ماذا يحصل للمسيحيين في الموصل؟ هل هي بداية المرحلة الأخيرة لاستنزاف مسيحيي العراق استنزافا كاملا؟
بدعوة من اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام ـ المركز الكاثوليكي للإعلام, أقيم, الأسبوع الفائت, في بازيليك سيدة لبنان ـ (حريصا) يوم تضامني مع مسيحيي العراق بشعار: ##صليب العراق ينزف… فمتي القيامة؟## شارك فيه بالصلوات وتقديم شهادات حياة جمع غفير من المؤمنين تقدمهم البطاركة والأساقفة.
وقد أشارت إحصائيات موثوق بها إلي المعطيات الآتية:
- من عام 2003 الي 2010, قتل نحو ألفي مسيحي في مناطق مختلفة, إثر موجات عنف متفرقة.
- بين 27 شباط 2010 وأول مارس, نزح من الموصل 870 أسرة, ومجموعها 4400 مسيحي, بسبب العنف الطائفي.
- في أكتوبر 2008, غادر الموصل هربا من العنف 12 ألف مسيحي.
- 40 في المائة من المهاجرين العراقيين هم مسيحيون. ومجموع المهاجرين حتي الآن مليون و600 ألف عراقي.
- عدد المسيحيين في العراق تراجع بطريقة مأسوية: كان عددهم مليونا و400 ألف عام 1987 وانحدر إلي مليون و200 ألف عام 2003, وأصبح 600 ألف العام الماضي, علما أن العراق يعد 27 مليونا ونصف مليون, منهم 3 في المائة من المسيحيين.
من هم مسيحيو العراق؟
مسيحيو عراق اليوم هم ورثة مسيحية شرقية لها تاريخ ناصع تتصل صفحاته الأولي ببدايات المسيحية. التنصر في بلاد ما بين النهرين يعود لتبشير القديس توما الرسول. والكنائس الأولي في شمال الموصل تعود إلي القرن الثاني. إلا أن الصفحات الأكثر إشراقا في هذا التاريخ هي تلك التي كتبت في القرون الأولي للإسلام, خصوصا في الحقبة العباسية.
وفي حالة العراق قد نشهد, بحزن كبير, أول بلد عربي يفرغ من مسيحييه. وبذلك, ينقطع العيش المشترك الإسلامي ـ المسيحي الذي دام منذ ظهور الإسلام وحتي أيامنا.
إلا أن الكنيسة النسطورية التي قطعت العلاقات مع كنائس العالم الروماني في القرن الخامس, فقدت علي مر الزمن عددا كبيرا من مؤمنيها انتموا إلي الكثوليكية ولا سيما أثناء القرون الأربعة الأخيرة. واليوم, ما بقي من هذه الكنيسة الأصل يسمي الكنيسة الآشورية المشرقية, ومعظم أعضائها (130 ألفا) في أمريكا وكندا وأستراليا, والباقون (كانوا 50 ألفا) في العراق.
القسم الأكبر من مسيحيي العراق اليوم هم من الكلدان الكاثوليك. أما باقي المسيحيين فهم أرثوذكس من طوائف واثنيات مختلفة, وعددهم كان يناهز قبل احتلال العراق 120 ألفا, إلي بضعة آلاف من الإنجيليين والأنجليكان وغيرهم…
أما أسباب تضاؤل عددهم فهي عديدة أهمها إغراءات القوي الأوربية (خصوصا البريطانية), ولا سيما في عام 1919 (لجنة كنج ـ كرين) لحملهم علي المطالبة بحكم ذاتي بحماية تلك القوي. وكان الآشوريون أشدهم حماسة لتلك الإغراءات. فعندما تخلي حماتهم عنهم, حلت بهم الكارثة في العام 1933, فتهجر القسم الأكبر منهم إلي أمريكا.
أما الكلدان فقد اختاروا, بوجه الإجمال, الولاء للوطن العراقي وحفظوا أنفسهم من انفجار المشاعر ضد الأقليات المشكوك في وطنيتها. لكن هؤلاء انتقلت أكثريتهم الساحقة, خلال الأعوام الثلاثين الماضية, من معقلها التاريخي في شمال العراق (كردستان) إلي مدن الوسط والجنوب. وانتقالهم هذا إلي المدن تسبب بغربة نسبية. وعندما وقعت حرب الخليج الأولي ثم الثانية والحصار المفروض علي العراق اشتدت إغراءات الهجرة.
يذكر جوزيف يعقوب, المؤرخ والأستاذ في جامعة ليون الفرنسية ##إن 350 ألفا هاجروا من العراق منذ العام 1961, أي وقت الثورة الكردية, وراحت الهجرة تستنزف أعدادعم (70 ألفا في ديترويت). وتفاقمت الهجرة مع بداية الحصار علي العراق في العام 1990 حيث هاجر حوالي 250 ألفا من المسيحيين##.
أما مع بداية الحرب الأمريكية علي العراق وحتي اليوم فإن الاستنزاف الديموجرافي ما زال قائما.
حاليا, الهجرة المكثفة لمسيحيي العراق تتجه نحو سورية. فهناك نحو عشرة آلاف مسيحي عراقي يعيشون حاليا في سورية. هناك أيضا هجرة نحو الأردن ولبنان, إلا أن سوريا هي ##المحطة المفضلة## لأنها, في رأي مسئول في مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة للاجئين, أقل كلفة في المعيشة ونظرا إلي طبائعها الثقافية المشتركة مع العراق.
وجه بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام نداء عنوانه: ##دعوة إلي الصلاة والغفران من أجل ضحايا العنف والتعصب في العراق. مسيحيون ومسلمون معا من أجل نبذ العنف والتعصب##, أهاب فيه ##بأبناء العراق, والمسلمين تحديدا, والشرفاء العراقيين, حماية المسيحيين##.
وقال: ##ندعو إلي التلاحم والتراحم والوحدة الوطنية في العراق الحبيب. والمسيحيون جزء لا يتجزأ من هذه الوحدة الوطنية والنسيج العراقي الثري المتعدد. ونهيب بهم, مسيحيين ومسلمين, سنة وشيعة, أنتم مسئولون عن وحدة وطنكم. ونقول لهم: لنبق معا, مسلمين ومسيحيين والله معنا! ويريدنا معا كما كنا دائما معا في التاريخ والتراث والإيمان والقيم, لأن مستقبلنا ومستقبل قيمنا الإيمانية, مسلمين ومسيحيين ومواطنين عراقيين, مستقبل واحد مشترك لكل أبناء العراق وبناته##.