله بالكون كله أو بالبشرية جمعاء إنما اهتمامه بالصغير في عالم الكون,وبالصغير في عالم الإنسان,وفي غير عالم الإنسان,أي اهتمامه بصغير الصغير..!!
ولنبدأ بمحبة الرب للأطفال واهتمامه بهم…
إن الله يحب الأطفال..يحب فيهم البراءة والبساطة وعدم التعقيد وعدم الرياء…وهكذا يقولالحق أقول لكم إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأطفال,فلن تدخلوا ملكوت السمواتمت18:3وفي ترجمة للإنجيل يقول عن الأطفال King Yanes Little Children وفي إنجيل معلمنا لوقا يقولمن لايقبل ملكوت السموات مثل ولد as a little child فلن يدخلهلو18:17.
يقول أيضا من قبل ولدا child واحدا مثل هذا ,فقد قبلنيمت18:5لو9:48.
وقد دافع لرب عن الأطفال.
فقالمن أعثر أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بي,فخير له أن يعلق في عنقه حجر الرحي ويغرق في لجة البحرمت18:5لو17:2وقال إنه ليست مشيئة أبيكم الذي في السموات أن يهلك أحد هؤلاء الصغارمت18:14ودافع الرب عن الأطفال يوم أحد الشعانين وقال للمحتجين عليهمأما قرأتم قط أنه من أفواه الأطفال والرضعان هيـأت تسبيحامت21:16مز8:2.
كان الرب يحب الأطفال ويحتضنهممز10:16
ولما كانوا يمنعونهم عنه استصغارا لهم,وكان يقول دعوا الأولاد يأتون إلي ولا تمنعوهم,لأن لمثل هؤلاء ملكوت السمواتمت19:14مر10:14وكان الرب أيضا يقولانظروا لاتحتقر أحد هؤلاء الصغار.
وقد اختار الرب أطفالا للنبوة والخدمة ولمسئوليات خطيرة:
اختار الطفل صموئيل ,وناداه باسمه ثلاث مرات,وحمله رسالة يبكت بها عالي الكاهن في المرة الرابعة.نعم كلمه الرب في وقت قيل عنهوكانت كلمة الرب عزيزة في تلك الأيام1صم3:1-14وجميل أنه قيل عن صموئيل وكان صموئيل يخدم أمام الرب وهو صبي ,متمنطق بأفود من كتان.,عملت له أمه جبة صغيرة1صم2:19,18.
وكما اختار الرب صموئيل الطفل,اختار الرب أرميا الطفل أيضا…
وقال لهقبلما صورتك في البطن عرفتك .وقبلما خرجت من البطن قدستك.جعلتك نبيا للشعوب أر 1:5ولما اعتذر أرميا الصغير بقولهآه ياسيد الرب.أني لا أعرف أن أتكلم لأني ولدشجعه الرب قائلا لاتقل إني ولد…لاتخف من وجوههم,لأني أنا معك لأنقذك…ها قد جعلت كلامي في فمك.انظر قد وكلتك اليوم علي الشعوب وعلي أعمالك لتقلع وتهدم وتبني وتغرسار1:7-10.
ويشجع الرب هذا الصبي الصغير,ويقول لههأنذا قد جعلتك اليوم مدينة حصينة,وعمود حديد,وأسوار نحاس علي كل الأرض,لملوك يهوذا ورؤسائها وكهنتها ولشعب الأرض.فيحاربونك ولا يقدرون عليك لأني أنا معك-يقول الرب-لأنقذكأر1:19,18
حقا ما أعجب محبة الرب للصغار وتشجيعه لهم…
كل هذه المسئوليات والوعود,يقدمها للصبي الصغير أرميا الذي عرف الرب قلبه قبل أن يولد…حقا سبحوا الرب أيها الفتيان,سبحوا الربمز3:1….الرب يرفع معنويات الصغار ويعينهم في مسئوليات قد تبدو فوق مستواهم.ولكنه يضع إلي جوارها عبارةلاتخف أنا معك.
وإذا بالصغير نتيجة لمحبة الله يصبح أكبر من الكبار!!
يوسف الصديق كان أصغر إخوته.ولكن الله في محبته له أظهر هذه المحبة في أحلام فيها الدلالة علي أن إخوته سوف يأتون ويسجدون لهتك37:5-10وتحققت هذه الأحلام بعد زمنتك42:6ورفع الله هذا الصبي يوسف حتي صار المتسلط علي كل مصر بل جعله الله أبا لفرعون وسيدا لكل بيتهتك45:8
ومثل يوسف الصغير الذي أحبه الله وباركه ,هكذا كان داود أصغر إخوته…
حدث أن يسي البيتلحمي قدم أبناءه السبعة الكبار إلي صموئيل النبي ليأخذ منهم من يختاره الرب.ولم يختر الرب واحدا من كل هؤلاء.وقال يسي.بقي بعد الصغير وهوذا يرعي الغنم1صم16:11هذا الصغير الذي لم يعفه أبوه من رعي الغنم في ذلك اليوم,ليحضر معهم إلي الذبيحة ويري النبي العظيم…نعم هذا الصغير هو الذي أمر الرب نبيه أن يمسحه ملكا فمسحه وسط إخوته وحل روح الرب علي داود من ذلك اليوم فصاعدا1صم16:13.
ولنذكر أيضا في محبة الله للصغار:عنايته بالطفل موسي وبالطفل يوحنا:
موسي الطفل الذي كان معرضا للموت مثل سائر الأطفال,حسب أمر فرعون للقابلتينخر1:16…يرسل له الله ابنة فرعون فتراه في سفط علي جانب النهر فتحن عليه وتأخذه إلي القصر الملكي وتتبناه وتأتي بأمه لترضعه…ويكبر موسي ويصير نبيا.كذلك يوحنا بن زكريا,كان معرضا في طفولته أن يقتل مثل سائر أطفال بيت لحم…كيف اعتني به الله فعاش وصار أعظم من نبي,بل أعظم من ولدته النساء,وصار أيضا الملاك الذي يهييء الطريق قدام السيد المسيحمت11:9-11…حقا ما أعجب محبة الرب للأطفال…
ومن اهتمام الله بالصغار نذكر أيضا الصغار في المواهب…
كان موسي صغيرا في مواهبه ,حسبما اعترف هو بهذا ,واعتذر عن إرسال الرب له.فقالأنا ثقيل الفم واللسانلست صاحب كلام منذ أمس,ولا أول من أمسخر4:10وقال أيضاأنا أغلف الشفتينخر6:30…فإذا بهذا الأغلف الشفتين يصير كليم الرب.ومن محبة الرب له,اختار له هرون أخاه لمساعدته وقال له عن هرونهو يكون لك فما.وأنت تكون له إلهاخر4:16…ونقص مواهبه الجسدية لم يمنع اختياره..!
وكما اختار الرب موسي الثقيل الفم واللسان ,اختار أيضا ليئة وكانت عيناها ضعيفتينتك29:17.
وكانت مكروهة من زوجها يعقوب,الذي كان يحب اختها راحيل أكثر منها.فلما رأي الرب ذلك عوضها بكثرة البنين وما أجمل هذه الآية التي تدل علي حنو الرب,إذ يقول الكتابورأي الرب أن ليئة مكروهة,ففتح رحمها وأما راحيل فكانت عاقراتك29:31….ووهب الله لليئة أن تلد ستة بنين ليعقوب وابنة هي دينةخر29:20-21وكان من بين أبنائها:لاوي,الذي صار منه سبط الكهنوت, ويهوذا الذي صار منه سبط الملوك ومن نسله ولد المسيح…
ومن الناحية الأخري ,لما تعبت راحيل بسبب عقمها عاد الرب فتحنن عليها ,وولدت يوسف وقالتقد نزع الله عاريتك29:22-24.
ولعل من محبة الله ,وتحننه علي صغار المواهب,اختياره لجهال العالم!!
وفي ذلك يقول القديس بولس الرسولاختار الله جهال العالم لينخزي الحكماء واختار الله ضعاف العالم لينخزي الأقوياء.واختار الله أدنياء العالم والمزدري وغير الموجود,ليبطل الموجود لكي لايفتخر كل ذي جسد أمامه 1كو1:27-29….ماذا كان الرسل سوي جماعة غالبيتهم من الصيادين…
واختار الرب الرعاة البدو ليبشرهم الملائكة بميلاد المسيح لو2:8-14واختار مريم المجدلية,التي سبق أن أخرج منها سبعة شياطين لتكون مبشرة للرسل بالقيامة مر16:10,9يو20:17-18.
إنها محبة الرب التي ترفع معنويات الصغير,فيصير كبيرا…
ومن محبة الله أيضا:الاهتمام بصغار النفوس…
وهكذا ورد في أقوال الوحي الإلهيشجعوا صغار النفوس.أسندوا الضعفاء.تأنوا علي الجميعاتس 5:14 ويقول أيضاقوموا الأيدي المسترخية والركب المخلعةعب12:12..كل هؤلاء محبة الله ومراحمه تدركهم حتي لايدركهم اليأس.أليس هو الذي قيل عنه:
قصبة مرضوضة لا يقصف,وفتيلة مدخنة لايطفيءمت12:20أش42:3.
إنه يهتم بالفتيلة المدخنة حتي لاتنهار من صغر النفس,قد تهب عليها ريح بنعمته فتشعلها وكذلك القصبة المرضوضة قد يعصبها فتستقيم.
ومن اهتمامه بصغار النفوس قولهترنمي أيتها العاقر التي لم تلدلحيظة تركتك,وبمراحم عظيمة سأجمعكأوسعي مكان خيمتك…لأنك تمتدين إلي اليمين وإلي اليسار ويرث نسلك أمما ويعمر مدنا خربةأش54:1-7.
ومن اهتمامه بصغار النفوس قولهلأن الرب مسحني لأبشر المساكين,أرسلني لأعصب منكسري القلوب,لأنادي للمسبيين بالعتق,وللمأسورين بالإطلاقاش61:1.
لعل البعض يقول:من أنا حتي أحشر نفسي وسط رجال الله القديسين؟!نقول له:أحشر نفسك إذن مع الركب المخلعة والفتيلة المدخنة ومع منكسري القلوب..
حقا,ليس أحد منسيا أمام الله,مهما كان صغيرا ومسكينا ومنكسرا…
إنه رجاء من ليس له رجاء,عزاء صغيري القلوب,ميناء الذين في العاصف-لقد عزي بطرس الذي صغرت نفسه بعد إنكاره وبكي بكاء مرامت26:75..فظهر له بعد القيامة ورفع معنوياته بقولهارع غنمي ارع خرافييو21:15-17.
كذلك ظهر الرب لأبينا يعقوب وهو خائف من أخيه عيسو وقد ظهرت نفسه جدا فعزاه وقواه وباركهتك28:32.
من محبة الله أيضا إنه يهتم بصغار المركز…
راعوث الموآبية,وهي أرملة غريبة الجنس,لا مركز لها…اهتم بها الرب,وأعطاها نعمة في عيني بوعز وصارت جدة لداود النبي.وحمل اسمها أحد أسفار العهد القديم,ودخل اسمها في سلسلة أنساب المسيح مت1.
وراحاب الزانية,اهتم بها الرب بعد توبتها وإيمانها,وأدخلها أيضا في سلسلة الأنساب,وحسبها الرسول في قائمة المشهورين بالإيمانعب11:31وسجل يشوع اسمها وأعطاها أمانا هي وأهل بيتهايش2:1-:19.
إن كان الرب قد أعطي أهمية لراعوث وراحاب,فكذلك منح مركزا لجدعون:
جدعون هذا لما دعاه الرب ليصنع به خلاصا,قال وهو شاعر بضآلة شأنهها عشيرتي هي الذلي في منسي,وأنا الأصغر في بيت أبيقض6:15ولكن الرب شدده وقوي إيمانه,ومنحه علامات لتقويته,وأراه آيات وصنع به انتصارا عظيما وصار من قضاة الشعب وسجل اسمه في سفر القضاةقض6-8.وكتب القديس بولس الرسول اسمه ضمن أبطال الإيمانعب11:32هذا الذي عشيرته هي الذلي في منسي…
بل لننظر إلي بيت لحم,القرية الصغيرة في يهوذا:
علي الرغم من صغرها وضآلة شأنها إلا أن الرب قد خاطبها قائلاوأنت يا بيت لحم,لست الصغري بين رؤساء يهوذا.لأن منك يخرج مدبر يرعي شعبي إسرائيلمت2:6وصارت بيت لحم هي مدينة داود النبي ,ثم المدينة التي ولد فيها السيد المسيح له المجد ومنحها الرب عظمة لم تنلها أمهات المدن وعواصم الممالك..
ومن اهتمام الرب بالصغار,أنه أطلق هذا الشعب علي المؤمنين به:وقل في ذلكلاتخف أيها القطيع الصغير,لأن أباكم قد سر أن يعطيكم الملكوتلو12:32هذا القطيع الصغير ربما في عدده هو الذي سيدخل ملكوت السموات لأن الباب المؤدي إلي الحياة الأبدية هو باب ضيق,وقليلون هم الذين يجدونهمت7:14.
بودي أن أحدثك عن اهتمام الرب في محبته بأمور كثيرة صغيرة:كالأشياء الصغيرة في عددها,أو في قيمتها ,أو في حجمها.أو اهتمامه بالمخلوقات الصغيرة في شأنها,أو اهتمامه بالعمل الصغير…ولكن يبدو أن المساحة المخصصة لهذا المقال لاتكفي…فإلي اللقاء في العدد المقبل إن أحبت نعمة الرب وعشنا…